شفيق بطرس
بقلم / شفيق بطرس
هناك أسطورة هندية قديمة تصور قصة خلق حواء، قالوا إن الإله المعبود قد جمع كل الأشياء الجيدة وصنع منها (الرَجُل) وفرح به جداً وتركه يمرح ويلهو مع باقي المخلوقات، يجري خلف النسانيس ويتعلم منها القفز على الأشجار ما بين الأغصان والمرح والانطلاق ويركب النمور والأسود ويتعلم منهم القوة والتسلُط وفرض الأمر الواقع على كل مَن حوله، ويجمع عصافير الغابات ويتعلم منهم التغريد والتسبيح والنغم الجميل الخلاب، وهكذا عاش(آدم) وسط الجنة هانئاً سعيداً...
إلا أنه قد مل هذا وذاك وزهق ومكث حزيناً تقتله الوحدة والملل، فكل مًن يسعده ومَن هم حوله يختلفون عنه لا العيون عيونه ولا الأجساد كمثل جسده ولا العقل كمثل عقله، واكتئب آدم وحزن ونام إلى أن جاء يوماً ومر به الإله المعبود فوجده مغموماً وعرف أنه يريد أن يكون له ونيس مثله، يشابهه في كل شيء لأن باقي المخلوقات تختلف عنه في أشياء كثيرة، ولكن المئونة وخامات التصنيع قد خَلُصِت وآدم مستعجل على قضاه ولا يطيق الانتظار.
فما كان من المعبود إلا أن أحضر الزهور وأخذ منها الجمال والرقة والعطور المختلفة والألوان المتباينة وسحر الرائحة واللون، والبدر وأخذ منه بعض البهاء والإنارة والجمال وجمع النسيم وأخذ منه بعض الرقة والنشوى، وجمع من الخِراف بعض الوداعة والبقرة وأخذ منها بعض الحنان والأمومة والعطاء، وأخذ من الثعلب المكر والحيلة، وبعض الحرص والتدبير من النملة، وبعض الوحشية والافتراس من السبع، وهكذا صنع عجينة وكوّن منها المرأة (حواء).
وأعطاها له ففرح جداً بها وتركه مُدة وإذ به يُفاجأ بالرجل يرفض الهدية، وقال للمعبود: المرأة التي أعطيتني إياها قد زهقتني من عيشتي من المناكفة وعدم الكف عن النكد وروحي بقيت في مناخيري، خلاص بقى أنا مش طايق، أتخنقت منها خُدها مش عايزها!!
فقال له المعبود وليكن أتركها وأذهب، فتركها وذهب وحيداً، وما من فترة قصيرة حتى حضر مرة أخرى للمعبود مكسوفاً ومخزي الوجه وقال له: أنا عيل ورجعت في كلامي أعطيني المرأة ثانية فقد افتقدتها وتجدني متلهفاً عليها، فقد تعودت عليها ولا أستطيع العيش بدونها!!
فقال له المعبود حتى لا ترجع مرة أخرى لك نصيحة (هذه المخلوقة قد جمعتها من أشياء مختلفة ومتناقضة ولك أن أردت أن تعيش معها فلتتعايش معها، خُذها على كل ما فيها من حلوها ومرها وترتاح وتريحني معاك وتحِل من سمايا).
وإن كانت هذه أساطير قديمة قبل أن يعرف الإنسان الأديان، فلنحاول إلقاء بعض الضوء عن كيفية خلق الله تبارك اسمه لحواء، فكلنا نعرف القصة كاملة وكيف أنها أُخذت من ضلعة من ضلوع آدم اليُسرى وهذه الضلعة كانت بجانب القلب وكأن الله سبحانه أراد أن تكون هذه القطعة متعودة على سماع دقات قلب آدم وقريبة إلى قلبه لتكون أحب المخلوقات إليه، وهي من جنبه فتكون بجواره وليس من رأسه فتترفع عليه ولا من قدمه فيدوسها ولكنها بجانبه لا هي خلفه ولا أمامه، والضلعة تتكون من لحم وعضم فهي فيها ليونة ونعومة وحساسية اللحم الطري كما هي أيضاً فيها قسوة وخشونة العِظام الناشفة، وكما أن بداخل العظام النخاع والذي يكون الدم وهو أكسير الحياة فأن بداخل حواء أيضاً مصنع الحياة إذ يتكون بداخلها الجنين لتحبل وتلد وتكون هي سر عمار المسكونة واستمرارية الحياة.
وتيجي سِت الحُسن والجمال (حواء) وتعايرنا وتقول إننا معشر الرجال مخلوقون من التراب والطين، أما هُن معشر النساء فمخلوقات من لحم وعظام والتي هي ضلعة آدم الغلبان التي نُزعت منه بعد أن نام، نقول للست (حواء) طب ماللحم والعضم مصيره برضه للتراب وعلشان ربنا راضي على (آدم) أراد أن يقدم له امرأته من أجود الخامات، وناخدها بهذا الشكل نرتاح جميعاً، وترتاح (حواء) وتهمد لأنها تشعر بالأفضلية والتميُز ويرتاح الغلبان (آدم) لأنه يشعر بالأصالة وإنها سترجع للتراب مثله لأنه الأصل وفي الحقيقة لا هي مرتاحة لأنها تشعر بالغيرة لأنه هو رأسها ورجُلها وأن الخالق تبارك اسمه قد رفعه وفضله عنها، ولا هو مرتاح لأنه دائم الحاجة لها فهي الأم والعشيقة والزوجة والمُعين وهو دائم الاحتياج إليها ولذا يَعتبِر احتياجه الدائم إليها خنوعاً وإذلالاً وضعفاً قد خُلق به ولا يملك تغييره، ولراحة الطرفين أقترح كوصفة سحرية للحياة الهانئة أن يرتضي كل من آدم وحواء بعطايا الخالق لكل منهما ونبتعد عن النقاش ونقضيها طناش.........
مش كده ولا إيه
http://www.copts-united.com/article.php?A=612&I=18