لماذا لا نرى إلا نصف الكوب الفارغ؟!

أشرف عبد القادر

بقلم: أشرف عبد القادر
المثقف -الجدير بهذا الاسم- هو الذي لا يفقد حس النسبية، ولا يأخذ قرارات حدية، فنحن أمة الوسط - كما قال قرآننا الكريم "وكذلك جعلناكم أمة وسطًا"- لا نعرف الوسطية، نحب أو نكره، ملاك أو شيطان، أبيض أو أسود، جنة أو نار، بهذه الرؤية الحدية نرى قضايانا، فكل الحكام والأنظمة والشعوب، ليسو ملائكة ولا شياطين، بل بشر يصيبون ويخطئون، ودور المثقف هو النقد البناء للأخطاء وتشجيع القرارات والممارسات الصحيحة، بأن يشيد بالمصيب وينقد المخطئ ليعدل خطأه، ففي كل نظام عالمي -مهما بلغت درجة تقدمه وتحضره- أخطاء، بل وجرائم أحيانًا، فالجنة لم ولن توجد على الأرض... فنظام أوباما في أمريكا ليس صحيحًا 100 في المائة، وكذلك النظام الفرنسي، ولا الإسرائيلي... إلخ.

نظام الحكم في مصر به أكثر من مائة خطأ، وليس معنى ذلك أن نحكم عليه فقط من خلال أخطائه، بل يجب علينا أيضًا أن نشيد بمنجزاته. أخطاء النظام المصري جدية حيث انتشر الفساد في كل أجهزة الدولة، هذا ما لا ينكره منصف، ولكن هل يوجد نظام في العالم ليس فيه فسادًا؟؟!!.
يُحسب للنظام المصري أنه قاد مصر إلى بر الأمان في ظروف شديدة التعقيد، سواء على المستوى المحلي أو على المستوى العالمي، وتعتبر أعظم انجازات النظام المصري أنه استأصل الإرهاب، والأهم أن الإرهابيين تابوا توبة نصوحًا. الجماعة الإسلامية التي اغتالت السادات -وأيد ذلك راشد الغنوشي في كتابه "الحريات العامة في الدولة الإسلامية" ص 184- أصدرت 12 كتابًا تدين فيها العنف باسم الإسلام، واعترفت بأن السادات مات "شهيدًا" في أحداث فتنة، ونصحت بن لادن بالتفاوض مع أمريكا أوباما... كما قال د. فضل أستاذ أيمن الظواهري عن حرب حماس في غزة، ما قاله الإمام مالك في الخمر، حيث دافع عن مصر بحرارة المؤمن بالله والمؤمن بوطنه...
ما يُحسب لهذا النظام أيضًا، أنه ولأول مرة يرتفع معدل التنمية إلى 6.5% في تاريخ مصر الحديثة، والله لولا تآمر الإخوان المتأسلمين بقيادة هتلر مصر مهدي عاكف على المشاريع التنموية بتفجير قنبلة الإنفجار السكاني في أنفسنا لتضاعف معدل التنمية ولاجتازت مصر عتبة الفقر، ولكن هدف المتأسلمين الخبيث هو إفشال كل المشاريع التنموية لإجاعة الشعوب لتنتفض ضد نظم الحكم، ليحدثوا الفوضى التي يحلمون بها -كما سبق وصرح مهدي عاكف بذلك، عندما قال لروزليوسف: "نحن لا نريد ثورة بل فوضى"- لينقضوا على السلطة، لينفذوا برنامجهم الظلامي الطالباني وتتحول مصر إلى إمارة إسلامية طالبانيه يتحالف فيها الفقر والجهل والقمع والظلم مع تطبيق الشريعة كما في إيران الدينية الفاشية.

قنبلة الإنفجار السكاني هي أكبر خطر يهدد مصر، فكل ما يقوم به نظام مبارك من زيادة تنموية تأتي الزيادة السكانية لتلتهمه "وكأنك يا أبوزيد ما غزيت"، لنقف محلك سر دون أي تقدم إلى الأمام أو إلى تقدم يسير بسرعة السلحفاة، لاتهام نظام الحكم بالعجز وعدم قدرته على توفير حاجات شعبه، هل تتخيلون أن تعداد شعب مصر بلغ أكثر من 80 مليون نسمة والفضل يعود إلى الإخوان المتأسلمين وإفشالهم كل برامج التوعية والإرشاد التي تقوم بها الحكومة لتوعية الشعب (الجاهل والمُجهل) بمخاطر التزايد السكاني، فهم يكفرون كل من يحث على تحديد النسل مستندين إلى حديث يقول: "تناكحوا تكاثروا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة". والحال أن أصبح المسلمون في العالم الآن مليار ونصف مليار مسلم، لكن دون وزن، كغثاء السيل.

لماذا لا نتعلم من الصين بأن يحدد لكل أسرة طفل أو اثنين على الأكثر أما الطفل الثالث فتدفع الأسرة غرامة للدولة لأنها حملتها ما لا طاقة لها به، فاستطاعت الصين تنمية اقتصادها واجتازت عتبة الفقر وانضمت إلى مصاف الدول المتقدمة.. يا بختك يا صين، ليس فيكي متأسلمون... يفكرون في مستقبلهم بعد الموت، ويتعامون عن مستقبل شعوبهم في هذه الحياة، كأنما كتب الله علينا دون عبادة أن نذهب للجنة جياعًا وأميين ومرضى وإرهابيين...

سمعت منذ سنوات في إذاعة "فرنسا الثقافية" أن أحد أعضاء نهضة الغنوشي مضرب عن الطعام وله 8 أبناء، في حين أن معدل الإنجاب في تونس لا يتعدى 3 أطفال. إذًا فالمتأسلمون في كل مكان يريدون تخريب الأمة العربية والإسلامية بقنبلة الإنفجار السكاني التي هي سلاح دمار شامل للتنمية الإقتصادية وحماية البيئة.

رأينا أيام حرب غزة أقزام المثقفين العرب مثل برهان غليون يتهجمون على مصر ويطالبونها بالحرب مع إسرائيل أو قطع العلاقات معها، وهم يعلمون علم اليقين أن الحرب أو قطع العلاقات سيكون كارثة على مصر وعلى أمتها العربية والإسلامية، والحال أن مصر كانت تتوسط أثناء الحرب وبعد الحرب وإلى الآن كوسيط سلام بين إسرائيل وحماس، وإسرائيل وسورية، وبين حماس وفتح، لأنها تعلم أنه بدون وحدة الشعب الفلسطيني لن تقوم له دولة فلسطينية، لأن إسرائيل تقول: لمن نعطي الدولة هل للسلطة الفلسطينية المنتخبة؟ أم لحماس؟. أما عندما يصبح الفلسطينيون صوتًا واحدًا وقرارًا واحدًا فإنهم يقطعون دابر هذه التعلة، لكن أقزام المثقفين سرّحوا عقولهم في أجازة طويلة وما عادوا يستمعون إلا لعواطفهم... فما الفرق بين المثقف ورجل الشارع الأمي؟
لا فرق.

وكيف يجهل السيد غليون -وهو المتخصص في العلوم السياسية- أنه لا يمكن هزيمة إسرائيل. لأنها إذا هُزمت فستستخدم القنابل الذرية لتدمير الجميع، وسيكون شعارها وقتئذ شعار شمشون الجبار "عليّ وعلى أعدائي يا رب"... ونعلم كذلك أن أمريكا والغرب لن يسمحا بهزيمة إسرائيل، وطالما أن هزيمة إسرائيل غير ممكنة فلماذا الحرب معها؟ هل لكي ننهزم من جديد لنعمق جرحنا النرجسي أكثر وأكثر؟ أم هو نوع من العقاب الذاتي؟؟!!.

علينا أن لا نرى فقط النصف الفارغ من الكوب، فالنفس المريضة هي التي لا ترى إلا النصف الفارغ، أما النفس السوية فترى الإيجابيات قبل السلبيات، ولا تقلل من حجم الإنجازات، يجب أن ننظر إلى ما تحرزه الأنظمة العربية من تقدم -حتى وإن كان بطيئًا- ولكنه واعد بمستقبل مشرق، انظر ما فعلت الحكومات المتأسلمة بالأمس في أفغانستان، واليوم في السودان وإيران، الانهيار الاقتصادي والسياسي والأخلاقي والديني..

فحال أقزام مثقفينا يتمثل في قول الشاعر:
عين الرضى عن كل عيب كليلة / ولكن عين السخط تبدي المساوي
Ashraf3@wanadoo.fr

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع