محمد عبد الفتاح السرورى
بقلم / محمد عبد الفتاح السروري
ولكن هناك سؤال يلح على ذهنى ولا أستطيع معه فكاكاً ... والسؤال :- هل يشعر الأقباط فى مصر (وربما فى الوطن العربى) هل يشعرون بأنهم عرباً هل يشعرون بأنهم ينتمون للجنس العربى وهل يحسون بالفخر تجاه هذا الإنتماء ...؟ وهل عندما يتحدث أبناء الوطن العربى عن العروبة أو القومية العربية هل فى هذا الحديث مساً إيجابياً لمشاعر أقباط مصر أم أن مشاعرهم وافكارهم سلبية تجاه هذا الموضوع من الحديث السياسى وأن لهم موقفاً غيرمعلن من هذا المصطلح (العروبة).
وقبل الإسهاب فى عرض ما نبغى طرحه علينا أولاً تعريف المصطلح – المشكلة – وأعنى بذلك مصطلح العروبة، فالعروبة (فى إحدى تعريفاتها) هى الصفة التى تجمع سكان الوطن العربى التى تجمعهم وحدة الأصل واللغة والثقافة. وإذا كانت القومية تمثل الشق الموازى لكلمة عروبة (باعتبارها دائماً القومية العربية) فيجب علينا أيضاً أن نعرف القومية وهى عبارة عن مجموعة الأسس والعوامل التى تزيد من تماسك أبناء الأمة الواحدة، والأسس المقصودة هنا هى وحدة الإقليم وحدة اللغة والتاريخ المشترك ...
.وفى أحدى الدراسات تم ذكر أنه أيضاً يوجد أسس خاصة للقومية العربية مثل الثقافة المشتركة – وحدة الأصل – الوحدة الروحية (المقصود بها الإسلام)، وتم ذكر الإسلام كأحد الأسس الخاصة من أسس القومية العربية على أساس أن الإسلام فعل ما يلى ..
1. قام بتوحيد القبائل العربية قديماً وحديثاً تحت راية العروبة.
2. قام الإسلام بتوحيد لغة وثقافة وتاريخ وتراث العرب جميعاً.
3. وحد عادات وتقاليد العرب.
4. أهتم برعاية وحماية غير المسلمين من العرب ووحد بينهم تحت راية العروبة. كان ما سبق عرضاً موجزاً لمصطلحين يمثلان الاشكالية محل حديثنا (العروبة والقومية) و السؤال الذى يطرح نفسه تلقائياً بناءاً على ما سبق هل يشعر أقباط مصر بالانتماء لهذين المصطلحين (العروبة والقومية) قد يكون السؤال صادماً ولكن للأسف قد يكون الصدام فى بعض الأحيان أفضل من التجاهل إن لم يكن للاختيار بينهما بد ومن المؤكد أن فتح (الدمل) أفضل كثيراً من ترك (الصديد) مغلفاً بغلاف الشكليات الكاذبة مع اعتذارى لهذا التشبيه وذاك الوصف. من خلال متابعتى لما يكتبه بعض من المفكرين المهتمين بالشأن القبطى فى مصر ومن خلال الأحاديث الشخصية والحوارات الخاصة أصبح لا يخالجنى أدنى شك فى أن هناك ثمة تحفظ واضح على فكرة القومية العربية عند كثير من الأقباط فى مصر ولهذا التحفظ أسبابه الوجيهة تشى بها المقدمة التى سقناها فى بداية حديثنا عن تعريف أسس القومية والعروبة وبشئ من التفصيل نستطيع أن نرصد ملامح هذا التحفظ الذى لا يخلو من دفاع عن الذات و عن الكينونة القبطية المستقلة فى بعض الأحيان ولا يخلو أيضاً من محاولات الاستقلال الثقافى بمصر بعيداً عن تيارات ثقافية أو شعوبية قد تكلفها الكثير..... وفى كل الحالات لجميع هذه التحفظات وغيرها الكثير من التقدير والفهم.
أولاً :- وحدة الاصل :
ذكرنا فى تعريف العروبة أنها تلك الصفة التى تطلق على السكان الذين تجمعهم وحدة الأصل. والاصل المقصود هنا كما هو مفهوم من سياق التعريف (الاصل العرقى) أو بمعنى آخر وحدة السلالة والسؤال هل يشترك اقباط مصر مع مسلميها فى الاصل العرقى وهل يجمعهما أصل واحد من السلالة التى ينحدرون منها جميعاً ..... المعروف أن عمرو بن العاص جاء لمصر ومعه حوالى خمسة آلاف جندى من الجنود العرب على اختلاف قبائلهم وإن كانت أشهرهم كما ورد فى الأثر قبيلة (عك) فهل يمثل احفاد الخمسة آلاف جندى عموم اعراق المصريين حتى المسلمين منهم ؟
الإجابة البديهية هى النفى فلا خمسة آلاف ولا اضعاف هذا العدد من الممكن أن يشكلوا الأجداد الحقيقيين لعموم وغالبية المصريين الحاليين (مسلمين وأقباط) وليس فقط لإستحالة هذا بيولوجياً قياسياً على عدد سكان مصر أبان الدخول العربى الإسلامى إليها ولكن لأن مصر وعلى مر زمانها الممتد كان محل احتلال لكثير من الدول الأخرى والأعراق المختلفة (بما فى ذلك الاحتلال من دول إسلامية أخرى مثل تركيا) ولا شك أن الوجود (الأجنبى) على اختلاف أنواعه طوال هذه السنوات يلقى بظلال من الشك على نقاء الجنس العربى المشكل لعرق المصريين
وهنا تكمن المشكلة لدى أقباط مصر لأنهم بحكم وجودهم فى محيط عربى يشعرون بشئ من الغربة وذلك لسببين :-
أولاهما :
أنهم كأقباط لا يشتركون بأى حال من الأحوال مع العرق العربى بيولوجياً حيث أن أجدادهم لم يدخلوا فى الإسلام مع الداخلين آنذاك أى أنهم احتفظوا بأعراق مختلفة ليس فى مجمل تشكيلها العرق العربى وعلى حد علمى فإن حالات الزواج من أقباط مصر و نصارى شبه الجزيرة العربية قبل وبعد دخول الإسلام يكاد يكون منكور غير مذكور... هذه هى المشكلة الأولى.
أما الثانية :
فهو شعور الكثير من الأقباط أنهم غرباء فى مجتمع يتبنى فكرة العروبة العرقية على الرغم من يقينهم الثابت بأن لا المسلمين فى هذا المجتمع ولا الأقباط ينحدرون فعلياً من هذا العرق الدخيل على مصر، وخاصة العرق العربى لم يكن وجوده فى مصر وجوداً جنينياً طبيعياً بل أننا نعرف جميعاً كيف وجد. وبناء على ما سبق هناك مشكلة عميقة بين أقباط مصر وبين عامل وحدة الأصل الذى تتأسس عليه فكرة القومية العربية ولقد قرأت مؤخراً أنه كانت هناك بعض التحفظات لدى الأقباط بالفعل على فكرة القومية العربية أثناء فترة المد القومى فى الخمسينات والستينات ولكن صخب هذه الفترة وظروفها السياسية لم تكن تسمح بإعلان هذا التحفظ (بالمناسبة لم يكن وقتها أحد يستطيع أن يعترض على أى خط رسمى ترسمه القيادة السياسية وقتها فما بالنا إذا كان الخط الأساسى من من ... من الأقباط ... هيهات).
ثانياً :- وحدة اللغة :
أصر من جانبى أن هناك فجوة نفسية بين الأقباط وبين اللغة العربية ومبعث هذا الإصرار ليس تمسكاً فارغاً بفكرة ما، بل أن له أسباب وأهم هذه الأسباب هو التعريف الرسمى للغة العربية ونعتها بأنها لغة القرآن الكريم وأنها اللغة التى أختارها الله ليرسل بها آخر كتبه السماوية كما أنها اللغة المكتوب بها القرآن الكريم فى اللوح المحفوظ وليس هذا فحسب بل إن اللغة العربية هى وبحق الوعاء الأساسى للثقافة الإسلامية ومن خلال النصوص القرآنية العربية ونصوص الأحاديث المنسوبة لنبى الإسلام ثم تشكيل عموم الثقافة العامة لدى غالبية المسلمين حتى غير العرب منهم وذلك على النحو التالى..... فكما ذكرنا أن التعريف الرسمى للغة العربية هى أنها لغة القرآن فلا يمكن فهم النصوص القرآنية إلا من خلال النص العربى لها وهو نص غير قابل للترجمة كما نعلم وهناك الشق الآخر وهو التراث الإسلامى المتمثل فى الأحاديث وحكايات الأثر التى تشكل بدورها جزءاً هاماً من أجزاء الفكر الإسلامى العام ... أى أننا نستطيع أن نؤكد بقليل من البراهين كما ذكرنا على مدى الارتباط العضوى بين اللغة العربية وبين الدين الإسلامى ومن المعروف أيضاً أن من ضمن لائحة الاتهامات الموجه للغرب من جانب الإسلاميين هو محاولة تحطيم اللغة العربية وفى ذلك بيان وغنى عن العلاقة التشابكية بين المسلمين فى عمومهم وبين اللغة العربية ومن المؤكد أن نسب لغة ما إلى دين بعينه وجعلها وحدها هى المتحدث الرسمى بأسمه يؤدى إلى حساسية الناطقين بها من اتباع الديانات الأخرى فما بالنا إذا كانت اللغة العربية تاريخياً ليست من ضمن اللغات الأساسية للمصريين قبل إتيان العرب إليهم ...
.فإذا كانت وحدة اللغة تشكل أحد الأسس التى تكون فكرة القومية العربية فكيف يتواصل الأقباط مع لغة هى فى الحقيقة لا تعرف بأنها لغة الوطن الذين يعيشون فيها بل أن الصفة العامة لها أنها لغة القران الكريم . فكيف يمكن تصور أن يتواصل الأقباط مع اللغة العربية ويشعرون ناحيتها بالإنتماء اللغوى وهى فى الأساس لغة موطنها الأصلى هو شبه الجزيرة العربية بكل ما تعنيه هذه المنطقة الجغرافية من معانى لدى الأقباط فى مصر ، ألم نقل أن الصراحة أفضل من الكذب المنمق؟!
ثالثاً :- وحدة الثقافة :
الأساس الثالث فى تعريف العروبة هى وحدة الثقافة ... والسؤال هل يتحد الأقباط فى مصر مع مسلميها فى الثقافة ... ولكن ما هى الثقافة ... أنها هذا المصطلح المطاط الذى يستوعب إجمالى العادات والتقاليد والأعراف أنها باختصار (النسق) الذى يشكل ملامح الحياة فى مجتمع من المجتمعات والسؤال (مرة أخرى) هل يتسق النسق القبطى مع النسق الإسلامى فى شئ وهل الطرح الإسلامى لشتى الموضوعات الحياتية يتفق مع الطرح المسيحى لها ... وهل من الممكن أن تتعايش الثقافات الإسلامية (بأطروحاتها الحالية) مع الثقافة القبطية ؟ نعم من الممكن ولكن هذا يحدث فى حالة واحدة عندما يختار الإثنان الخيار المدنى للحياة وليس الخيار الدينى أو على أقل تقدير يصبح الخيار الدينى فيما يخص أصحاب كل دين على حدة قبل أمور الزواج والطلاق وخلافه أما باقى الحالة الثقافية العامة أكاد أجزم بأنه لا يمكن فى ظل الحالة الراهنة أن تتعايش الثقافتان بأى حال قيد الأحوال فإذا علمنا أنه لا إنفصام عن فكرة العروبة دون فكرة الإسلامية لأتضح لنا حجم الإشكالية التى نـحن بصددها فلا يمكن تشكيل النسق العروبى دون أبعاد إسلامية كما لا يمكن أن يشكل نسق إسلامى دون بعد عربى بشكل أو بآخر. فالتلاقح (العربى – الإسلامى) لا تنفصم عراه وبناءأ عليه كيف يمكن للأقباط أن يشعروا بأنهم جزء من الثقافة العربية والثقافة العربية فى حد ذاتها تكمن فى كينونتها الثقافة الإسلامية ؟! التى من المؤكد أنها تحمل فى طياتها الكثير من التناقضات مع الثقافة القبطية وغيرها من الثقافات ففعلياً لا توجد ثقافة عربية خالصة يستطيع الأقباط الإنتساب إليها دون أن تغلف بغلاف إسلامى .
بل أننا نرى ونشاهد جميعاً أنه ما أن يتطرق الحديث عن القومية العربية فى أى موضع أياً كان إلا ووجب على المتحدثين التطرق إلى الإسلام تلقائياً وإن دل على شئ إنما يدل على مدى الرباط الذى يربط بين الثقافتين العربية والإسلامية. إن المجتمعات العربية بصفة عامة على اختلاف ثقافاتها الداخلية والأعراق المشكلة لجميع شعوبها واختلاف توجهات أفرادهم الدينية والأيدولوجية تحتاج أشد ما تحتاج لطرح ثقافى ومعرفى مختلف يكون بعيداً كل البعد عن النظرة الضيقة للأمور تحتاج أشد ما تحتاج لوعى يعيد أبناء هذه المنطقة الجغرافية (على اختلافها) يعيدهم إلى المنظومة الحضارية التى خرجوا منها منذ أمد بعيد ولم يعودوا إليها حتى الآن.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=545&I=14