عبدالمنعم أبوالفتوح مــن البـرش إلي العـرش

نشأته البسيطة وسط عائلة متواضعة كانت لا تقبل الإهانة من الإقطاع وشخصيته التي تتسم بالذكاء الحاد والعناد وشراسة المقاتل الذي يتمتع بالعنف الشديد أحيانا‏,‏ ويصبح هينا لينا في أحيان أخري‏,

فضلا عن القدرة الهائلة علي بناء جسور العلاقات الممتدة مع كل البشر والتميز بالحسم في اتخاذ القرار. هذه الظروف وتلك المواقف أسهمت في تكوين شخصية الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح, الذي يحظي بتقدير البعض له ولا يقبل به البعض الآخر, وبين هذه الحالة الوسطية هناك مواقف كثيرة تلتصق بتاريخ الرجل, أبرزها علاقته المتوترة علي مدي سنوات طويلة مع قيادات الإخوان المسلمين, ومواجهته الشهيرة للرئيس أنور السادات عندما كان طالبا جامعيا, ودوره في تأسيس لجان الإغاثة والطوارئ وجمع التبرعات التي أسهمت في تخفيف كوارث عديدة في معظم البلدان.

عبد المنعم ابو الفتوحوبرغم أن أبوالفتوح كان معارضا لنظام مبارك وقضي في مقابل ذلك عدة سنوات في السجون والمعتقلات, التي لم تكن تخلو من التعذيب فإن الذي لا يعرفه الكثيرون أن الدكتور أبوالفتوح كان يتمتع بعلاقة قوية مع كثير من المسئولين وكان سفراء مصر في الخارج يستقبلونه كشخصية دبلوماسية عندما يسافر للمشاركة كل عام في مؤتمرات وزراء الصحة العرب..


كما أنه تميز عن زملائه من المعتقلين بالسماح له بالإقامة وتلقي العلاج في مستشفي قصر العيني الفرنساوي, بعد توسط العديد من الشخصيات السياسية وموافقة النائب العام والجهات الأمنية له.. وتفاصيل أخري قادمة.

ولأن عبدالمنعم أبوالفتوح ابن جيل ـ السبعينيات ـ الذي أسهم في ضخ الدماء في حياتنا السياسية, فقد عرفت مصر وجهه مبكرا عندما كان طالبا يدرس الطب بجامعة القاهرة والذي فاز في عام1973 برئاسة اتحاد طلاب الكلية, وفي عام1975 كان رئيسا لاتحاد طلاب الجامعة, وبرغبة منه طلب أنور السادات مقابلة بعض القوي والتيارات السياسية والمفكرين والصحفيين, وكان بينهم ممثلون عن الطلاب, وبدأ اللقاء المنقول علي الهواء مباشرة بحديث السادات الذي طلب منهم أن يتكلموا.. وطلب عبدالمنعم الكلمة أكثر من مرة لكن السادات تجاهله, فقام وتكلم دون إذن من أحد, وقال كلاما قاسيا يؤكد أن هناك تناقضا بين العلم والإيمان الذي يدعو إليه الرئيس وبين الممارسات الفعلية للدولة, وضرب مثالا بما تعرض له الشيخ الغزالي حيث أبعدوه عن وظيفته, ووصف من حول الرئيس بالمنافقين.. وهنا غضب السادات غضبا شديدا واحتد عليه صارخا في القاعة اقف مكانك.. اقف مكانك وهو يرد عليه بمنتهي الشدة.. هذا الموقف الشجاع من أبوالفتوح يراه البعض انعكاسا لشخصية شديدة الاندفاع بعيدة عن الخوف, تتمتع بقوة وثبات, لكن آخرين يرون أن الدكتور عبدالمنعم لم يقم بالبناء سياسيا علي هذا الموقف وأنه ظل يعيش مستشهدا به طويلا..

وجنبا الي نشاطه المعروف بجماعة الإخوان المسلمين, تطلع الي نقابة الأطباء في بداية الثلاثينيات من عمره, تولي موقع الأمين العام المساعد, ثم كانت عينه مصوبة علي الاتحاد العام للأطباء العرب, وبذل جهودا كبيرة في تكوين علاقات وصداقات عربية قوية وأسس الطبيب الذي لا يمتلك عيادة يمارس فيها مهنة الطب ولم يكن معروفا له تخصص طبي بارزا, لجنة الإغاثة والطوارئ, وهذا النشاط( جمع التبرعات والطوارئ وأعمال الإغاثة), لم يكن مسموحا بممارسته من خلال نقابة الأطباء, لان القانون يمنع ذلك وهو ما دعا عبدالمنعم أبوالفتوح الي القيام به من خلال الاتحاد, وعلي حسب رواية د. حمدي السيد ـ نقيب الأطباء السابق ـ فإن ممارسة هذا النشاط من خلال الاتحاد يجعله خارج نطاق القبضة الأمنية والقانونية لأنه أصبح في نطاق عمل جامعة الدول العربية, وهو ما أتاح له الانطلاق والتوسع في جمع التبرعات وتجميع الأدوية وموادالإغاثة التي ربما كانت تتجاوز ميزانيتها في بعض الأوقات ما يقرب من50 مليون جنيه, وكانت لجنة الإغاثة تقوم بعمل حملات إعلانية كبري في الصحف العربية تطلب فيها التبرعات والتي تتدفق بالملايين.

وتمتع العاملون في الإغاثة والطوارئ بمزايا عدة وسافروا الي معظم البلدان العربية والأجنبية, وكان يتقاضي بعضهم أموالا معقولة نظير عملهم.. أما الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح فقد كان يتمتع شخصيا بميزات مهمة جدا, أهمها أنه يعامل كرجل دبلوماسي وعندما يسافر للمشاركة في مؤتمر وزراء الصحة العرب, أو في أي مهمة تتعلق بهذا الأمر كان يستقبله السفير المصري بالمطار, وهذا ما حدث في المؤتمر الذي عقد في تونس عام 91, فد استقبله السفير بنفسه وكان يتحرك بسيارة السفارة, وكذلك في المؤتمر الذي عقد من قبله في بغداد عام 89, حيث كان هناك أساتذة كبار في الطب يقفون شهودا بالمطار علي الحفاوة التي يحظي بها أبوالفتوح.. وتكررت هذه المسألة كثيرا.. أيضا كانت هناك علاقة قوية تربط الاتحاد بالمسئولين في الدولة, سواء وزراء الصحة أو الخارجية أو الداخلية, وقد لعب أبوالفتوح دورا كبيرا في جمع التبرعات والتنسيق مع وزارة الصحة لارسالها بالتعاون مع الهلال الأحمر الي الدول المنكوبة.. وخلال ذلك كان يتم التنسيق بين أبوالفتوح وقيادات الدولة علي أعلي المستويات, خاصة الأمنية والعسكرية.. والحق يقال ـ علي حسب المصادر المقربة ـ أن أبوالفتوح كان يحظي بتقدير وثقة من المسئولين والوزراء بشكل شخصي, وكانوا لايعتبرونه من الإخوان بل قال أحدهم: إنه يتمتع بأسلوب لين مرن كما أنه يجيد فن العلاقات العامة في تعاملاته.. وقد كان يتمتع بثقة وقبول كبيرين لدي رجال الأعمال الكبار والشركات التي تقدم التبرعات.

من البرش إلي الفرنساوي
في عام 1981 وطئت قدم عبدالمنعم السجن لأول مرة ضمن اعتقالات سبتمبر الشهيرة, التي حوكم فيها أمام المحاكم العسكرية وسجن لمدة عام, وأفرج عنه ثم عاد ليسجن في قضية التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في 1996 حيث رصدت الأجهزة الأمنية تحركاته وسفرياته من خلال كونه مسئولا باتحاد الأطباء العرب لتحقيق أهداف الجماعة, وأكدت جماعة الإخوان المسلمين أنها قضية ملفقة, ومع زيادة الأحاديث حول الوريث جمال مبارك كانت مواقف الرجل شديدة القوة والوضوح فهاجم التوريث بمنتهي القوة حتي صدرت تعليمات بضرورة إيداع عبدالمنعم في السجن مؤقتا لحين الانتهاء من عملية التوريث.. وبرغم السنوات المؤلمة التي قضاها الرجل علي البرش في الزنازين فإن قصة الإفراج الصحي عنه وايداعه مستشفي قصر العيني الفرنساوي دون غيره من رفقاء السجن دفعت كثيرين الي توجيه الاتهام له بأنه عقد صفقة مع النظام, خاصة أنه صدر له قرار من النائب العام بعد توسط شخصيات سياسية رفيعة ومنهم نقيب الأطباء حمدي السيد وأحد الوزراء وضغوط من جامعة الدول العربية, وانتهي الأمر بموافقة أمن الدولة له بشكل لا يجد له البعض تفسيرا حتي الآن.

فن المغازلة
وعلي عكس مرشحين آخرين يلعب أبوالفتوح جيدا علي عقل ومشاعر المواطن المصري بإطلاقه عبارات وتصريحات تتفق مع رغبات قطاعات من الناس, فمثلا عندما سألته إحدي الصحف حول تطبيق الشريعة قال: نحن لن نعيد مصر إسلامية لأنها كانت قرشية أو تكفيرية.. وفي حديث آخر طمأن غير المتشددين بأنه لن يفرض الحجاب والنقاب وأن الإسلاميين يجب أن يكون عملهم خدمة الناس, حتي كلمة مرشح محتمل للرئاسة علق عليها فقال أنا مرشح مؤكد, وفي أشد لحظات الهجوم علي المجلس العسكري رفض اتهام البعض للعسكري بـالتواطؤ دون دليل, ورأي أن استمرار الجيش في الحكم يعد انتحارا, ومع ذلك فأداء المجلس الأعلي بطيء ومرتبك وقد أسهم في زيادة التردي للأوضاع.
وفي محاولة لكسب الرأي العام, عندما سألوه عن إمكان تولي الرئاسة المصرية رئيس مسيحي, قال وما المانع, ومن وجهة نظره أنه لا يوجد في لائحة جماعة الاخوان المسلمين ما يمنع من تولي امرأة رئاسة الجماعة, لكن ما نتابعه علي الأرض وبشكل عملي لم تتول أي سيدة أي منصب قيادي في الجماعة..
وكان لافتا للنظر أنه غازل المسيحيين بوضوح عندما رحب بقبول مسيحي نائبا للرئيس, وفي السياق ذاته غازل الناصريين عندما صرح بقبول حمدين صباحي في منصب نائب الرئيس, ونفس العرض قدمه أيضا للمرأة علي أن تكون ذات كفاءة, وفي إشارة لنفسه قال أدعو الإسلاميين للاتفاق علي مرشح واحد, وهذا يتناقض مع تصريحه برفضه التنازل عن سباق الرئاسة لصالح سليم العوا.
عقب فوز أوباما بالرئاسة الأمريكية, كتب عبدالمنعم مقالا يقدم فيه تهنئة مستخدمة أرق الكلمات واعتبر نجاح أوباما فوزا للإنسانية كلها, ومنذ ذلك الوقت ومغازلته لأمريكا لا تتوقف, وفي مقابلة وليم بيرنز مساعد وزير الخارجية الأمريكية بالدكتور محمد مرسي رئيس حزب الحرية والعدالة, سأله عن موقف الجماعة من عبدالمنعم ومع تأكيد مرسي الرفض القاطع لمساندة أبوالفتوح إلا أن المسئول الأمريكي ألمح إلي أن بلاده تري أنه شخص متحضر, في إشارة الي أفكاره التي يطرحها منذ سنوات عن موقف الإسلام من المرأة والأقباط وحرية الرأي والتعبير, وأثارت تصريحات حملة البرادعي بإعلانها مساندة أبوالفتوح كبديل أقرب فكريا للبرادعي مزيدا من علامات الاستفهام, خاصة أنه سبق وقال: لن أعطي صوتي للبرادعي.
> بقي أخيرا أن نؤكد أننا لسنا ضد ولا مع د. عبدالمنعم أبوالفتوح, ولا نقصد تجريحه أو الإساءة إليه, لكن طبيعة الظروف التي تمر بها مصر تفرض علينا احترام الحقيقة قبل أي اعتبار آخر..

وهذه هي الحقيقة التي رصدناها من خلال:
د. حمدي السيد نقيب الأطباء السابق
د.محمد السيد حبيب نائب المرشد العام للإخوان
منتصر الزيات المحامي
أحد وزراء الصحة العرب السابقين
أرشيف ودوريات وكتب تناولت حياته ومقابلات لمصادر سياسية

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع