الأمّ والأمّ الأخرى

زهير دعيم

بقلم-  زهير دعيم
فرح وفرحة "حبّة فول وإنفلقت"... توأمان جميلان يُزقزقان على نافذة الحياة منذ تسع سنوات، وينتظران في هذه الأيام عيد الأمّ، وعيد الرّبيع، فالعيدانِ عيد واحدٌ، يمتلئ بالتغريد والأزهار والحنان... ينتظرانه بشوق، والحصّالة تشهد، فهي منذ شهرين "تبلع" مصروفهما اليوميّ سِرًّا دون أن يعلم أحد، وكادت تفضحها أكثر من مرّة لولا أنّ الله سَتَر، إنها تنام خلف الكتب والدفاتر في غرفة "فرحة" الجميلة المليئة بالصّور والألعاب.
إبتسمت فرحة وهي تحمل الحصّالة المليئة بالنقود وتهزّها بحذر وتقول: جاء اليوم الذي إنتظرناه طويلاًَ، جاء العشرون من آذار، فهيّا يا فرح نقسم الغلّة بالتّساوي ليشتريَ- كما إتفقنا - كلّ واحد منّا  لأمّنا الغالية هدية في عيدها؛ عيد الأمّ.
وجرت القسمة بهدوء، وأخذ فَرَح نصيبه ووضعه في جزدانه الصّغير الأزرق، وأخذت فرحة نصيبها ووضعته في جزدانها الأحمر الصغير وهما يقولان: غداًَ عيد الأمّ...غداًَ عيد الأمّ.
مرّ اليوم الدّراسي التّالي ببطءٍ شديد ولأوّل مرّة، وما أن قُرع الجرس حتى ركض كلّ من الأخويْنِ إلى الشّوارع والحوانيت  يبحثان عن هدية تليق بالأم وعيدها.
عادت فرحة أولاًَ وهي تحمل هديّة جميلة خبأتها في حقيبتها، ودخلت سريعاًَ وعانقت أمّها وقبّلتها بحرارة، ثمّ فتحت الحقيبة وأخرجت الهدية؛ زجاجة عطر نسائيّ فاخر....هذه هي هديتي لك يا أمّاه في عيدكِ، كلّ عام وأنتِ بخير.
عانقتها الأمّ بحرارة وهي لا تُصدّق، وشدّتها إلى صدرها قائلة: ما أروعك يا صغيرتي وما أحلاكِ.
إنتبهت الأم إلى أنّ فرح لم يأتِ كعادته مع فرحة فسألتها: أين أخوك؟
فضحكت فرحة وقالت: سيأتي ...سيأتي.
وأتى فرح، أتى بعد مرور أكثر من نصف ساعة، أتى لاهثًا وتقدّم من أمّه وعانقها بحرارة: كلّ عام وأنتِ بخير يا أحلى ماما.
وعانقته الأم  ثانية وشدّته بحرارة  إلى صدرها وهي تقول: ما أروعك يا حبيبي ...ما أحلاكَ.
تعجّبت فرحة عندما رأت أن فرح لا يحمل معه هديّة، أين ذهب بالنّقود، تساءلت في نفسها، وغمزته ليلحقها إلى غرفتها.
- يا بخيل... يا بخيل.. لماذا لم تشترِ هدية لأمي؟ أين النقود؟ .
وصمت فرح واحمرّ وجهه.
وصرخت فيه ثانية أين الهديّة؟ أجبني!!
دخلت الأمّ إلى الغرفة بعد أن سمعت كلّ شيء، وأخذت تعانق فرح من جديد وتقول: يكفيني قبلة منه، تكفيني بسمة، ويكفيني كلّ عام وأنتِ بخير يا ماما.
وتلعثم فرح، وحاول أن يقول شيئاًَ ولكنه لم ينجح .
ورنّ جرس البّاب، فركضت فرحة لترى من القادم... ماما .. ماما صرخت.. إنّها جدّتي... إنّها جدتي.
ودخلت الجدّة وعانقت كَنتها وهي تقول: جئت خصّيصاًَ لأهنئك يا بُنيتي بإبنك فرح... لقد أضحى شابّاًَ، لقد أضحى شابّاًَ يملأ  ثيابه.
وعادت البسمة إلى ثغر فرح، عادت تضيء وجهه من جديد.
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع