بقلم: فوزية سلامة
منذ أسابيع وأنا أنكر أنني خائفة من انفلونزا الخنازير ربما لأن بونا شاسعا يفصلني عن مزارع ترتع فيها الخنازير وتمرح. فأنا لا أرى من الخنزير سوى ما تبيعه محلات السوبرماركت مغلفا بالسلوفان ومبردا تحت درجات حرارة تقصف عمر كافة الجراثيم.
أستمع إلى نشرات الأخبار بنصف اهتمام، أو هكذا تصورت. وألتقط من الأخبار ما يريح بالي ومنه أن ضحايا المرض حتى الآن لم يزد عددهم عن سبعة عشر في بريطانيا التي يقترب عدد سكانها من السبعين مليونا.
لم أعترف بخوفي حتى في القاهرة حيث استقبلني مشهد الموظفين في المطار وقد ارتدي كل منهم قناعا واقيا وقفازات. وأدهشني أن كل الركاب بلا استثناء تعرضوا لجهاز أعتقد أنه يسجل درجات حرارة الجسم تمهيدا لعزل أي راكب يشتبه في أن حرارته أعلى مما يجب.
وحين التقيت بصديقة ألغت سفرها إلى لندن خوفا من الانفلونزا سخرت منها وأكدت لها أن ما تخشاه لا يعدو كونه كلام جرايد يهدف إلى تحويل اهتمام الناس بما يجري حولهم من مشاكل اقتصادية وسياسية إلى احتمالات الإصابة بالانفلونزا.
في النهاية أقنعت صديقتي بعدم إلغاء الرحلة وحجز مكان في أول طائرة مسافرة إلى لندن حيث أكون في استقبالها أنا وزوجي. ووعدتها بإجازة سعيدة وضيافة ممتعة ونشاط ثقافي وترفيهي كامل. وجاءت صديقتي ومرت الأيام الأولى بسلام إلى أن شكت الضيفة من ألم في المفاصل وصداع ومغص. لمست جبينها فلم أشعر بحرارة فاطمأن قلبي نسبيا. ونصحتها بالراحة التامة وأعددت لها شراب النعناع المغلي والماء الساخن المضاف إليه ماء الزهر والماء المضاف إليه العسل ودفعت إليها بمجموعة كتب لأنها قارئة نهمة. وجلست وحدي أدعو أن تمر الأزمة بسلام. ولكن الأزمة استمرت بدل اليوم أربعة أيام. وشعرت بقلق مقيم خاصة أن صديقتي عافت نفسها الطعام تماما وازداد شحوبها. ووجدت نفسي رغما عني أفكر في احتمالات انفلونزا الخنازير. وبعيدا عن كل منطق اقتحمت مكتب زوجي وقلت له هامسة: عليك باستدعاء الطبيب لأني أخشى أن تكون الضيفة مصابة بانفلونزا الخنازير. ولكنه لم يرفع عينيه نحوي بل استمر في العمل وقال لي: كبري عقلك. إن إسرافها في التردد على الأسواق قد أجهدها. وهي لا تشرب كميات كافية من الماء رغم ارتفاع حرارة الجو. أعتقد أنها مصابة بالتهاب خفيف في الكلية. صمت على مضض وفي اليوم نفسه شعرت بأنني على غير عادة خاملة خامدة. وتصورت أنني مصابة باحتقان في الزور. ورفضت إعداد الطعام قائلة إنني أشعر بتعب عام. ووسوس لي الشيطان بأن العدوي انتقلت إلي. ووسوس لي بأن ابنتي التي تدرس في نيويورك حاليا معرضة لخطر الانفلونزا نظرا لانتقال الفيروس من المكسيك إلى الولايات المتحدة. ومن دون أن أحسب حسابا لفرق التوقيت التقطت سماعة الهاتف وخابرتها لكي أسألها إن كانت بخير.
في اليوم التالي تركت صديقتي الفراش وطلبت طعاما واستعدت للخروج بل ودعتني للذهاب إلى السينما. فوجدتني أقول بلا تردد إنني لن أذهب إلى مكان مغلق يحتشد فيه الناس فهذا هو أقصر طريق إلى التقاط العدوى.
انقلب السحر على الساحر. فقد ردت صديقتي قائلة: كلام جرايد. فقلت: من خاف سلم.
نقلا عن الشرق الأوسط
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5327&I=144