الكفتجية

ماجد سمير

بقلم: ماجد سمير
"يا باشا هي كمياء؟" رد معد وجاهز سلفًا ومعبأ في أكياس صالحة للإستخدام الفوري، وكأنه تحت الطلب، والغريب أن الشعب كله تقريبًا أصبح تحت الطلب يفتي في كل شيء ويفهم في كل شيء، وعندما يبدأ أي منهم وصلة الفتاوى تشعر أن ماسورة معرفة وخبرة ضربت وبسببها غرق الشارع ومن يسكن فيه للركب في تصريحات السيد العالم والعارف ببواطن الأمور، والأغرب هم من يطلق عليهم في لغة العوالم والرقصات "بالمطيباتية"، فبمجرد أن تتطلق الكلمات من ماسورة الثقافة بلا هوادة تجد من يردد بشكل مستمر كلمات من نوعية "تمام، مظبوط، الله ينورك عليك" وغيره، وفي أغلب الأحيان المتحدث والمطيباتي لا علاقة لهما بالموضوع وربما لم يتقابلا من الأساس وإنما جمعتهما حكاوي الفتاوي.

ولا تقف القصة عند هذا الحد بل، أن الشخصية التي تعتبر أن أي شيء في الحياة طالما لم يكن كمياء فهو تحت السيطرة، هم أكثر الناس ملائمة لفكر السلطة الذي أحيانًا يكذب حتى يتجمل مع الإعتذار للفيلم الشهير، ويصبح هؤلاء تربة خصبة جدًا لتحويلهم إلى أتباع ولا يويجد أصلح من المطيباتي ليكون تابع، وتستفيد السلطة من طبيعتهم التي تفتي فيما لا تفهم طبقا لماسورة الثقافة التي تضرب فور الطلب، فيتحولون إلى مدافعون عن سياسة لا تخدم إلا السلطة والمستفيدون من إستمرار وجودها، سياسة يطلق عليها إسم القط الأسود لأن حياتها أطول.
وزاد الموقف سوءًا مع إرساء المبدأ الخاص بأهل الثقة، فبات المطبيباتي الذي تحول إلى تابع هو صاحب الرأي والأمر والنهي فضلاً عن ذيوع صيت الإئتلاف الفكري بينهم وبين ماسورة الفتاوي التي تنضح بلا توقف، وتم إلقاء آراء أصحاب الخبرة في سلة المهملات بدم بارد قبل مشروع كيس زبالة لكل منزل بفترة كبيرة.

وسقطت مصر في حجر الائتلاف الجهنمي وظلت الماسورة على العهد بها تطفح بكل مساوئ الفكر بشكل يتسق تمامًا مع أحلام أولي الأمر الساعية على مدار التاريخ إلى تأصيل فكر الناحج للحافظ أما الفاهم يبقى يقابلني، وألغى الإئتلاف المتحكم في المصائر أدنى فرص لظهور أفكار وآراء أصحاب الخبرة للحياة، فهجر مصر معظم من يستخدموا عقولهم وذهب معظمهم إلى أوربا والدول المتقدمة، لأن التفكير ممنوع والزعل مرفوع، وبات الشعار الذي يجد صدى وإستجابة سواء من السلطة أو من الشعب على حد سواء هو "لا صوت يعلو على صوت الكفتجية".

شكة:
الفرق بين "العقول" والعجول حرف.. لكنه حرف "ضاني"!