جدر البطاطا

بقلم: سحر الجعارة

وقفت علي أطراف عامها الحادي والعشرين، تنتظر الربيع.
فاجأتها رياح الخماسين،

ريح ساخنة تقتحم ساقيها، تسكن بؤرة اللهب.

إنها ابنة شرعية لفصل الحب،

تحرض الفراشات ليحملن حبوب اللقاح.

تتأمل ظمأ الزهور لتلك الحبة، وتعانق فعل النشوة.

حين يتساوي الليل بالنهار، وتتعامد الشمس علي رحمها..

ستصبح أما.

ليته يخفي حبة اللقاح .. في قطعة شيكولاتة.

وقفت شاردة، تحتضن الكتاب والأديب معا.. تحلم بالصعود إلي برجه العالي.

أخيرا .. ستلمس أسوار كعبته،

تخترق المسافة العبثية، بين الحلال والحرام. تحاور ذلك المارد، وتلهو مع بنات أفكاره.

لازالت بكرا.. رغم أنها "مطلقة"!!.

تكفي نظرة، لإخماد شهوتها.

ليست جادة تماما، لتسجن خلف النظارات الطبية.

ليست طموحة بما يكفي،

لتصبح مجرد "اسم" علي رسالة علمية.

إنها "هاربة" من قانون "العيب" لفوضي "التمرد".

ليست عذراء تماما:

تهتك الغشاء.. ولم يمسسها بشر!!.

ندوة، داخل حرم الجامعة:

وقفت رمز فتنتها .. بهيئة الأساتذة،

الأنثي تتحدي مكانتها العلمية.

الشباب يصفق، دون خجل..

لماذا لم أولد ذكرا؟؟.

همس رئيس القسم لزميله.. مزورة!!.

إنها أحد أخطاء الكتلة الشرقية،

نالت الدكتوراة من جامعة مغلقة!.

يغتصبون الأستاذة، في فراش العلم!..

يضاجعون اللقب: "دكتورة"..

لا أصدق.

وحدي، أذوب في حالة انبهار،

أحفظ توصياتها المقدسة:

الطريق إلي الحزب، يبدأ من الفراش.

الحرية هي الحق في الإجهاض.

لو جاءت الأستاذة مبكرا،

لما قضي "جدر البطاطا" علي بطلتها.

البطلة تطهرت بـ"حمي النفاس"،

هربت مع طائر الموت.. فبكت النساء حرمانهن.

بكيت بطلة "الحرام"..

وتساءلت: أي متعة في اغتصاب ثقب ثلجي؟

أليست تربة البطاطا أكثر مرونة، لغرس الصبار؟

حنانيك يا شيخ "يوسف".

استقبلتها ابتسامته الساحرة،

نظر إلي نهد يتمرد لهفة وقلق..

اعتقله خلف مشبك التقاليد.

كم تعشق غيرته.. وعذاب الرغبة يلفه.

اليوم مختلف..

سنختبئ من الريح تحت إبط السكون.

شقة غريبة، في مدينة بعيدة:

عليها الآن أن تثبت عذريتها..

أن تثبت أنوثتها.

لماذا يتحول الجنس لفعل اغتصاب؟

لم يتمكن الذكر من اقتحام قلعتها..

أحكم قبضته علي فخذها،

مثل فلاحة تقبض روح "البط" .. لتطعمه.

لكنها خرجت كما هي :

عذراء مع بعض كدمات موحية.

في اللقاء الثاني، أمسكت الفلاحة ذكر البط من رقبته..

أطعمته عنوة.

الذكر أفرغ أسئلته وحيرته في رحمها.

أنا حامل.. والإجراءات طويلة.

أعشق ماءه الذي أصبح نطفة.. تتغذي بدمي.

اغتصاب.. حمل سفاح.. مالي بتلك المعاني.

لست بطلة لقصص "يوسف إدريس". أيام قليلة ويصبح زوجي.

أمه علي الهاتف.. صوتها حزين.

نطقت بكلمة واحدة : مات!.

ثم تركتني علي شاطئ الجنون.

كيف يموت، قبل أن يمزق أكفان الزفاف عن جسدي؟

كيف يسلم شفتيه للتراب، قبل أن أرتوي؟

كيف يترك روحه تتسلل من أنفاسي؟

كم أنا ناقمة عليه!!.

ألا يدري أن الجنين حيا..

أن الربيع اكتمل، والفراشات تشهق سرا!!.

كيف يتركني علي أعتاب الذروة،

قبل الرعشة بثواني قاتلة؟

أليس الموت في تلك اللحظة "خيانة"؟.

في مكان ما، تحت بئر السلم..

تركت جسدها دون حراك .. مجرد "ذبيحة". دخل الجزار، بملابس ملطخة بدماء الرغبة المحرمة.

أشهر سيفه، قبل أن يغرس المشرط في لحمها.

كلهن عاهرات.. آخر ما سمعته من "الممرضة".

شعرت بشيء يخترقها من الخلف،

إنه قطن كالذي يوضع في الميت.

استراحت لفكرة الذبح، لتلحق به.

لكن الطبيب ضن عليها بموت كامل..

سلخ جثتها، واقتطع طفلا من لحمها الحي.

أعطاها بعض موت، وبعض حياة.

أحبت الجنين، لكنه لم يأت ليعش!.

تري هل كان "صبية"؟؟.

تتراءي أمامها صورة معلمتها..

وصوت أنثوي يرتجف:

لماذا يسلخون النساء في عيادات الإجهاض.

يتاجرون بشرفهن.. ولحمهن.

تتواري ملامح المعلمة خلف صورة "فاتن حمامة"..

بطلة فيلم "الحرام":

"جدر البطاطا يا بني .. هو السبب".

إنها قربان الذكور لأصنام القهر.

تدخل في لهيب الحمي، وهي تردد :

الحرام أن تستسلم لعقد المتعة .. دون حب.

أن تعيش عمرا علي سفح اللذة، لا تغامر للوصول للقمة.

أن تصمت في موسم الحرث، وتقبل فأسا يكسرك نصفين.

أن تدفن في تابوت الحياء..

لأن الجنس لوحة سيريالية، ملونة بالكذب!!.

أن تحمل قهرا .. وتلد إثما.

الآن، تسلم روحها للملائكة.

موكب الملائكة لا يشبه موكب صعود "رابعة العدوية".

كم ضللنا الفن السابع .

عاشت دون أن تلتقي "كيوبيد" الحب، إلا حلما.

وهاهي تصعد دون زفة لائقة.

لا تري إكليلا يزين جبينها.

ولا عشاق يبكون فقدها.

تعانق ملاك الموت بإجلال .. لأنها عرفت الحياة.

وتغيب.

نقلا عن الفجر

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع