أزمة مياه

جورج رياض

بقلم: جورج رياض
يبدو أننا مقبلين على أزمة مياه كبيرة لم تشهدها مصر خلال الفترات الأخيرة، فمنذ أيام عقد د. محمد نصر الدين علام وزير الموارد المائية والري مؤتمرًا صحفيًا كشف فيه عن خلافات عميقة في الرؤىَ بين دول حوض النيل وتذمر غالبية هذه الدول من حصة مصر المائية، وأكد الوزير –مثل أي مسئول سياسي يقول كلام في هذه المناسبات- أن المساس بحصة مصر من المياه خط أحمر باعتبار أن ذلك أمر تضمنه الاتفاقيات التاريخية مع دولة وتسانده مبادئ القانون والأعراف الدولية.
وتعتقد دول المنبع لنهر النيل وعلى رأسها أثيوبيا أن من حقها أن تفرض سيادتها الوطنية على الأنهار التي تنبع أو تجري في أراضيها‏، وأن دول المصب تجني فوائد ضخمة على حسابها‏ وللأسف فإن ما يزيد من صعوبة هذه القضية‏, أنه لا يوجد قانون دولي للأنهار ينظم علاقات دول المصب ودول المنبع.

في الاجتماع الأخير لوزراء حوض النيل في مايو الماضي في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية اقترح وزراء الهضبة الاستوائية توقيع اتفاق الإطار دون مصر والسودان‏,‏ والمضي قدمًا في إنشاء مفوضية حوض النيل مع ترك الباب مفتوحًا لإمكان الاتفاق مع مصر والسودان على صياغة حلول لنقاط الخلاف الأساسية، معهما والتي تتعلق بالحقوق التاريخية لكل من مصر والسودان‏،‏ وضرورة الإخطار المسبق عن كل المشروعات التي يتم تنفيذها على النهر،‏ وعدم جواز تغيير أي من بنود الاتفاقية القانونية الأساسية إلا بالإجماع أو بموافقة أغلبية مطلقة يكون من بينها مصر والسودان.‏

وأكثر ما نخشاه أن تكون هناك قوى تتحرك في الخفاء لتدعيم هذه الدول ومساعدتها في تنفيذ بعض المشاريع المائية كالسدود والتي قد تؤثر بالطبع على حصة مصر من مياه النيل ووقتها قد تندلع معارك ضارية للحفاظ على قطرة المياه.
هذه القضية أهم كثيرا من الانشغال الذي يبديه المسئولون والإعلاميون والمتشنجون والبسطاء بالقضية الفلسطينية ومناصرة حركة حماس، فبعيدًا عن المشاعر نحن لا يهمنا –عمليًا– ما يجري هناك في فلسطين أو في لبنان أو في سوريا لكن مصلحتنا الإستراتيجية الكبرى والتاريخية مع دول الجنوب في أفريقيا.    

وللأسف الشديد فإن التعاون الاقتصادي المصري مع هذه الدول يعد الأضعف على الإطلاق، فنحن نلجأ للغرب ودول جنوب شرق أسيا والدول النفطية في عمليات التبادل التجاري على نطاق واسع، وبالطبع هذا يؤثر على طبيعة العلاقة السياسية بيننا وبين هذه الدول التي بدأت دول أخرى كإسرائيل وإيران في الدخول لهذه المنطقة وتقديم المساعدات والهبات لوضع قدم بقوة وتنفيذ استراتيجيات خاصة لهما.
نرجو أن تستعيد مصر دورها الرائد إفريقيا وبالأخص مع دول حوض النيل الذي يمثل شريان الحياة الرئيسي لجميع المصريين وبدونه لما وجدت مصر أو بقيت سبعة آلاف سنة حتى تاريخنا هذا.