وحشتني يا خويا... قصة أمْ

نشأت عدلي

بقلم- نشأت عدلي
كان طيب القلب، من أثرياء القرية المتطرفة،  كان يستيقظ مبكراًًَ، لا يعرف إلا الغيط والزرع، منه إلى داره، كان عطوفاًَ على المساكين يعطي كل محتاج دون أي سؤال، وكانت هى أيضاًَ، محبة للمساكين على الرغم أنها لا تختلف كثيراًَ عنهم مادياًَ، لكنها غنية بخدمتها وبذلها، لم تكن بارعة الجمال الخارجي، ولكنها أكثر من بارعة في جمالها الداخلي، أصرّ على الإرتباط بها رغم المعارضات الكثيرة، ومع ذلك قد تزوجها وهو قانع أنها الوحيدة التي تستطيع أن تسعده، وقد كان.
كانت تستيقظ  فجراًَ لتعد طعام إفطاره، وفي ميعاد إستيقاظه تأخذ طشتاًَ وأبريقاًَ  ليغسل وجهه وهو على سريره، وكان يغضبه تعبها هذا، يغضب منها حباًَ وإشفاقاًَ، وعند عتابها تقول له... كفاياك ياخويا تعب الزراعة.. وإذ به لا يتمالك نفسه من شدة هذا الحب، فيأخذها في حضنه ويقبل جبينها ويربت على كتفها.. ربنا مايحرمنى منك ياغالية.
ويخرج إلى زرعته متلهفاًَ على سرعة العودة لينظر وجهها الباسم النقي، وهي أيضاًَ تجهز العشاء متلهفة إلى لقاء الحبيب الحاني، ناظرة إلى صورته الكبيرة تحدثها... يرجعك بالسلامة يا خويا.. يحرسك من كل ردىّ ..يجعلّك في كل خطوة سلامة.
وعند قدوم أول طفل لها، لم يتركها بل دائماًَ بجوارها، يحّضر طعامها بنفسه، ويجعلها تأكل من يديه، ودام الحال هكذا إلى الطفل الثالث، ومحنّة القلب لم تفارقهما، بل هو الذي فارقها.
رحل إلى العالم الأفضل في حضن القديسين، تاركاًَ اللوعة لقلبها، والثروة لتربية أبنائها، وظلت على عهدها، تستيقظ مبكراًَ لإعداد الإفطار للأبناء الثلاثة، ناظرة إلى صورته الكبيرة قائلة بدموع حارقة... وحشتنى يا خويا .. في الصباح والمساء قبل أن تنام، ويخرج الأبناء ويعودوا.. يكبروا ومعهم مشاكلهم، وكانت هي الأم والأب معاًَ، ليس من السهل على المرأة أن تكون الإثنين نفسياًَ ولكنها كانت كذلك، رافضة وبإصرار شديد كل من حاولوا الإرتباط بها.
وأصرت أن تعيش لأبنائها وفية للحبيب الذي لن تنساه، وكل مشكلة تقابل أبنائها، كانت تقف أمام الصورة تسرد الموضوع كله، راجية أياه بثقة وحب .. أعمل ايه ياخويا ..وتدخل حجرتها وتنام.
وإذ بعقلها الباطن يتحرك وتراه واقفاًَ أمامها لحيظة ويختفي، وتقوم الصباح كعادتها لإعداد الفطار والمرور على الصورة تبثها شوقها وحبها الذي لم ينسيها مرور الزمن هذا الحب، وتطرح على أبنائها الحل للمشكلة، لو كان أبوكم هنا، كان عمل كذا وكذا ... وتزوج الأبناء في بيت الأسرة الكبير الذي أسسه الأب على الحب والحنان فكانوا على هذا الحب حافظين ولم تفارقهم محبتهم أبداًَ، وكانت الأمْ صباحاًَ ومساءأً تقف أمام الصورة لتشكو لها قسوة الفراق.. خلاص يا خويا.. العيال كبرت  .. ومش محتاجيني في حاجة.. ربيتهم زى ما إنت عايز ..على الحب اللي عشته معاك.. وعلى خيرك اللي عايشين فيه.. وانا قاعدة مستنياك.. وحشتني قوي يا أخويا.. وذهبت لغرفتها ولكن لم تنام، فقد أتى حبيبها هذه المرة برؤى العين ليريح أمومتها المخلصة ويطفئ نار شوقها...إنتهت

 
 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع