رسالة إلى السيد الأستاذ "محمد علي إبراهيم"

د. نجيب جبرائيل

بقلم: د. نجيب جبرائيل
السيد رئيس تحرير جريدة الجمهورية
هل بناء الكنائس كفر ومعصية؟ وإن كان ذلك كذلك فلماذا تصمت الدولة على هذا الكفر وتلك المعصية؟
قد كتبت إليكم فيما سبق أكثر من رسالة، وها أنا اليوم رغم علمي بمسئولياتكم الجسام وخاصة فيما تعدونه في تغطية رحلة رئيس دولتنا المحبوب حسني مبارك إلى الولايات المتحدة الأمريكية في مطلع الأسبوع القادم، جعلها الله رحلة موفقة وناجحة وسديدة من أجل مصرنا الحبيبة.... لكني قصدت اليوم أن اكتب إليكم خاصة بعد ظهور صفحة "أجراس الأحد" التي أتاحتها جريدة الجمهورية لتكون نافذة لهذا الجزء العزيز من نسيج الوطن من الأقباط والتي أصبحت بحق ملتقى حوار المفكرين والمثقفين -أقباط ومسلمين- ورافدًا هامًا من روافد وحدة الوطن.
ولأن المصالحة لا تقوم إلا على أساس المصارحة ولأني أيضًا اعرف قلمكم الجريء الذي لا تخشون فيه لومة لائم في سبيل إظهار كلمة الحق والحفاظ على مقدرات ومقدسات هذا الوطن، لذا فأنني جسرت وبكل حب وأردت منكم من خلال هذه الرسالة أن تلقون بالنظر وتحذرون أؤلئك الذين يسكبون الزيت على النار أؤمن يحاولون إذكاء الفتن الطائفية وهم يعتقدون أنهم يقدمون خدمة للدين أيًا كان هذا الدين ومن ينتمون إليه.

فقد كنت قد قرأت كتابًا يدرس على طلاب كلية الحقوق الصف الثالث بجامعة القاهرة وجاء فيه تحت عنوان الوصية وهل يجوز إيصاء المسلم ببناء كنيسة؟
 فكانت الإجابة: إن ذلك لا يجوز مطلقًا لأن بناء كنيسة هي معصية مثلها مثل بناء نادي للقمار أو مكان لتربية القطط والكلاب والخنازير ومكان لترويج الخمور بل أن مؤلف هذا الكتاب قد ذهب إلى أبعد من ذلك وقال أن المساهمة ببناء كنيسة هي معصية أيضًا بالنسبة لغير المسلم -أي للمسيحي- لأن الكنيسة غير ذات قربة لله ومن الأفضل المساهمة في بناء مستشفى أو مستوصف خيري لأن ذلك هو نوع من البر والتقوى وهذا الكتاب يُدرّس على كافة الطلاب أقباط ومسلمين!!

ومن هذا المنطلق ومن ذات الكتاب الذي يُدرّس على طلبة الحقوق تساءلت في نفسي وتصورت الآتي:
أولاً: أنه لابد للطالب القبطي إذا ما جاءت أسئلة امتحان هذه المادة في هذه الصفحة أو في هذا الموضوع لابد أن يقول ويكتب إن الكنيسة التي يتعبد فيها هي بمثابة نادِ للقمار ومكان لترويج الخمور وتربية القطط والخنازير والكلاب وأن بناءها هو نوع من المعصية، وإذا كتب غير ذلك -أي أن الكنيسة هي بيت من بيوت الله- حتمًا سوف يرسب في هذه المادة ويعيدها أي لابد أن يكتب بصريح العبارة أنه كافر وديانته كافرة حتى يدركه النجاح!!!

 ثانيًا: تساءلت هل هذا هو رأي الإسلام والمسلمين وأزهرنا الشريف ودار الإفتاء المصرية؟؟ وإذا كان الأمر بالإيجاب فمعذرة لحكومتنا في عدم إدراجها لقانون بناء دور العبادة الموحد في الدورات البرلمانية المتعاقبة لأن غالبية بل ملايين الشعب من المسلمين وعلى رأسهم الأزهر كما تصور خيالي وفقًا بما سلف ذكره إن بناء الكنيسة هو نوع من المعصية فكيف تخالف الدولة رأي ملايين المسلمين وتستفز مشاعرهم وأن دستور الدولة في مادته الثانية ينص على أن دين الدولة هو الإسلام وأن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وبما أن الإسلام يحظر ويرى أن بناء الكنيسة هو نوع من المعصية فالموافقة على قانون موحد لبناء دور العبادة هو مخالف بالطبع لنص المادة الثانية من الدستور وبالتالي فإن الدولة عندها كل الحق في الامتناع عن إصدار مثل هذا القانون.

 ثالثًا: وإذا كان هذا ليس هو رأي الإسلام والمسلمين في بناء الكنائس وأنها ليس بمعصية إذًا من المذنب عن امتناع الإصدار هذا القانون؟؟ اعتقد هو الدولة التي بتقاعسها عن ذلك عندما تخلق الفتنة وتعبث بنسيج هذا الوطن بمسلميه وأقباطه بل تزيدها في استمرار هذا الامتناع.

رابعًا: إذا كان مثل هذا الكتاب يدرس على طلبة الحقوق تلك الكلية المعروف أن الكثير ممن يتبوءون مراكز مرموقة في البلاد من خرجيها فماذا ننتظر ممن يشغل منها محافظًا أو وزيرًا؟؟ فننتظر أن تصدر عنهم قرارات أو يشارك في قوانين لتفعيل المواطنة أم تشغل فتنًا طائفية انبثاقًا واتساقًا لِما درسوه على يد هذا الأستاذ وهم بعد غض يافعون.

خامسًا: ثم إذا كان هذا الأمر كذلك لماذا نلوم السوقة والعامة والدهماء الذين يقومون بالاعتداءات على المصلين وكنائس الأقباط في صعيد وقرى مصر ونتهمهم بالتطرف؟؟!!

سادسًا: وتساءلنا أيضًا إذا كان الأمر كذلك فلماذا هذا التزاور والعلاقة الحميمة بين الرجلين الجليلين فضيلة شيخ الأزهر وقداسة البابا؟ وهل يقبل فضيلته عندما يزور البطريركية لتهنئة قداسة البابا بالعيد أن يخوض في مكان مليء بقطعان الخنازير والقطط والكلاب ويرى أماكن اللهو والفجور والخمر وديانته تحذر عليه ذلك وتعتبر أن المكان الذي يذهب إليه وهو البيع أو الكنيسة وهو نوع من المعصية.

سابعًا: ثم ما هو الموقف عندما تتبرع الدولة بقطعة أرض لبناء كنيسة خاصة في المدن الجديدة مثل مدينة العاشر من رمضان أو إضافة قطعة أرض لدير من الأديرة مثلما أعطى الرئيس الراحل أنور السادات مساحة أضيفت إلى دير القديس أبو مقار بوادي النطرون.
وأيضًا عندما أمر الرئيس مبارك بأن يعاد بناء مجمع الخدمات للأقباط على نفقة رئاسة الجمهورية عندما أزاله محافظ الجمهورية منذ سبعة سنوات فهل يعتبر ذلك نوع من أنواع المجاملة وأسف التعبير نفاق بين الحكومة والكنيسة؟؟ ثم ما هو موقف كبار الشخصيات ومندوبي سيادة الرئيس ورئيس الوزراء ومجلسي الشعب والشورى والسيادة الوزراء ورؤساء الأحزاب عند زيارتهم لقداسة البابا أو الحضور للكاتدرائية ليلة الأعياد لتهنئة الأقباط بالعيد وهم يعلمون ما هو معلوم من الدين كما سوف يجيء أن هذا المكان رجس من عمل الشيطان وأن زيارته تعتبر نوع من المعصية؟!

ثامنًا: ثم ما هو موقف النسيج الاجتماعي والكتلة الاجتماعية من المسلمين والأقباط التي تتعامل يوميًا وتتبادل الأتراح والأفراح في كافة المناسبات سواء في قاعات المساجد أو في صحون الكنائس، أليس وفقًا لما ذكر أنه يجب أن تتوقف تلك المعاملات والمجاملات ويتوقف معها الشعور الاجتماعي وحركة المجتمع خشية الوقوع في محظور المعصية ومن ثم تضحى الفتوى التي أطلقها البعض منذ عامين بأن السلام على المسيحي أو مصافحته أو تهنئته في العيد هو معصية فتكون هذه الفتوى قابلة للرواج!

تاسعًا: إذا كان الأمر كذلك وأنا لست من المتفقهين في الدين ولكن ازعم إنني الم ببعض مبادئ الشريعة الإسلامية كما درستها فما هو موقف إخوتنا المسلمين مما جاء على لسان نبيهم ورسولهم "إن من أذى ذميًا فقد آذاني وهو خصم لي يوم الدين"؟؟ وما موقفهم أيضًا عند امتناع الخليفة الفاروق عمر عن الصلاة في كنيسة القيامة ببيت المقدس خشية أن يحذوا المسلمون حذوه ويعتبرونها مسجدًا وبهذه الحكمة المقتدرة امتنع عمر بن الخطاب عن الصلاة في كنيسة القيامة؟؟ وكذلك ما الموقف حين وفد عمرو بن العاص إلى مصر ودعا البطريرك بنيامين من الصحراء وطمئنه على كنائسه وصوامعه فهل كان الخليفة عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص يفعلان عملاً صالحًا أم كان ذلك معصية؟!

لكل تلك التساؤلات التي جالت في نفسي وللوقوف على حقائق الأمور وموقف الدولة من تعاملها مع الأقباط وفي ظل عدم وجود قانون موحد لبناء دور العبادة وفى ظل مسلسل الاحتقان الطائفي أردت أن احصل على الحقيقة من منهلها الطبيعي ومن مصدرها الشرعي، فبعثت برسالة إلى فضيلة الدكتور "علي جمعة" مفتي الجمهورية للحصول على فتوى في هذا الشأن والتي قيدت برقم 1809 لسنة 2008 وجاء ما تقدمت به على النحو التالي:

فضيلة الدكتور "علي جمعة" مفتي جمهورية مصر العربية

تحية طيبة وبعد ......
"جاء في إحدى المقالات لأحد كبار الكتاب ما نقله عن كتاب بكلية الحقوق بالقاهرة في علوم الميراث قد جاء فيه -عند كلامه على تنفيذ الوصايا– ما نصه:
(يحرم على الشخص أن يوصي بما يفض إلى معصية, وذلك كوصيته ببناء كنيسة أو ملهى أو ناد للقمار أو لترويج صناعة الخمور, وتربية الخنازير أو القطط أو الكلاب).
 فما رأي الشرع فيما ورد ذكره؟ وخاصة الوصية من المسلم ببناء كنيسة أو صومعة؟ وإذا كان الجواب بالحظر أفليست هذه بيوت يذكر فيها اسم الله؟ وليست الديانة المسيحية من الديانات المعترف بها في الدستور المصري؟ كما أن هناك كثير من أصحاب الأموال ورجال الأعمال الأقباط يتبرعون لبناء المساجد, فنرجو التكرم بإعطائنا الرأي الشرعي السديد.

الجـواب
قرر علماء المسلمين وفقهاؤهم عند كلامهم على أحكام الوصايا والتركات أن شرط الوصية ألا تكون لجهة معصية, وهذا الذي ذكروه وقرروه هو ما يدل عليه قوله تعالى في كتابه العزيز: "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".
وعليه فما ورد في الكتاب المذكور من أنه يحرم على الشخص أن يوصي بما يفضي إلى معصية هو كلام صحيح لا غبار عليه, والتمثيل للمعصية ببناء ملهى أو ناد للقمار لو ترويج لصناعة الخمور هو تمثيل حسن صحيح لأن تحريم القمار والخمور وبناء أماكن الفجور مما علم تجريمه بالضرورة من الدين الإسلامي.
وبخصوص الوصية ببناء الكنائس, فمن المقرر إن كل دين له عقائده التي استقرت في وجدان المؤمنين به وذلك للخلاص أمام الله سبحانه وتعالى فترى الديانة النصرانية على اختلاف التفاصيل بين مذاهبها المنتشرة المتعددة إن الخلاص في الإيمان بيسوع الرب وهو ما يختلف معهم  فيه المسلمون اختلافًا جوهريًا حيث يرون أن سيدنا عيسى عليه السلام نبيًا وأن الله واحد، أحد، فرد، صمد، لم يلد، ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، فمن رأى منهم أن طائفة قد انحرفت عن هذا التوحيد الخالص فأنه لا يجوز له أن يهب شيئًا لبناء أماكن يعبد فيها غير الله وحده.

وأن الفتوى ممهورة بتوقيع كلاً من الشيوخ:
1- محمد  وسام عباس.
2- أحمد ممدوح سعد.
3- محمد شلبي.
4- علي عمر فاروق.
5- عماد الدين أحمد عفت.
سيدي رئيس التحرير: افدني يرحمنا الله، فيما يجري في مصر كتبت إليكم وأريد أيضًا لأن استطلع رأي صاحب السماحة والفضيلة الإمام الأكبر دكتور محمد سيد طنطاوي فيما جاء في هذه الفتوى والموقعة من خمسة شيوخ لتأكيدها. وهل مازالت دار الإفتاء عند هذا القول إذا كان الجواب بنعم فماذا ينتظره الأقباط؟؟
واذا كان الجواب بالنفي أفلا يستحق الأمر تصحيح هذه المفاهيم الخاطئة ولماذا استمرار سكب البنزين على النار سيما وأن ذلك يأتي من مسئولين كبار.
أشكركم واشكر قلبكم المتسع الذي ينبض بحب مصر وإنني ادعوكم في مؤتمرنا الذي سوف تعقده منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان في أوائل نوفمبر القادم الذي نأمل أن تكونوا من أوائل المتحدثون فيه مؤتمر حوار القوى الوطنية –المصارحة من أجل المصالحة- ومن أجل أن نضع النقاط فوق الحروف ونستأصل الداء ونوجد الدواء لأننا جميعًا في قارب واحد يمكن أن ننجو معًا ويمكن أيضًا أن نصطدم معًا بجبال الثلج وأن ذلك كله بأيدينا.... فماذا نحن فاعلون؟

د. نجيب جبرائيل
رئيس منظمة الاتحاد المصري لحقوق الإنسان ومستشار قداسة البابا شنوده
Nag_ilco@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع