الضحكات الباكية

نشأت عدلي

بقلم: نشأت عدلي
كيف يحتفظ الإنسان بروح المرح في داخله.. وجروحه كثيرة ومثيرة.. وهو ينزف من الألم بغزارة؟
كيف نستثمر الحزن المُتقع والألم وننقله للمتلقى في صورة فكاهية ساخرة.. وكأننا نخرج أحشائنا أمام أعيننا ونتأملها جيدًا.. ثم نسخر من الأقدار التي لم تساعدنا لنتغلب على قضايانا أو مشاكلنا؟

لقد علمتنا الأيام كيف نسخر من مشاكلنا التي لا نستطيع لها حلاً، ومن يومياتنا المؤلمة ونخرجها للناس في صورة نكتة أو قصة عامة نحاول أن نستفيد منها..
نجتاز أيامًا كثيرة مؤلمة على النفس بل وشاقة عليها.. وتمتد هذه الليالي وكأنها دهورا لا تريد أن تنتهى، ولكن ما أن تنتهي وتترك آثارها كجروح غائرة في عمقها ومؤلمة في تفاصيلها ومعانيها، ولعجزنا عن إيجاد الحلول القاطعة لها فإذ بنا نخرجها أمامنا وننظر إليها ونسخر منها بطريقتنا، بل ونجعل منها نكتة ليضحك الجميع عليها.. ونحن معهم نضحك على عجزنا الذي حل بنا وقلة حيلتنا في محاولة تغيير هذا الواقع الذي نعيشه كروتين قاتل لنفوسنا.. كالآت تتحرك ولكنها لا تشعر ولا تحس بتعب أو مجهود ولكنها تشعر بالملل.. والرتابة.

نسّخر دائمًا من ظروفنا المتردية الأحوال.. نحاول أن نزرع البسمة على الشفاة.. وحلوقنا مملؤة مرارة.. لا يظهر للناس ما بنا.. ولا ما بدواخلنا.. حتى لا يصيبهم جزء مما يصيبنا.. وما ذنبهم؟ نحمل همومًا بين ضلوعنا.. ولا يعلم بها حتى أبنائنا.. براكين من الهموم لا نستطيع إخراجها.. حتى لا نـُفسح مجال للسخرية من مشاعرنا.. أو إحساستنا.. يسعد الناس من سخرياتنا وضحكاتنا.. وهم لا يعلموا أنها خارجة من أنين لا ينقطع.. ومن قلب انسدّت شرايينه من أن تضخ هناءً لصاحبه أو سرورًا.. تحاول أن تساعد الكل على حل مشاكله.. بل وتسعى حثيثًا لحلها.. ولكن لا أحد يحاول أن يعرف حتى ما أنت فيه.. وتعيش الدور التمثيلي في الكوميديا الإنسانية ببراعة.. وداخلك يمزق داخلك.. وتلعب دور السعادة بمهارة.. ولا يدري أحد بما يحتويه هذا القلب الضاحك الباكي.. ولا تجد إلا عبارة شكسبير:
"أيها الناس لا تعتقدوا أن ضحكي بينكم طربًا.. فالطير المذبوح يرقص ألمًا"، متى نشعر بآلام الآخرين؟؟ وكيف نحاول أن نغوص بداخلهم لنعي مدى الألم الذي يعانوه؟؟ كيف نحترم هذه المشاعر ونجعلها محل تقدير لا مجال للسخرية والتضاحك؟؟ نشاركهم ولو بمشاعر هذه الآلام التي يعيشونها حتى يشعروا بأن هناك من يشاركهم هذا الألم عينه؟؟ متى يكون للقلوب عيون ترى ما لا تراه العيون المجردة؟؟ متى نتعلم أن نقرأ من العيون كل أفكارها وما يدور بها؟؟ نكتشف الحزن والفرح من نظرتها.. نعرف البسمة الباهته من البسمة الخارجة من القلب، نعيش الإنسان وفي الإنسان وكل مايدور به.. كيف نخرج همومه ونجعلها بين كفوفنا كأكفان نضمد بها الجروح لندفنها مع الأحزان.. كيف نزيل مسحة الحزن ولو على حساب مشاعرنا التي اعتدنا أن نطويها بداخل قلوبنا ليسعد الناس ونزيل عنهم هذا الهمّ؟؟

تعيس هذا الإنسان الذي يعيش بمشاعره وأحاسيسه في هذه الأيام!!
تعيس هذا الذي يعيش بطيبة القلب والبساطة وعدم التكلف في هذه الأيام!!
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع