سحر غريب
بقلم: سحر غريب
على ضفاف النيل الخالد تصطف المطاعم العائمة، تنظر إليها من بعيد تتمنى أيها المُعدم أن تزورها ولو زيارة عابرة وتعد نفسك بألا تأكل ولن تتجاوز حدك الأدنى في الإنفاق، فمازالت لديك التزاماتك الشهرية لم تكتمل فالشهر مازال في بدايته ويحتاج منك إلى تدبير وتقشف إذا لزم الأمر لكي تعبره بسلام، ولكن رغبتك في تدليل نفسك تلح عليك وتدفعك دفعًا غير قانونيًا إلى رذيلة الإنفاق، ستشرب كوبًا واحدًا من الشاي، تسحب زوجتك من يديها وتعدها بجلسة شاعرية على نيل بلادك، تتخيل أن نيل بلادك من حقك فتطلب المنيو من الساقي وأنت تعرف مُسبقًا أن مجمل ما تستطيع صرفه لا يتعدى العشرون جنيه على أكبر تقدير فأي كوباً من الشاي من الأصلي بتاع بلده لن يكلفك أكثر من خمسة جنيهات حتى إذا كان صاحب الكافيه راضعًا للنصب مع لبن الست الوالدة، لبن بنصب بدلاً من لبن حليب طازج.
تنظر داخل المنيو اللعينة لتقرأ الصاعقة الكبرى ما هذا كوب شاي.. خمسة عشر جنيهًا... زجاجة مياه معدنية... 12 جنيه، ولكنك تُحرج من سحب المدام مرة أخرى وقفاك يقمر عيش ولكن في تلك المرة لبوابة الخروج فتحسبها في عقلك، سأوفر وجبة الإفطار غدًا في عملي، المهم أن أحافظ على ماء وجهي شفافًا أمام المدام والجرسون، فيميل عليك الجارسون وكأنه يُملي عليك سرًا حربيًا: "الميني مام تشارج" هنا خمسون جنيه للفرد يا أستاذ.
و"الميني مام تشارج" بدعة ضالة انتشرت في مصر كانتشار الجراد، وهو عبارة عن تحديد حصة محددة من المال للفرد يدفعها الزبون سواء طلب أم لا.
يرتفع الدم إلى نافوخك ويعلن جيبك الاعتراض وتلعنك زوجتك بنظرة عينيها على سفاهتك وتطلب من الساقي أن يترككم وحدكم حتى تختارون فتناقشك في بنود الميزانية قبل أن تقع في فخ "الميني مام تشارج" وهنا تساندك زوجتك بقوة: هيا نرحل لن نقبل هذا النصب كوبين من الشاي يكلفونا مائة جنيه، لعن الله الشاي وشاربيه الذي يجعل منّا منصوبًا عليهم لن يحدث لنا مكروهًا لو تركنا الكافيه حالاً وانطلقنا بلا رجعة ونفذنا بجلدنا من هذا الفخ العميق.
تأخذك زوجتك من يديك وتنطلق بك وخجلك أمام الساقي يقهرك ويثقل أقدامك ولكن تصميم الزوجة يغلبك الآن وتنطلقا إلى غير رجعة تشيعكما نظرات الساقي وهو يضرب كفًا بكف من هذا الرجل الذي أتى راكبًا صهوة فرسه من العصر البائد حيث لا يوجد "الميني مام تشارج".
http://www.copts-united.com/article.php?A=4682&I=127