د. عاطف نوار
بقلم: د. عاطف نوار
منذ فترة ليست بقصيرة بدأت أصوات كثيرة تكيل الإتهامات وتفرد صفحات للنقد وصل أحيانا للسب، تزايدت هذه الحملة الشعواء في الآونة الأخيرة.. حمل راية هذه الحملة نوعان من البشر فمن ناحية كان الرافضون والأخرى كان المجاملون، وكان أقباط المهجر هم مادة هذه الحملة الساذجة.. بالطبع لم يكن المقصود هم المصريين المهاجرين ولكن السهام وُجهت إلى المسيحيين المصريين المهاجرين، لقد وصلت هذه الحملة إلى حد الوصف بأنها ظاهرة فأصبحت جديرة بالدراسة والتحليل تحت مجهر الفكر المستنير في محاولة للوصول إلى نتيجة إيجابية يستفيد منها الوطن وينتفع بها المواطنون.
أولاً دعني عزيزي أقص عليك قصة مسيحيي المهجر.. فهم مصريون شرفاء مكافحون.. تحملوا مشاق السفر وآلام الغربة في بلاد غريبة اللغة والثقافة والعادات وهذا ليس بالأمر الهين واليسير، كل فرد من هؤلاء الأبطال يحمل بين ضلوعه قصة كفاح مشرفة يفخربها أهله ووطنه، هؤلاء الفئة من البشر وإن إصطبغوا بصبغة المهجر ليستطيعوا التواصل مع هذه البلاد وساكنيها سعيًا وراء رزقهم فوصلوا إلى أرقى المناصب وأعلى الدرجات، تراهم وقد تمسكوا بمعدنهم المصري الأصيل فلم (يتمهجروا) بل حرصوا على مبادئهم المصرية بل حرصوا على توريثها لأبنائهم في الدين والعادات وأيضًا في اللغة، تدخل بيوتهم فتشتم أريج الروح المصرية يفوح في جنباته، وإن شربت عندهم فإنك تسمتع بمذاق مياه النيل في حلقك، وإن تكمت معهم تجد أذنيك تطرب بنغمات لغتنا الجميلة، وأن تسامرت معهم تجد نفسك تأنس بخفة الدم المصرية.
لقد تمسك أقباط المهجر مسلمين ونصارى بوطنهم مصر وبمواطنتهم المصرية حتى أصبحوا عضوًا هامًا في أعمدة المواطنة، لقد قاموا بدور نبيل عظيم فنادوا بحرية العقيدة ونددوا بما فعلته وتفعله يد الإرهاب والتعصب بإخوتهم الأقباط المسيحيين إنطلاقًا من حبهم لبلدهم وغيرتهم على أهلهم، وهذا ليس بغريب على المصري الأصيل المليئة عروقه بدم مفعم بالشهامة والإقدام فلا يتوانى عن الدفاع عن الضعيف والمقهور، دور نبيل حقًا.. فهم يأبون أن توصف بلدهم الأم بأنها بلد التعصب والإرهاب ويأملون أن يعيش أهلهم في سلام وأمان.
لقد عارض الكثيرون دورهم وانضم إليهم بعض المجاملين واصفين إياه بالعمالة للأجنبي والخيانة، إن من أطلق هذه الصفات عليهم كشف ودون أن يدرى عن جهله وجهالته بل وكشف عن شخصيته المتعطشة للمديح والتي تتوق للظهور، إن العمالة والخيانة تطلقان على أمر يضر الوطن.. أين العمالة والخيانة في هذا التنديد وهذه المناداة ؟ ألا تتفق معي عزيزي القارئ أن ما يعمله أقباط المهجر هو في مصلحة مصر ومن أجل خير مصر؟ أليس هذا أمر تفتخر به مصر حين يعرف العالم كله أن أبناءها المهاجرين يدينون بكل هذا الولاء لبلدهم وأهلهم رغم تباعد المسافات ومرور السنون؟ وما رأيك عزيزي في موقف إخواتنا المسلمين في مصر والمهجر عندما قاتل الصرب المسلمين في البوسنة والهرسك؟ وعندما إعتدت إسرائيل على غزة ومن قبلها مذبحة جينين ورام الله؟ لماذا لم يتهمهم أحد بالعمالة والخيانة عندما خرجوا منددين بالإعتداءات ومنادين بالعقابات؟ لماذا لم تُتهم عزة مجاهد المصرية المهاجرة إلى أمريكا بالخيانة والعمالة حين أشارت على أوباما أن يعمل على توطيد العلاقة بالعالم الإسلامي؟ من هذا كله نخُلص إلى أهمية وفاعلية دور أقباط المهجر مسيحييه ومسلميه في رفع كرامة مصر أمام بلدان العالم أجمع.
إن تطور أساليب تعبير نصارى المهجر عن قضاياهم لهو خير دليل على مواطنتهم الحقة وولائهم الحقيقي لمصرهم، تراهم في القديم كانوا يعبرون بأسلوب ثوري عنيف، ولما أدركوا أن هذا يسيء لمصرهم عملوا تطوير تعبيرهم وإحتجاجهم إلى الأساليب الراقية المتمثلة في الوقفات الإحتجاجية والمظاهرات السلمية واضعين نصب أعينها كرامة مصر، ولعل خير دليل على هذا حرص كاتب هذه السطور على الإحتكام للسيد الرئيس دائمًا ورفع النداءات المستمرة لسيادته بالتدخل لدعم حرية العقيدة، الأمر الذي دفع أحد القراء إلى قوله "جر ناعم يا باشا"، وأقول له هذا هو أسلوب نصارى المهجر الراقي البنّاء القائم على إحترام مصر ورئيسها أما كونك تريد العنف و(طول اللسان) فهذا أسلوبك وأنت تجلس على أريكتك تفتي فيما لا تفهم وليس أسلوب نصارى المهجر.
إن كل فرد يمتلك فكرًا مستنيرًا داخل رأسه ليفخر بما يعمله أقباط المهجر نصارى ومسلمين إعلاءًا لكرامة أمّتهم بين دول العالم الداعمة لحرية العقيدة والمواطنة ممتدحًا وطنيتهم ومواطنتهم، إن أقباط المهجر هم علم مصر ورايتها في وطنهم الجديد.
دعوة من الفكر المستنير بعدم مهاجمة أقباط المهجر والعمل على الإستفادة من خبراتهم ومراكزهم في توطيد علاقة مصر بدول المهجر، حينئذ تمتد بين مصر والمهجر أساسات أعمدة المواطنة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4392&I=119