«الشرق الأوسط» - لندن: منال لطفي
الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط» : نبحث إجراءات أخرى بحق إيران * مجلس صيانة الدستور : الإصلاحيون يتصرفون مثل المنشقين
في تطورات متلاحقة، وضعت علاقات إيران والدول الأوروبية في حالة من التوتر غير المسبوق منذ سنوات، أعلن مجلس صيانة الدستور في إيران، أن موظفين بالسفارة البريطانية في طهران سوف يخضعون للمحاكمة، بتهمة تأجيج الاضطرابات على خلفية أزمة الانتخابات الرئاسية في إيران. وفيما قال المتحدث باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»، إن بريطانيا «قلقة جدا» على مصير الموظفين المحليين في سفارتها في طهران، وأن الخارجية البريطانية استدعت أمس السفير الإيراني في لندن، رسول موحيديان، وأعربت له عن قلقها العميق من احتجاز موظفين بالسفارة البريطانية في طهران. استدعت 27 دولة أوروبية في خطوة منسقة سفراء إيران في دول الاتحاد الأوروبي، احتجاجا أيضا على اعتقال موظفي السفارة البريطانية في طهران، والتلويح بمحاكمتهم. وفيما اكتفت دول الاتحاد الأوروبي بهذه الخطوة في الوقت الحالي، فإنها اتفقت على مراجعة الوضع في الأسبوع القادم، ما لم تطلق طهران سراح الموظفين في السفارة البريطانية. ولم تستبعد الدول الأوروبية أي خيارات أخرى، فيما ألمحت فرنسا بشكل قوى إلى أنها تدعم فرض مزيد من العقوبات على طهران، قائلة إن العقوبات ترمى لأن «يعي القادة الإيرانيون حقا أن الطريق الذي اختاروه طريق مسدود». وجاء التصعيد في علاقات إيران مع أوروبا، فيما صعد أيضا مجلس صيانة الدستور ضد الإصلاحيين في إيران، واصفا إياهم بأنهم يتصرفون مثل «المنشقين»، وهو تعبير سيئ السمعة في إيران، يستخدم لوصف جماعات مثل «مجاهدي خلق»، واستخدامه على منتقدين في الداخل أو قادة الحركة الإصلاحية يشي أن هناك تيارا متشددا داخل النظام يريد، من الآن فصاعدا، «تضييق أي هامش» للحركة الشرعية للمعارضة الإصلاحية خلال الفترة المقبلة.
وجاء وصف المعارضة الإصلاحية بأنها تتصرف مثل «المنشقين» على لسان رئيس مجلس صيانة الدستور آية الله أحمد جنتي، خلال صلاة الجمعة أمس. وقال جنتي، خلال الخطبة إن: المعارضة بقيادة مير حسين موسوي تتصرف مثل المنشقين «وذلك بسبب ادعاءات المعارضة الكاذبة التي أطلقتها في أعقاب الانتخابات الرئاسية» التي جرت في يونيو الماضي. وقال جنتي «إنهم (المعارضة) لا يعترفون بالقوانين ولا بالمسؤولين عن تطبيقها، فما الذي يسعون إليه؟ أليس هذا الاتجاه معاديا للنظام الحاكم بأكمله؟». وتعد هذه أول مرة يصف فيها مسؤول إيراني كبير، المعارضة، التي تتضمن أيضا الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، وأيضا على أكبر هاشمي رفسنجاني، ورئيس البرلمان السابق مهدي كروبي، بالمنشقين. وأضاف آية الله أحمد جنتي، «يجب عليهم التوجه إلي الله وطلب العفو منه». ويرأس جنتي، مجلس صيانة الدستور، وهو جهة مراقبة دستورية تتألف من 12 عضوا، يختار المرشد الأعلى لإيران نصفهم، وتتمتع بالنفوذ، وكانت جهة التحكيم الأساسية في أزمة الانتخابات الرئاسية الإيرانية. كما ألمح جنتي، إلى أن الموظفين الإيرانيين العاملين في السفارة البريطانية في طهران، الذين تحتجزهم السلطات الإيرانية سيحاكمون عن دورهم المزعوم في الاضطرابات، التي حدثت في أعقاب الانتخابات.
وقال جنتي، «خلال هذه التطورات كان لسفارتهم وجود هنا واعتقل منهم أفراد سيحاكمون في نهاية الأمر، لأنهم اعترفوا أنهم، البريطانيون، وفي وقت مبكر أعلنوا أن الانتخابات المقررة في إيران قد تشهد اضطرابات وفوضى». وكرر جنتي، اتهامات كبار المسؤولين الإيرانيين بأن الغرب خطط لثورة «مخملية» بهدف تقويض «الجمهورية الإسلامية». وكانت إيران أعلنت في وقت سابق هذا الأسبوع اعتقال تسعة من الموظفين الإيرانيين في السفارة البريطانية لدورهم في اضطرابات الشوارع، التي اندلعت بعد انتخابات الرئاسة. وأطلق فيما بعد سراح غالبية المعتقلين، لكن مسؤولين بريطانيين قالوا إن اثنين من الموظفين ما زالا رهن الاعتقال. وتنفي بريطانيا الاتهامات الإيرانية بأن العاملين بالسفارة كانت لهم علاقة بالتحريض على المظاهرات، التي خرجت بعد الانتخابات، التي يقول موسوي إنها زورت لصالح الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. وتبادلت بريطانيا وإيران بالفعل طرد دبلوماسيين اثنين لكل منهما منذ الانتخابات، التي أحدثت أعمق شقاق داخلي في إيران منذ الثورة الإسلامية عام 1979، وسببت توترا في العلاقات مع الغرب. وقال المتحدث باسم الخارجية البريطانية لـ«الشرق الأوسط»، حول احتمال محاكمة العاملين في السفارة البريطانية في طهران، «نحن قلقون للغاية من هذه التقارير ونتحقق». وأضاف أن مزاعم تورط موظفي السفارة البريطانية في الاضطرابات بلا أي أساس تماما، موضحا أن اتصالات مكثفة جرت مع الإيرانيين طلبا لتفسيرات. وتابع: «قرار الاتحاد الأوروبي استدعاء السفراء الإيرانيين رسالة مفادها أن اعتقال العاملين في السفارة البريطانية ليس اعتداءا على لندن فقط، بل اعتداء على كل دول الاتحاد الأوروبي. هناك خطوات تم اتخاذها وخطوات أخرى نبحث اتخاذها في المستقبل»، موضحا أن من ضمن تلك الإجراءات منع إصدار تأشيرات للإيرانيين. وشدد المسؤول البريطاني على أن لندن ترفض بشكل قاطع كل الاتهامات الإيرانية لها، موضحا: «لم نتدخل في الانتخابات بأي شكل من الأشكال. لم نقدم أي دعم لموسوي أو كروبي، كما يدعي البعض. كل هذه الاتهامات لا أساس لها. بريطانيا لم تتدخل في انتخابات إيران».
ومن غير المعروف بعد، كيف سيؤثر هذا التصعيد في علاقات إيران والغرب على الملف النووي الإيراني، والمفاوضات حوله المتوقفة عمليا منذ نحو عام. وقال المسؤول البريطاني لـ«الشرق الأوسط» في هذا الصدد: «آخر ما تم حول الملف النووي هو مطالبة خافيير سولانا، بالاتصال بالإيرانيين ودعوتهم للجلوس مجددا حول الملف النووي. تم هذا قبل الانتخابات الإيرانية، وكنا بانتظار الرد الإيراني، أي بمعنى آخر، الكرة كانت في ملعب الإيرانيين. حاليا ليس هناك أي موعد مقترح لبدء الحوار النووي». وأوضح المسؤول البريطاني أن لندن سترفع إلى الخارجية الإيرانية تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الإيرانية الجنرال فيروز أبادي، الذي قال أول من أمس، إن دول الاتحاد الأوروبي لم تعد جهة مؤهلة للحوار النووي مع طهران، بسبب ما قال إنه «تدخل في أزمة الانتخابات الإيرانية». وأوضح المتحدث باسم الخارجية البريطانية: «سنرفع مسألة هذه التصريحات مع المسؤولين الإيرانيين، لمعرفة ما إذا كانت تعبر عن رأي الخارجية الإيرانية أيضا». وتابع: «بريطانيا تريد علاقات بناءة مع إيران. فليس من مصلحتنا إيران غير مستقرة، أو إيران في حالة تنازع. استقرار النظام الإيراني ضروري من أجل التقدم في القضايا الأخرى، التي نريد تحقيق تقدم فيها»، وذلك في إشارة إلى الملف النووي، والأوضاع في العراق وباكستان وأفغانستان وهي كلها قضايا ساخنة تريد الدول الأوروبية وأميركا من إيران أن تساعد في تحقيق تهدئة فيها. وفيما أعلن وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، أن بلاده «قلقة جدا» على مصير الموظفين المحليين في سفارتها في طهران، مطالبا السلطات الإيرانية بتقديم «إيضاحات عاجلة» بهذا الشأن، استدعت دول الاتحاد الأوروبي السفراء الإيرانيين أمس، احتجاجا على احتجاز إيران للموظفين الإيرانيين، لكنها أحجمت مؤقتا عن خطوات أشد مثل فرض حظر على تأشيرات الدخول. كان وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي قد حثوا إيران الأسبوع الماضي على الإفراج بشكل عاجل عن عدة موظفين إيرانيين يعملون بسفارة بريطانيا في طهران، وصحافي يوناني احتجزوا بزعم أنهم يحرضون على احتجاجات الشوارع بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية المثيرة للجدل. كما حذروا من «رد قوي وجماعي» على ترهيب الموظفين الدبلوماسيين. وقال رئيس الوزراء السويدي فريدريك راينفيلد، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي خلال مؤتمر صحافي مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، أمس، «من الواضح أن علينا إظهار التضامن، وأننا صف واحد».
وقال ساركوزي، إن دول الاتحاد الأوروبي ستبذل كل ما بوسعها لمساندة بريطانيا. وقال: «لقد أرادت فرنسا دائما تشديد العقوبات لكي يعي القادة الإيرانيون حقا أن الطريق الذي اختاروه طريق مسدود. الأمر بيد البريطانيين الآن ليبلغونا بما يحتاجونه». فيما قال وزير الخارجية السويدي كارل بيلد، إن الإفراج عن سبعة من الموظفين التسعة، الذين اعتقلوا يظهر نجاح نهج الاتحاد الأوروبي. وقال في بيان، «الاتحاد الأوروبي اتفق على مراجعة الوضع في الأسبوع القادم ما لم يطلق سراح الموظفين، ولم يستبعد أي خيار». وقال مسؤول بالاتحاد الأوروبي إن دول الاتحاد السبع والعشرين، اتفقت خلال اجتماع عقد في بروكسل على اتخاذ خطوات تدريجية بحق طهران، قد تتضمن في المستقبل فرض حظر على منح تأشيرات الدخول، وسحب سفراء دول الاتحاد من إيران، حسبما تقتضي التطورات. وقال المسؤول: «التصرف الفوري الأول هو بعث رسالة احتجاج قوية على احتجاز الموظفين الإيرانيين العاملين بالسفارة البريطانية، والمطالبة بالإفراج الفوري عنهم. جرى استدعاء السفراء الإيرانيين لدى الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإبلاغهم بذلك». وقال إن الخطوات التالية ستتحدد وفقا لنتيجة اجتماع مجموعة الدول الصناعية الثماني الكبرى في إيطاليا الأسبوع القادم. وقالت متحدثة باسم كارل بيلد، وزير الخارجية السويدي، الذي تتولى بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي، إنه لن يكون من المقبول أن توجه إيران اتهامات للموظفين الذين ما زالوا معتقلين أو الذين أطلق سراحهم.
ويأتي ذلك فيما حثت المحامية الإيرانية شيرين عبادي، الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، على تعيين مبعوث شخصي للتحقيق في انتهاكات لحقوق الإنسان في إيران. وفي رسالة وقعها أيضا الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان والرابطة الإيرانية للدفاع عن حقوق الإنسان، طلبت عبادي من بان تعيين المبعوث للنظر في انتهاكات في إيران في أعقاب انتخابات الرئاسة. وقال متحدث باسم بان، إن مكتب الأمين العام تلقى الرسالة. ويزور بان حاليا ميانمار في مسعى لإقناع المجلس العسكري الحاكم هناك، بإطلاق سراح جميع السجناء السياسيين، والترتيب لانتخابات جديرة بالثقة العام القادم. وقالت الرسالة إن عبادي ـ وهي محامية تنشط في قضايا حقوق الإنسان ـ قدمت الطلب إلي بان بشكل مباشر في محادثة هاتفية في الثالث والعشرين من يونيو (حزيران) أي بعد 11 يوما من الانتخابات في إيران. وفازت عبادي بجائزة نوبل للسلام في 2003، عن جهودها لدعم الديمقراطية وحقوق الإنسان خصوصا حقوق النساء والأطفال.
http://www.copts-united.com/article.php?A=4736&I=128