بولس رمزي
بقلم: بولس رمزي
منذ أن ألقت الحقوقية الأستاذة نجلاء الإمام قنبلتها في وجه الجميع وإعلانها اعتناقها المسيحية وأنا أتابع عن كثب تصريحاتها وردود الافعال من حولها، لعلني أستطيع استخلاص دروسًا مستفادة من خلال الفعل والفعل المضاد من خلال المحاور التالية:
المحور الأول: تأسيس مبدأ الحرية الدينية
المحور الثاني: ثقافة عدم قبول الآخر
المحور الثالث: موقف القانون المصري من الحريات الدينية
المحور الأول: تأسيس مبدأ الحرية الدينية
مما لا شك فيه أن شجاعة نجلاء الإمام في إعلانها من قلب القاهرة تحولها إلى الديانة المسيحية أجبرت العديد من المفكرين ووسائل الإعلام التسليم بحقها في اعتناق الديانة التي ترغب فيها، وهذا في حد ذاته يعد تحولاً فكريًا بين الكثير من النخبة والعامة في مصر، فبعد أن كان التحول من الإسلام إلى إلحاد أسهل وأيسر كثيرًا من التحول إلى الديانة المسيحية، فلا ننسى أن كثير من اخوتنا المسلمين أعلنوا إلحادهم ولا نري أحدًا يكفرهم أو يفتي بإهدار دماؤهم، لكن كان من المحرمات والمبيقات التحول إلى المسيحية، أي بمعنى أوضح ليس لدى الكثير من العلماء مانع من إلحاد المسلم أما إذا فكر في اعتناق المسيحية فهنا تكون نهاية العالم ويتم إهدار دمه، لكننا نجد الآن الكثير من الأخوة المسلمين سواء من النخبة أو العامة من خلال وسائل الإعلام المختلفة أو التعليقات على موضوع الساعة -ألا وهو موضوع نجلاء الإمام- فإن الأغلبية يرون أنه من حق نجلاء الإمام اختيار عقيدتها ولا أحد وصيًا عليها، وهنا نرى أنه من بين المكاسب التي حققت من اعتناق الديانة المسيحية هو التغيير النسبي الملموس في اتجاهات الرأي العام في مصر القبول بحذر شديد لحريتها في الاختيار، وهنا نلحظ تقدمًا كبيرًا في ثقافة المجتمع المصري على الرغم من أنه تغير طفيف إلا أنه نقلة نوعية هائلة.
المحور الثاني: ثقافة عدم قبول الآخر
من خلال هذا المحور أتمنى على الأستاذة نجلاء الإمام في أن تسمح لي أن أوجه لها بعض الانتقادات ومن أهمها:
1- من حق نجلاء الإمام أو غير نجلاء الإمام اعتناق ما يشاء، ومن حقها أن تفند أسباب قبولها للمسيحية حياة لها كما تشاء، لكن ليس من حقها أن تتكلم عن أي مساوئ أو عيوب قد تراها في ديانتها السابقة، أنا أعلم أن الكثير من المعلقين سوف يعارضونني في هذا لكن سوف أقلب لهم السؤال، بفرض أن بولس رمزي قرر اعتناق الديانة الإسلامية.. هل ستقبلون من بولس رمزي الحديث عن أي عيوب قد يراها في المسيحية؟ إذا قبلنا وسلمنا بهذا نكون ساهمنا في دخول مصر والمنطقة في نفق مظلم صعب علينا جميعًا الخروج منه، وبالتالي فأنا أرفض تمامًا معالجة الأستاذة نجلاء الإمام واستخدام اسلوب البال توك في شرح أسباب اعتناقها للمسيحية، الأستاذه نجلاء الإمام سيدة مجتمع وتعتبر من الشخصيات العامة في مصر ويجب عندما تشرح أسباب اعتناقها المسيحية أن تكسب تعاطف المسلمين مع قرارها قبل المسيحيين، ولذلك أنا أتمنى عليها عمل مراجعة دقيقة لجميع المواقف التي اتخذتها وأن تستعيد توازنها وأن لا تنصاع وراء أحد في أن يستدرجها إلى عش الدبابير، الموقف حساس جدًا والسيدة نجلاء الآن أصبحت مسيحية وعليها أن تتكلم في مسيحيتها فقط دون الخوض في عقائد الآخرين.
2- ما تعرضت له الأستاذه نجلاء الإمام من اعتداءات على منزلها من البلطجية هو اعتداء سافر على حريتها، وتراخي أجهزة الدولة في توفير الحماية لها ما هو إلا ضوء أخضر لمعاقبتها على اعتناقها المسيحية، وهنا أنا أضم صوتي إلى صوتها بضرورة وقوف جميع المنظمات الحقوقية في مصر إلى جوار سيدة مطاردة هاربة من الغوغائيين من جهه ومن المطاردات الأمنية من جهة أخرى، لإجبار الأجهزة الأمنية إلى أن تقوم بتوفير الأمن والحماية للسيدة نجلاء الإمام.
3- كثيرًا ما فتحت أجهزة الإعلام في مصر شاشاتها أمام مسيحيات قاصرات اعتنقن المسيحية، وكثيرًا ما كنا نسمع ونشاهد كيف لتلك القاصرات يعلن من خلال وسائل الإعلام بأنهن اتجهن إلى دين الحق وتركن الباطل -والمقصود بالباطل هنا الديانة المسيحية-، وبنفس الطريقة فمن حق من يعتنق الإسلام أن يتكلم عن محاسن دينه الجديد دون التعرض بالإيذاء لأصحاب الديانة السابقة، وهنا لم نر أن من يتعرض للديانة المسيحية بالقول والفعل بأنه مُطارد، ولم نر بلطجية اقتحموا مسكنه ودمروه، ولم نر من السلطات الأمنية تمرير عمليات البلطجة ضدهم بل على العكس فإن الأجهزة الأمنية توفر لهم السكن الآمن والحماية الكاملة وهناك من يغدق بالأموال عليهم مكافأة على دخولهم الإسلام وهناك العديد من الجمعيات التي تتلقى تمويلاً سعوديًا لعمليات الأسلمة للأقباط، ولم نر من الدولة أي ردود أفعال تجاه تلك الجمعيات.
4- إلى متى سوف نرى في كل مناسبه يتم فيها إعلان شخص تغير ديانته إلى ديانة أخرى تطبيلاً إعلاميًا استفزازيًا للطرف الآخر؟ تغيير العقيدة هو علاقة بين العبد وربه ولا يحتاج كل إنسان يقوم بتغيير عقيدته إلى ضجة إعلامية الغرض منها استفزاز الآخرين، كل إنسان حر في اختيار عقيدته مع تقديم احترامه لعقائد الآخرين ولا نحتاج إلى زفة إعلامية للإعلان عن دخولنا إلى عقيدة أخرى، وإن كان لا بد من الأحاديث الإعلامية فلا يجب أن نقترب من بعيد او قريب للديانة السابقة، يجب علينا أن نتعلم من أخطائنا.
المحور الثالث: موقف القانون المصري
لم يتعرض القانون المصري من قريب أو بعيد من موضوع المنتقلين من الإسلام إلى المسيحية، بل أن المادة السادسة والأربعون من الدستور المصري تنص على: (تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية)، وفي هذا النص الدستوري لا يمكن للقانون المصري بأن يوجه أي مخالفه قانونية للمتحولين من الإسلام إلى المسيحية أو العكس، بل على العكس تمامًا فقد ألزمت هذه المادة الدستورية الدولة بتوفير الحماية لأي شخص يتحول من ديانة إلى أخرى، لكن -وعند كلمة لكن نقع في المحظور- فإن المتحول من المسيحية إلى الإسلام تقدم له كل وسائل الحماية والرعاية ونرى الجميع يساهمون في إنهاء الإجراءات الخاصة بتعديل خانة الديانة في الهوية الشخصية، وفي المقابل نرى جميع التسهيلات التي تقدم إلى البلطجية لمطاردة وإهانة وتهديد حياة كل من يتحول من الإسلام إلى المسيحية، ونجد جميع التعقيدات حول تعديل خانة الديانة في ثبوتات هويته الشخصية ونرى تهمة ازدراء الأديان في انتظار كل من يتحول من الإسلام إلى المسيحية، وكلها أفعال منافية للدستور المصري الذي يعطي كل إنسان الحق في اختيار ديانته في حرية تامة وتكفل له الدولة الحماية وقوت عيشه، كما أن الدولة ملتزمة بتعديل خانة الديانة في بطاقته الشخصية.
أخيرًا
أتمنى على الأستاذة نجلاء الإمام البعد كل البعد عن الخوض في سجالات دينية لا تخدم سوى المتربصين بأمن البلاد ويتحينون الفرصة تلو الأخرى لإثارة الفوضى في ربوع مصر.
حمى الله مصر من موقدي الفتنة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5900&I=161