الصليب الاحمر: سكان غزة يستحيل عليهم اعادة بناء حياتهم بسبب الحصار

القدس العربي ـ غزة ـ من اشرف الهور

اكدت اللجنة الدولية للصليب الاحمر انه بعد انقضاء ستة اشهر على حرب اسرائيل الاخيرة على القطاع ما يزال يستحيل على سكان غزة اعادة بناء حياتهم بسبب الحصار.

وان غالبية السكان فقدوا خلال الحرب احدا من ذويهم، وان الاطفال تأثروا بنتائج الحرب وشاع بينهم الأرق والتبول اللاارادي.

الصليب الاحمروبحسب التقرير الموسع الذي نشره الصليب الاحمر على موقعه على الانترنت بين ان القيود المفروضة على الواردات، حالت دون اعادة بناء حياة الفلسطينيين من جديد، وذكر ان كميات السلع التي تدخل غزة حاليا "هي ادنى بكثير مما هو مطلوب لسد احتياجات السكان".

وبين التقرير ان حجم الواردات انخفض الى 80% عن تلك الكمية التي كانت تدخل القطاع قبل سيطرة حركة حماس، وكانت اسرائيل فرضت منذ منتصف شهر حزيران (يونيو) من العام 2007 حصارا على 1.5 مليون فلسطيني سمحت بموجبه فقط دخول كميات مقلصة من المواد الغذائية الاساسية لا تكفي حاجة السكان.

وفي التقرير الذي رصد الحالة الانسانية للمحاصرين بين انه خلال حرب اسرائيل "لم يبق للمدنيين مكان آمن في غزة"، وان المشافي "غصّت بالمصابين، بما فيهم الاطفال الصغار والنساء وكبار السن".

وبين ان الكثير من الاطفال الذين شهدوا الحرب "شاعت بينهم حالات التبول اللاارادي والأرق والسلوك التهيجي، وبات آلاف الاطفال والبالغين بحاجة الى الاستشارة الطبية لمعالجة الآثار النفسية والضغط الناجم عن الصدمة".

واوضح التقرير ان الكثير من اهالي غزة فقدوا اما طفلا او ابا او قريبا آخر او صديقا، في وقت ادت فيه العمليات العسكرية الاسرائيلية الى تدمير الاف البيوت جزئيا او كليا، وحولت احياء كاملة الى انقاض، بينها مدارس ورياض اطفال ومراكز اطفاء واسعاف.

وخلال الحرب التي امتدت 22 يوماً قتل اكثر من 1440 فلسطينياً، نصفهم من الاطفال والنساء، واصيب اكثر من 5000 آخرين بعضهم لا يزال يخضع للعلاج، ودمرت القوات الاسرائيلية اكثر من 14 الف منزل ومنشأة.

وقال الصليب الاحمر "ستظل احياء غزة خاصة تلك التي تأثرت بشدة بالغارات الاسرائيلية تبدو كمركز زلزال عنيف ما لم يسمح بدخول كميات كبيرة من الاسمنت وحديد التسليح".

وذكر انه ان لم يتحقق ذلك "ستضطر الاف العائلات التي فقدت كل شيء الى العيش في الضيق مع الاقرباء، فيما ستواصل عائلات اخرى العيش في الخيام لانها لا تملك مكانا اخر تذهب اليه".

وقدمت الى قطاع غزة بعثة دولية لتقصى الحقائق حول وقوع "جرائم حرب" اسرائيلية بحق السكان، وباشرت هذه اللجنة بعقد جلسات استماع لناجين من الحرب انتهت امس الاثنين بعد يومين من العمل، ورفضت اسرائيل التعامل مع هذه اللجنة.
وبينت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان الحصار ادى الى "تفاقم الفقر وارتفاع البطالة وتدهور الخدمات العامة المتعلقة بالرعاية الصحية".

وتطرق التقرير الانساني الى الوضع الصحي، واكد ان الصحة العامة في خطر بسبب الحرب، واكد التقرير ان هناك مرضى في غزة لا يحصلون على تصاريح خاصة للعلاج في الخارج، ونقلت عن المريضة دعاء (26 عاما) قولها "لدي ورم في البنكرياس. في البداية كان يحدوني الأمل في الخضوع لعملية جراحية، لكن ومع مرور الوقت فقدت الامل".

وذكر التقرير انه عندما يحصل المرضى على التصريحات اللازمة للمغادرة، "يكون المرور من معبر اريز (الاسرائيلي شمال القطاع) للدخول الى اسرائيل شاقا".
واكد التقرير وجود شح في الادوية في غزة، وقال ان غسان من مدينة غزة، في الرابعة عشرة من عمره، جرح خلال العملية العسكرية وقتل شقيقه الاكبر، وينتظر تركيب طرفين اصطناعيين لساقيه، وذكر ان وحدة العناية المكثفة في مستشفى الولادة تعطل منها اربعة اجهزة تنفس اصطناعي من اصل 14 جهازاً.

وبحسب التقرير فانه لا تزال حالات انقطاع التيار الكهربائي وعدم انتظام قوته تلحق الضرر بالمعدات الطبية.

وبين التقرير ان احدى العواقب الاكثر خطورة الناجمة عن الاغلاق هي ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 44% في نيسان (ابريل) 2009، واكد ان القيود المفروضة على التجارة منذ بدء الحصار ادت الى توقف 96% من الانتاج الصناعي وفقدان قرابة 70 الف وظيفة.

وقال التقرير ان انهيار الاقتصاد في غزة ادى الى "زيادة الفقر بشكل كبير".
وجاء في التقرير ان الفقر المتزايد ادى الى عواقب وخيمة على النظام الغذائي للسكان، واكد ان معظم الاهالي الاشد فقرا استنفدوا وسائل مواجهة الوضع، "ولم يبق للكثير منهم اية مدخرات".

واكد التقرير انه اثناء حرب (الرصاص المصبوب) اقتلع الجيش الاسرائيلي الآلاف من اشجار الليمون والزيتون والنخيل، بما في ذلك اشجار في عمق قطاع غزة، كما دمر الجيش شبكات الري والآبار والدفيئات.

ورصد التقرير حياة المعتقلين واسرهم منذ الحصار، وقال ان زيارة ذوي الاسرى الفلسطينيين في سجون اسرائيل انقطعت منذ بدء الحصار، كذلك تطرق الى وضع الطلبة الذين حرموا من استكمال دراستهم في الخارج.

ونقل الصليب الاحمر عن الطالب ابراهيم ابو صبيح من غزة قوله "بقائي هنا دون امكانية المغادرة يجعلني انظر الى المستقبل نظرة قاتمة".

وفي نهاية التقرير بينت اللجنة الدولية للصليب الاحمر ان عملية اعادة اعمار ما خلفته الحرب من دمار لا توفر "وسائل طويلة الأمد لمساعدة غزة على الانتعاش".
وقالت اللجنة الدولية "من غير المقبول الرجوع الى وضع ما قبل العملية العسكرية الاخيرة، لان ذلك لن يساهم الا في اطالة محنة غزة"، ورأت ان الحل الدائم يتطلب "تغييرات اساسية في سياسة اسرائيل".