محمود الزهيري
بقلم: محمود الزهيري
كانت أصداء تقديم الرئيس السوداني عمر حسن البشير واسعة الأصداء في كافة وسائل الإعلام المحلية والدولية والعالمية , ومازال إسم موريس لورينو أوكامبو يتردد ويكتسب شهرة وإنتشار عالمي , وكما يقال عنه ويوصف بأنه صائد العسكريين من قادة الدول الإستبدادية , وما كان الرئيس السوداني عمر حسن الشير إلا أحد هؤلاء القادة والزعماء العرب الذي لايختلف عن معظم القادة العرب في الإستبداد والطغيان وحكم الفرد .
أزمة البشير هي أزمة الشعور العربي الإسلامي الذي يظهر علي السطح ملتحفاً بشعارات العزة والكرامة من جانب أنصار الحل العروبي القوماني , وأصحاب الحل الإسلامي العالماني الأممي , ومابين العروبي القوماني والإسلامي الأممي تسكن كافة الأزمات والمصائب الخارجة من رحم أفكار هذين التيارين أصحاب الحلول المؤجلة علي الدوام , والتي يتبدي من خلال قراءة معظم الأطروحات مدي العجز والقصور في عرض هذه الأطروحات , بالرغم من أن الأطروحة الآنية تسكن في رحاب الدولة الديمقراطية صاحبة الحريات الفردية والجماعية والمعتصمة بكرامة الأنسان وحريته , قبل النداء دوماً بكرامة الأوطان وحريتها , لأن الأوطان لاتكون حرة وتعيش في كرامة وعزة إلا بعزة وكرامة وحرية مواطنيها , وليس بعزة وكرامة الزعماء والقادة الأشاوس .
فالدول الديمقراطية لاتعرف القائد الملهم , ولا تتباهي بالزعيم الموهوب , فالإلهام والموهبة لاتكون في هذه الدول إلا بالقدر الذي يتهيأ معه أكبر قدر من المصلحة والرفاهية والسعادة والأمن وإكتمال وتطابق منظومة الحقوق والواجبات أي بمعني أدق : تفعيل سيادة القانون والدستور اللذان يجعلان كافة المواطنين متساوين أمام سلطان واحد فقط هو الدستور والقانون .
أصحاب أطروحة القومانية العربية , والأممية الإسلامية يمثلان أزمة في كل البلدان العربية , ويمثلان عودة للوراء إلي ماقبل التاريخ الإنساني , أو ماقبل الدولة , وبتعبير أقرب للفهم , إلي ماقبل القبيلة .
كيف يتراءي لأصحاب الحل القوماني العروبي أن حل كافة الأزمات والمشاكل , بل قل : كافة المصائب التي تعيشها الأوطان العربية مؤجل علي شرط واحد فقط , وهو الوحدة بين الأوطان العربية , أو تطبيق الشريعة الإسلامية والعمل علي عودة الخلافة الإسلامية .
التناقض في الرؤي والتصورات يتبدي في أزمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير فنجد الذين يحرقهم الشوق إلي العدل , هم أنفسهم الذين يؤرقهم الخوف من العدل , وهذا التناقض ذاته هو المقياس الذي تقاس به مشاعر وأحساسيس ووجدان العرب والمسلمين , فهم يتوقون إلي العدالة والحرية , وهم يتمنون الديمقراطية وتبادل الحكم والسلطة , وفي ذات الوقت هم من يساندوا أنظمة الطغيان والفساد والقتل والإستبداد !!
طبعاً .. وعلي المستوي الرسمي تجد معظم الأنظمة العربية الإستبدادية بطبعها وطبيعتها تساند الرئيس السوداني عمر حسن البشير لأنهم من قماشة إستبدادية واحدة في النسيج والصنف ولكنهم يختلفوا في الدرجات اللونية الإستبدادية , وهذه المساندة لاغرابة فيها , إذ كيف ينكر مستبد الإستبداد علي غيره أو ينكره عليه ؟!!
والغريب في الأمر أن الشعوب والجماهير العربية تتضامن من حكام الأنظمة العربية ويتضامنوا معها في مساندة أنظمة الطغيان والإستبداد للرئيس السوداني عمر حسن البشير .
ولكن الأشد غرابة أن يتضامن الكاريزما والمثقفين والسياسيين والعديد من الكتاب والمهنيين مع الشعوب والجماهير والأنظمة الإستبدادية ليكون لهم موقف واحد , ضد قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن توقيف ومحاكمة الرئيس السوداني عمر حسن البشير .
وهذا هو رأي جماعة الإخوان المسلمين في مصربزعامة مهدي عاكف رئيس مكتب الإرشاد في مصر وزعيم التنظيم العالمي للإخوان المسلمين , والذي صدر متصادماً مع رأي جماعة الإخوان المسلمين في السودان بزعامة حسن الترابي , ففي الوقت الذي : طالب حزب المؤتمر الشعبي المعارض بزعامة الدكتور حسن الترابي ، الرئيس السوداني عمر البشير المطلوب توقيفه لدى المحكمة الجنائية الدولية، بالتنحي عن السلطة حتى إن كان بريئاً، داعياً الحكومة السودانية لإطلاق الحريات العامة وتعديل قوانين الصحافة والأمن لتتواءم مع الدستور الانتقالي والتعامل بمسؤولية في قضية البشير.
وقال نائب الترابي إن «المطلوب من الخرطوم أن تغير قوانين الأمن والصحافة لتتوافق مع الدستور لإجراء الحوار الداخلي» ، وأضاف «لإجراء حوار في الداخل لابد من توفير الحريات لكل القوى السياسية.
http://www.sudanjem.com/2009/archives/5352/ar/#more-5352
وبالرغم من ذلك تجد جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحسبما نشر علي لسان مرشدهم في 8 / 3/ 2009 بالمصري اليوم حيث : كشف محمد مهدى عاكف ، المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين ، عن تشكيل الجماعة وفداً لها للسفر إلى السودان، للتضامن مع الرئيس السودانى عمر البشير، بعد صدور مذكرة لاعتقاله من المحكمة الجنائية الدولية. يأتي ذلك بعد تشكيل إخوان الأردن وفداً للقاء السفير السودانى فى عمان .
وقال عاكف لـ « المصرى اليوم » إن وفداً من الجماعة سيسافر إلى السودان للتضامن مع البشير لتعرضه لمؤامرة تقودها المصالح الغربية ضد العالمين العربى والإسلامى .
وكذلك الشيخ يوسف القرضاوي الذي أنتج للرئيس السوداني خطبة من خطب الجمعة في دولة قطر ليدافع فيها عن البشير بإعتبار أن البشير رمزاً للإسلام , وممثلاً لوحدة الأمة !!
هل الشعوب والمجتمعات العربية لديها بعض من الوعي بمصالحها , بجانب مثقفيها ومفكريها ووكلائها الإجتماعيين الغائبين أصلاً من الساحة الإجتماعية بفعاليات الإستبداد وإحتكار المعرفة بصالح المجتمع , وهم علي النقيض تماماً ؟ ,, أعتقد أن اجابة هذا السؤال تتبدي في كيفية تعامل الشعوب والجماهير ومعهم المثقفين والمفكرين , في جملة الأزمات التي تمر بها الشعوب والمجتمعات العربية .
أزمة السودان مثلها مثل أزمة حماس , مثل أزمة الرسوم المسيئة للرسول الكريم , ومثلها في ذلك مثل الفيلم المسئ لمشاعر المسلمين وللقرآن الكريم , والذي يحمل عنوان ( فتنة ) , مثل كتاب آيات شيطانية لسلمان رشدي , مثل سي دي كنيسة الإسكندرية , مثل محاكمة وإعدام صدام حسين , مثل رواية وليمة لأعشاب البحر لحيدر حيدر , مثل أزمة الحجاب في فرنسا , وأزمة مصافحة شيخ الأزهر لشيمون بيريز , ومقابلته لكبير الحاخامات اليهود في مصر , مثل العدوان علي العراق , وأفغانستان , ولبنان , وتهديد إيران , حتي يبقي الأمر في نهاية المطاف مثل أزمة وفاء قسطنطين , وأمور الأسلمة ومسائل التنصير .
في الأزمات السالف ذكرها وغيرها كثير , نجد الشعوب والجماهير تنتفض كالثور الهائج , ولعلنا شاهدنا المظاهرات ضد وليمة لأعشاب البحر لدرجة أن قال البعض : من يبايعني علي الموت !! ولم تفكر الجماهير كيف تموت , وماهو السبيل إلي الموت , ومن أجل ماذا تموت ؟!!
وانتهت الأزمة , ومازالت الرواية المسيئة تطبع بلغات عديدة منها اللغة العربية .
وإذا كانت العلة التي يتعلل بها أصحاب الوهم القوماني , أو التوهم الإسلامي , بأن المعايير التي تعاير بها المحكمة الجنائية الدولية , أو ماتم التعارف علي تسميته بالشرعية الدولية , تغفل محاكمة مرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية من قادة الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل , فإن هذا ليس معناه ترك المجرمين من قادة الدول العربية والإسلامية أحراراً يعيثوا ظلماً ويتجبروا فساداً , ويتماروا في الطغيان , لأن ذلك ليس معناه ترك المجرم المتاح , مادام المجرم الغير متاح محاكمته غير متاح القبض عليه وتقديمه للعدالة الدولية ومحاكمته , ثم أنه في الجانب الآخر , فإن قادة الدول الغربية وأمريكا وإسرائيل لم يرتكبوا جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية بحق شعوب ومجتمعات أوروبا وأمريكا وإسرائيل , لأن الحاكم هناك ليس بزعيم , أو بقائد , أو بملهم وموهوب , وأن الأمور والشئون السياسية بتلك الدول لاتسير حسب تعليمات السيد الرئيس , وإنما تتم معبرة عن رأي الإدارة السياسية التي تعبر عن رؤية المجتمع , وهذه واحدة , والأخري أن العدالة الدولية , أو الشرعية الدولية ليست بمنتج عربي / إسلامي , وإنما هي منتج غربي / علماني , ينحاز للإنسان لا للأديان , وأن هذا المنتج ليس له بديل حضاري آخر غير البديل الراهن والذي يعجز العرب والمسلمين عن إنتاج بديل آخر مغاير له , أو حتي إنتاج قانون لمحاكمة الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء , الذين هم أساس كل مصيبة وأس كل بلاء , فهم من يعاملون الشعوب علي أنهم رعايا مملوكين لهم هم وما يحوزون, وليس بإعتبارهم مواطنين , وهم أصحاب الإستبداد والفساد والطغيان , فهل من لايقدر علي الفساد والإستبداد والطغيان العربي / الإسلامي , يكون بمقدرته مواجهة الطغيان الغربي / العلماني المنحاز للمجتمعات والدول , والمنحاز ضد بعض دول الفساد والإرهاب والتطرف والطغيان .
وعلي جانب أخرفقد نشرت بعض الصحف الإليكترونية خبراً عن : صحيفة "بيرفيل في بيونس آيرس" الأرجنتينية أنّ المُدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو يدرس احتمال فتح تحقيق في جرائم إسرائيل التي ارتُكِبَت خلال عدوانها الأخير علي قطاع غزة. ونقلت الصحيفة عن أوكامبو قوله: "ندرس الموضوع، إننا في مرحلة التحليل، لم أقرّر بعدُ ما إذا كنا سنُجْرِي تحقيقات، لكن هناك إمكانية لذلك". وأشار أوكامبو إلي أنه يتوقع الحصول علي وثائق حول استخدام إسرائيل قذائف حارقة بالفوسفور الأبيض- المحرمة دوليا- في مناطق مأهولة خلال عدوانها علي غزة من الجامعة العربية ومنظمة العفو الدولية. وأوضح أوكامبو أنه يدرس الشكاوي التي رفعها في يناير وزير العدل الفلسطيني علي خشان أمام المحكمة بشأن قيام إسرائيل بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في القطاع.
وتلقت المحكمة الجنائية الدولية 213 شكوي بشأن جرائم إسرائيل في القطاع لم ينظر فيها مكتب المدعي العام ، لأنّ إسرائيل لم توقع علي معاهدة روما التي أنشأت هذه المحكمة.
فهل من حق العرب والمسلمين أن تتضامن شعوبهم وجمهورهم ومفكريهم ومثقفيهم وكتابهم وأحزابهم السياسية مع طغيان الأنظمة العربية الحاكمة مادامت الشرعية الدولية تنحاز ضد بعض قادة الطغيان والإستبداد والفساد في تلك الدول؟!!
وهل الشرعية الوطنية المعطلة خير , والشرعية الدولية المفعلة شر ؟!!
أعتقد أن الإختيار دوماً للمجتمعات الحرة هو الجدير بالإحترام والتقدير , أما المجتمعات المستعبدة فلا خيار لها سوي طرائق الإستبداد فلتختار منها أي طريق تشاء !!
وفي النهاية سؤال : لماذا صمت صوت النذير المعتصم بالشرعية الدولية , في مواجهة البشير المعتصم بالشرعية القبائلية ؟!!
بل ولماذا صمت عن جرائم إسرائيل في غزة في الحرب الأخيرة الغير متكافئة والتي إستخدمت فيها الأسلحة المجرم إستخدامها دولياً بالرغم كم وجود تقرير دولي يدين إسرائيل ؟!!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5463&I=148