عادل جرجس
بقلم: عادل جرجس
أعلم عزيزي القارئ أنك بمجرد مطالعتك لعنوان هذا المقال سوف تتساءل "مين لبنى الحسين؟"، فالجميع يعلم من هي مروة الشربيني التي قُتلت على يد ألماني، ولأن التحقيقات لم تنتهِ بعد فى هذا الحادث ولم تكتمل لدينا الظروف المحيطة به فلا نستطيع بعد أن نجزم بالدوافع التي أدت بالمتهم إلى قتل القتيلة.
وما يهمني هنا هو ردود الأفعال حول الحادث والذي تم توصيفه عربيًا ومحليًا على أنه اضطهاد للحجاب وكل من ترتديه، وعلى الرغم من سطحية التوصيف إلا أنني هنا سوف أقبل هذا التوصيف جدلاً وأطالب كما طالب غيرى بحرية المرأة في اختيار زيها وملبسها، وأنه يجب علينا التصدي لتلك الهجمة الشرسة العنصرية على الحجاب ومن ترتديه من منطلق حقوقي، ولا ضير من مقاطعة ألمانيا وأوروبا وأمريكا وكل الغرب والشرق والشمال والجنوب إنتصارًا للحجاب وكل من ترتديه، وعلينا ان نطالب الألمان بتعويض قدرة مليار دولار لكل فرد من الشعوب الإسلامية نظرًا لما خلّفه هذا الحادث من آثار نفسية وأدبية لتلك الشعوب رقيقة الإحساس رهيفة المشاعر.
عذرًا عزيزى القارئ.. فلقد أطلت في مقدمتي وأعلم أنك تريد أن تعرف من هي لبنى الحسين؟، وببساطة شديدة فإن لبنى الحسين صحافية سودانية مسلمة وأوكد مرة أخرى أنها مسلمة تنتظر تنفيد حد الجلد عليها بأربعون جلدة وتهمتها في ذلك أنها كانت ترتدي بنطلون في مكان عام وهي مغطاة الرأس "محجبة"، فالقانون السوداني الذي يطبق الشريعة الإسلامية ينص فى الفصل 152 من القانون الجنائي على "عقوبة من 40 جلدة لكل من يرتكب فعلاً غير لائق أو ما من شأنه أن يسيء للآداب العامة أو يرتدي لباسًا غير لائق"، ولأن البنطلون ليس زيًا إسلاميًا شرعيًا فيعتبر لباسًا غير لائق فلقد وقعت لبنى الحسين تحت طائلة القانون وحد الجلد، وتقول إنها معرضة لحكم بـ40 جلدة في حال تمت إدانتها بهذه التهمة، وكانت قد وزعت نحو 500 بطاقة على عدة شخصيات إعلامية ومن حقوق الإنسان والمجتمع المدني لحضور العقوبة كبادرة احتجاجية في حال تم الحكم عليها.
ولقد تم توقيف لبنى أحمد الحسين التي تكتب في صحيفة "الصحافة" اليسارية وتعمل أيضًا مع بعثة الأمم المتحدة في السودان، الأسبوع الماضي في الخرطوم في مطعم حين دخل شرطيون وطلبوا من الفتيات اللواتي ترتدين سراويل مرافقتهم إلى مفوضية الشرطة، واتهمت بأن طريقة لباسها تتنافى مع قواعد النظام العام في البلاد.
وأضافت لبنى "لقد اصطحبوني و12 فتاة أخرى بينهن جنوبيات.. وبعد يومين تمت دعوة 10 منهن إلى مفوضة وسط الخرطوم لتتلقى كل منهن 10 جلدات"، وتضيف: قضيتي هي قضية البنات العشر اللواتي جلدن في ذات اليوم.. وهي قضية عشرات بل مئات بل آلاف الفتيات اللواتي يجلدن يوميًا وشهريًا وسنويًا في محاكم النظام العام بسبب الملابس.. ثم يخرجن مطأطآت الرأس لأن المجتمع لا يصدق ولن يصدق أن هذه البنت جلدت فى مجرد ملابس.. والنتيجة الحكم بالإعدام الاجتماعي لأسرة الفتاة وصدمة السكري أو الضغط أو السكتة القلبية لوالدها وأمها.. والحالة النفسية التي يمكن أن تصاب بها الفتاة ووصمة العار التي ستلحقها طوال عمرها كل هذا في بنطلون.. والقائمة تطول، لأن المجتمع لا يصدق أنه من الممكن أن تُجلد فتاة أو امرأة في (هدوم)..
انتهى إلى هنا كلام لبنى.. فلماذا لم ينتفض العالم الإسلامي دفاعًا عن حق لبنى في اختيار ملابسها؟ ولماذا لم يتحرك أحدًا للمطالبة بمقاطعة السودان؟ ولم يرتفع صوتًا واحدًا ضد الجلد كعقوبة غير آدمية؟ ولكن بدلاً من كل هذا فها هي مصر التي خرجت عن بكرة أبيها ترفض ما حدث لمروة الشربيني وتشيع جنازتها بمشاركة سياسين وتنفيذيين، ها هي مصر تستقبل جلاد لبنى الحسين الإرهابي عمر البشير المطلوب دوليًا للمحاكمة الجنائية بسبب المجازر التي ارتكبها ضد أهالي دارفور ويتم دعوته لحضور حفل تخريج كلية الشرطة ليقوم بالمشاركة في تقليد أوائل الدفعة أوسمة الامتياز.
والحقيقة فإنني لا أستطيع أن أمر مرور الكرام على تلك الواقعة لما لها من دلالات وخيمة أرصدها كالتالي:
* إن تقليد البشير لضباط المستقبل حماة أمن مصر الأوسمة والنياشين وهو الأرهابي الإسلامي المتطرف هو رسالة ضمنية لهؤلاء الضباط بأن يتخذوة القدوة والمثال في التعامل الأمني، وعليهم أن يستعدوا لتطبيق الشريعة الإسلامية بكل قوة وحزم التي بات تطبيقها قاب قوسين أو أدنى على المجتمع المصري.
* أن يكرم مجرم دولي ضباط المستقبل فهذا يعني أن هؤلاء الضباط سوف يحمون الجريمة والفساد ولن يكونوا العين الساهرة على أمن مصر.
* استقبال البشير في مصر وهي المرة الثانية بعد القرار الدولي بضبطه جنائيًا هو تحدي للشرعية الدولية.
* زيارات البشير المتكررة إلى مصر هل هي تعني ضمن ما تعني بتوجيه رسالة للأقباط بأنه قد آن الأوان لكي يلقوا مصير نظرائهم في دارفور؟ خاصة وأن وتيرة التعدي على الأقباط وكنائسهم وممتلكاتهم أخذت تتسارع وبشكل منظم!
ما الفرق إذًا بين قاتل مروة الشربيني والبشير جلاد لبنى الحسين؟ ولماذا يحاكم الأول ويحتفى بالثاني؟ إن البشير ليس متفردًا فيما يفعل ولكن هناك العشرات من البشير ينتشرون في العالم ويتكاثرون وينشطرون ولم يعد خافيًا تطرفهم الديني لدى العالم كله.
أستطيع الآن أن أجزم أن قاتل مروة الشربيني لم تكن جريمته فعلاً ولكنها كانت رد فعل لما يفعله البشير وأمثاله بالملايين من لبنى الحسين.
عادل جرجس سعد
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=5235&I=142