أبي فوق الشجـــــرة .... وحوار شيّق مع حفيدي.!!!

نبيل المقدس

بقلم:  نبيل المقدس
أجد متعة عندما أتقابل مع حفيدي والذي لا أراه إلا القليل لكثرة مشغولياته الصبيانية ... لكنها مثمرة ... فهو بإستمرار خارج بيته إما في إجتماعات روحية أو مؤتمرات تبع كنيسته الخاصة , ولا يفوّت منتدي من منتديات التي تُعقد في مجال كنيسته للحوار وللمناقشات البناءة , وخصوصا أن إيمان هذا الجيل يتوقف أساساً علي التحاور والمناقشات في حدود جوهر عقيدتنا . وأنتهزت فرصة وجود عطل في جهاز الكمبيوتر وطلبته أن يحضر لكي يقوم بإصلاحه حيث أنه خبير أيضا في هذه الأجهزة ... مثل حال أغلب صبيان هذا العصر . ولم يأتي إلاّ عندما وعدته أننا سوف نتناقش في موضوع شجر الجنة المذكورة في تكوين 3 : 1 - 7 . فقد سألني عليه من قبل , وبدل أن أشرح له كان هو رائد الجلسة ومُمسك بدفة الحوار في البداية.. 
بدأ حديثه بأن الإسم الأصلي للحية هي بالعبرية Nahash والتي تعني بالعربية حنش أو حية , لكنه كان متمسكاً  في سياق كلامه أن يطلق علي الحيّة الحنش , وبأسلوبه اللطيف الساخر قال : لكي لا نلصق علي المرأة انها كالحيّة بل كالحنش .. وإستهل كلامه بعد ذلك قائلاً:
من خلال الحنش جاء الشيطان وبدأ يدخل في مناقشة مع حواء واهماً لها أنه مُعلم وخَبير في أمور الله قائلاً لهـا :[ أحقا قال الله لا تأكُلا من كل شجرة الجنة؟؟] ... وهنا نلحظ حقيقة هامة تتركز في أن حواء لم تصطدم أو تندهش بما قاله الحنش لها.!!! وهذا واضح كل الوضوح في ردها له مباشرة وبدون أي إنفعال أو تفكيرحيث قالت [من ثمر شجر الجنة نأكل, وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله لا تأكُلا منه ولا تمساه لئلا تمُوتا]  ... علينا أن نسأل أنفسنا ...من أين جاءت حواء بهذه المعلومات أو الوصية؟؟؟ واضح من الكتاب المقدس , أن آدم هو الذي علّمَها وصايا الله .... لكن السؤال المُهم هنا والذي يراودني دائما ياجدي ... أين كان آدم عندما كان الحَنش يحاور حواء ويُقنعها بأن الأكل من هذه الشجرة  يجعلهُما كالله عارفين الخير والشر ... أتصور أن آبانا آدم كان جالساً فوق فرع شجرة بالقرب منهما يتصنت الحوار الذي كان يدور بين ناحاش ( الحنش) وحواء ... و أتخيّل أنه كان واضعاً يديه علي قلبه خوفاً من أن ترفض حواء عرض ناحاش , لكي ينسب الخطأ إليها عندما يسأله الله . فقد قصد آدم أن لا يُظهر نفسَه أثناء الحوار بين حواء والحنش , وأنه أخذ فكرة وخلفية كاملة عن الحوار الذي دار بينهما , بدليل أنه لم يتردد لحظة في أكلها عندما أعطت حواء له هذه الثمرة ...!!! فقد كان المفروض أن يرفض أكل الثمرة حتي ولو أظهر تردداً مُصطنعاً قبل أن يأخذ منها الثمرة ويأكلها ... لذلك لا نُحمِل حواء لوحدها بأنها هي سبب دخول الخطية في الإنسان بل نُحمل أيضا آدم لأنه كان الشريك الصامت الماكر في هذا الإغواء....!!!
هـــــــــذه كانت وجهــــــــــة نظـــــــــر حفيـــــــدي ...!!
  
وأثناء وجوده معي أخذت أفكر في هؤلاء الشباب وكيفية نظرتهم لدراسة الكتاب المقدس في وقتنا هذا , فهي أكيد تختلف إختلافا كلية من العصر التي كنت فيه شاب  ... فوجهت كلامي له قائلاً :تذكرت نقطة هامة  قد تمت إثارتها من زمن ليس ببعيد ولاقت عدم القبول من بعض المفسرين  في حينها, والآن أود أن لا أتجاهلها, لأنها أصبحت محل أسئلة لكثير من الشباب المسيحي والذي أصبح لا يقبل الكلام إلاً بالمنطق , وعلينا نحن أن نساير أسلوب شبابنا الجديد ونحترمه , لكن يجب علينا أن نكون مستعدين ودارسين طبقا بما يتناسب مع هذه العقول الإلكترونية وفي نفس الوقت لا نحيد عن جوهر الكتاب المقدس... لذلك أقول , هل نخطئ عندما لا نتخذ الكلمات الموجودة والموحي بها من الروح القدس بالمعني الحرفي لها ... ففى تكوين 2 : 15 ـ 25 نجد فيها أن أول وصية أنزلها الله كانت مُوجهة إلى آدم وألتي تنص على أن يعمل ويحافظ على جنة عدن . وثانى وصية هي أن يأكل من جميع شجر الجنة , وأما شجرة الخير والشر فلا يأكل منها . لأنك يوم تأكل منها موتاً تموت. هناك رأي يقول : أن ذِكر الشجرة لم تأتى فى هذه الآيات بالمعنى الحرفي (شجرة) بل كان الوحي يقصد بها التعبير عن  الأعمال الخيرة والأعمال الشريرة , فعندما قال الله يأكل من جميع شجر الجنة , كان الله يقصد أن يفعل آدم جميع الأعمال البارة التى ترضي الله وتناسب صفاته وتتوافق مع المكان الذى فيه ( الجنة)  .

عندما أحضر الله حواء إلى آدم كان كلاهما عريانين وهما لا يخجلان لأنهما لا يدركان. نفهم من ذلك أن الشيطان الذى كان فى صورة ناحاش أوقع حواء فى خطية  الشهوة بأن أظهر مفاتن جسدها ولتغـُرى آدم بأن يشتهيها  , وهذه الشهوة هي التى كان الله يقصد بها [  ثمر الشجرة التى فى وسط الجنة لا تأكلا منه ولا تمساه ... فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون وشهية للنظر .. وأعطت أيضا رجلها معها فأكل ] تكوين 3 : 3 - 6 هذه الشجرة التى كان يقصدها الله ما هي إلاّ شهوة الجسد وهذا واضح في الكلمات التي جاءت في الآية السابقة والمملوءة إيحاءات جسدية مثل بهجة للعيون وشهية للنظر . فقد نجح الشيطان فى إظهار مفاتن جسديهما مما أثار حسهما الجنسي . والدليل على ذلك بعد شعورهما بالشهوة الحسية والتي هي تُعتبر كسر لوصية الله إنفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان . فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر. والدليل على أن هذه الشجرة هي شجرة شهوة الجسد وربما شهوة العيون أيضا أن الله عاقب المرأة بقوله تكثيراً أكثر أتعاب حبلك. بالوجع تلدين أولاداً وإلي رجلك يكون إشتياقك وهو يسود عليك, وعاقب آدم بقوله بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك, وشوكاً وحسكاً تنبت لك وتأكل عشب الحقلِ بعرقِ وجهك تأكل خبزاً حتي تعود إلي الأرضِ التي أخذت منها, لأنك تراب وإلي تراب تعود. تكوين 3 : 16 – 19

نستطيع أن نقول لأولادنا أن الشهوة هي أصل الخطية ... وهي التي كان يقصد بها شجرة الخير والشر , فعندما عرفا الفرق بين الخير والشر , لذلك كان علي الرب الإله أن يطردهما من الجنة لكي لا يحييا الحياة الأبدية .
فبعد ما إلتصقت الشهوة بهما , وبعد خروجهما من جنة عدن , عرف آدم حواء إمرأته ,فحبلت وأتينا نحن بخطية الشهوة والتي تحوي جميع أنواع الشرور .... مثل شهوة الجسد , وشهوة المال , وشهوة السلطة , وشهوة تعظم المعيشة , وشهوة الغيرة , وشهوة الحسد , وشهوة القتل والإنتقام والعنف, وجميع شهوات الحياة  الأخري!!!!! 
الشهوة هي التي فصلتنــــــــا عن الله .... حتي جاء الرب متجسداً في المسيحِ ... لكي يعيدنا إليه ...!!!!!

هز حفيدي رأسه دلالة علي انه سوف يفكر في هذا الأمر ... وفجأة لم أجد جهاز الكمبيوتر أمامي , بل غافلني وأحضر كرتونة كبيرة ووضع الجهاز بداخله قائلا ... شكرا يا جدي علي إهدائك لي الكمبيوتر فأنا في أشد الحاجة إليه بجانب جهازي الخاص ... وكفاك اللآب توب الذي تمتلكه ....!!!! ثم وضع الكرتونة وملحقات الجهاز بجانب باب الشقة لحين مجيء أبيه لكي يأخذه في عربيته . فعلا كان الحــــــــوار بخسارة  حيث فقدت جهــــــــازي ....!!!!!!!!!!!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع