مصطفي النبراوى
بقلم: د. مصطفي النبراوي
سؤال دائمًا يُطرح في الوسط الطلابي.. لماذا تخلفنا وتقدمت شعوب أخرى؟ وسوف أجيب عن الشق الثاني من السؤال وأترك الشق الأول لاستنتاج القارئ.
تقدمت شعوب العالم الأول وأصبحت نموذج للحداثة والمعاصرة (بمعنى المشاركة في بناء الحضارة الإنسانية المعاصرة) لأسباب عديدة نجملها في أهم خصائص الإنسان المُحدث والمعاصر:
* الأخذ الواعي العميق بمبدأ الحرية والديمقراطية بأوسع معانيهما إيمانًا بأن الحرية ملازمة للحداثة والتقدم والأزدهار وأن الاستبداد والطغيان ملازمان للتخلف.
* لا يفوض حريته لغيره، أو يصادر حرية غيره.
* أكثر استعدادًا لقبول تعدد الأراء ويؤمن بأنه لا يمتلك الحقيقة المطلقة.
* لا يسلم بكل ما يأتيه من أرباب السلطة بصورها المختلفة (سياسية، دينية، أبوية).
* لا يرفض حق الذين يأتون بعده في السلم الإجتماعي من إبداء الرأي والتعبير والاختلاف في الرأي.
* يعتقد بأن حصة الفرد ونصيبه يجب أن يتناسب طرديًا وعكسيًا مع مدى مساهمته في الإنتاج ومع دوره في المجتمع من خلال تفعيل معيار الكفاءة.
* يؤمن بمفهوم جديد للكرامة الإنسانية يتخطى الأجناس والألوان والأديان والجنس.
* الإستعداد النفسي والعقلي لقبول التغير والدخول في تجارب جديدة والإنفتاح على الآخرين.
* امتلاك رؤية ديناميكية للزمان، فالزمان متجدد بإستمرار، ويرتبط ذلك بتنظيم واستغلال أمثل للوقت.
* الأخذ بالتخطيط كوسيلة ضرورية لتحقيق مشاريع مستقبلية ضمن فترة زمنية محددة.
* الإهتمام بالإتقان ودقة التنفيذ والثقة بالنجاح من خلال الثقة في قدراته على التحكم والسيطرة على الطبيعة بدرجات لم تكن تخطر على بال الإنسان القديم.
* أن التفكير دائمًا قبل الطاعة.
* أن التعامل مع الماضي والتراث يكون من باب المعرفة وليس من باب الإتباع.
* أن الدين جاء من أجل الدنيا وليس العكس.
* أن الدين دعوة وليس أمرًا ونهيًا حتى في أوامره ونواهيه.
* أن الدين في نشأته كان رؤية مستقبلية ورغبة في تغيير الواقع.
* أن التغيير الأخير لا وجود له وأن التغيير هو الثابت الوحيد.
* أن عمل الدنيا تعميرًا أو تدميرًا هو أساس جزاء الآخرة.
* التخلص من فكرة الوسيط المخلص.
* الإمتناع عن استخدام النصوص الدينية في تمرير أو إيقاف عمل سياسي.
* الإمتناع عن إصباغ العمل المدني بأي صبغة دينية.
* الولاء والانتماء يكون دائمًا وقبل أي شيء للوطن.
* أن الوطن جزء من المواطن وليس وعاءًا له.
* اعتماد المنهج العلمي وسيلة للتفكير.
* نزع صفة القداسة عن الظواهر الطبيعية والقدرات الغيبية للأشياء والأشخاص التي تروج للتفكير البدائي الخرافي الغير علمي.
* أن عالمنا "عالم معقول" تسوده قوانين مكتشفة وأخرى قيد الإكتشاف.
مفهوم الخروج والقطيعة:
لن ندخل إلى الحداثة والمعاصرة بدون حدوث خروج وقطيعة معرفية مع رؤى وأفكار الماضي، فنحن قوم لا زلنا نحاول أن نجد حلولاً لمشاكلنا باستفتاء الأموات، ولذلك نحن قوم نعيش بأجسادنا في القرن الحادي والعشرين، ولكن من الناحية الفكرية في عالم آخر يبعد عنا مئات السنين.
الخروج والقطيعة، شرط أساسي لبناء الذّات وللفعل والمساهمة في الواقع والمستقبل، أي لصنع الحدث والإحداث الذي تشير إليه كلمة "حداثة". ولتقريب هذا المفهوم نستخدم منظومة (الوالدة/ الولادة/ المولود) فالطّفل الذي يخرج من بطن أمّه ليس أمامه من خيار سوى الخروج لكي يستمر في نموه، وليس أمامنا من خيار سوى قطع الحبل السّريّ الذي يربطه بالأمّ لكي تستمر حياته، ثمّ ليس أمامه خيار سوى الإنفصال تدريجيًا عن هذا الأصل الذي تمثّله الأمّ لكى يكون ذاته وبناء كيان جديد معاصر، وهذا لا يعني أنّه سيُلقي بأمّه عرض الحائط أو سيتجاهلها، بل أنّ بناء كيانه يستدعي هذا الانفصال. وتظل أمه في الموروثات التي يحملها – كل المطلوب أن تترك لهذه الموروثات حرية التفاعل مع بيئتها زمانًا ومكانًا لكى يخرج مُنتج جديد وليس مكررًا من الأم. فالإنسان هو الذي يصنع حياته، ويضع لها قوانينها التي تنظمها توافقيًا مع زمانه ومكانه.
قنوات التحديث والمعاصرة
1- التعليم ونوعيته:
ثمة علاقة مباشرة بين درجة التعليم الذي يتلقاه الفرد ومقدار استعداده للخروج من الفكر التقليدي والدخول في الفكر الحديث، وكذلك نوعيته من خلال تنوع مصادر المعرفه / البعد عن الأجابات الجاهزة وتفعيل ثقافة السؤال والشك والتجريب/ أن يكون معيار التباين والفرز هو الكفاءة والإجتهاد والإبداع.
2- الإعلام:
من خلال زيادة المعرفة ورفع درجة الوعى والبعد عن مُغازلة الجماهير على حساب الحقيقة.
و يبقى عزيزى القارىء أن اسألك.. هل استنتجت الإجابة على الشق الأول من سؤال؟
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4829&I=131