الخيار المطروح: ظلم كبير أو ظلم أكبر!

منير بشاي

بقلم: منير بشاي
منذ الآن على أقباط مصر أن يكونوا حذرين في ما يطالبون به لرفع الظلم عنهم، فمن سوء حظهم قد يحصلوا على ما يطلبون... وأكثر!!
كان الأقباط يشكون دائمًا من ظلم الدولة لهم في تعيينهم للوظائف القيادية العليا، فهناك وظائف مثل القضاء والسلك الدبلوماسي لا تجد فيها من الأقباط غير نسبة ضئيلة، وهناك وظائف مثل المحافظين ورؤساء المدن وقيادات الأمن القومي التي غالبًا لا تجد فيها قبطيا واحدًا.

ومن كثرة الشكوى قررت الدولة أن تعطي الأقباط مذاقًا لما يريدون (وذنبهم على جنبهم) فعينت لهم محافظًا قبطيًا في نجع حمادي اسمه مجدي أيوب، هذا المحافظ وصفه قداسة البابا بأنه "محافظ على الابتعاد عني" ويبدو أن هذا الأمر كان بمثابة مبدأ فالرجل يحاول أن يبعد عن نفسه حتى مجرد الشبهة أنه قبطي أو ينتمي للأقباط من قريب أو بعيد. ويبدو أنه بذلك يسعى إلى إرضاء السلطة حتى يستمر في صعوده السلم الوظيفي.  ويبدو أيضًا أنه يحاول إرضاء الغالبية المسلمة بالتظاهر أنه لا يحابي بني جنسه فيتمادى في الاتجاه المعاكس بالتعنت ضدهم، ووصل الأمر بمطرانية نجع حمادي أن هددت بشكوى هذا المحافظ القبطي في رئاسة الجمهورية وإعلان مقاطعتها له.
ولا أدرى ماذا سيقولون في الشكوى!! هل سيقولون أن هذا المحافظ متعصب ديني ويضطهدهم لأنهم أقباط؟! شيء غريب أن يشكو الأقباط من المحافظ المسيحي ويتحسروا على الأيام التي كان يحكمهم فيها المحافظ السابق المسلم.

وليست هذه حالة فريدة فيبدو أنها نمط مستمر في حياة الأقباط في هذه الأيام، هل تذكرون ما يحدث للأقباط عقب كل اعتداء؟ من الطبيعي أن يطالب الأقباط بالقبض على المعتدين ومحاكمتهم وتتباطأ الدولة في عمل هذا، ولكن إذا أصر الأقباط يحدث القبض على بعض المعتدين وأيضًا البعض من الأقباط بحجة أنهم طرف في النزاع وينسى الأقباط الاعتداء والمعتدين ويذهبوا ليتوسلوا للسلطات أن تفرج عن أبنائهم المحتجزين الذين سيضيع مستقبلهم. وتظهر العواطف الإنسانية من قبل السلطات عندما تقرر الإفراج عن جميع المحتجزين لأن السلطات طبعًا عادلة ولا يفرقوا بين مسلم ومسيحي وتضيع حقوق الأقباط وينتظروا في رعب متى يهجم عليهم نفس هؤلاء الجناة الذين يمارسوا إرهابهم دون رادع.
وظلم الأقباط يؤيده القانون المصري للأسف الشديد، وعندما يشكوا الأقباط من ظلم القانون تتظاهر السلطات بمحاولة إصلاح الوضع ولكن يتم الإصلاح بمجرد كلمات لا تغير من الواقع شيئًا.

خذ مثلاً المادة الثانية من الدستور التي تعطي الشريعة الإسلامية السيطرة الكاملة على مقدرات الشعب مهما كان دينهم، نتيجة شكوى الأقباط قيل لهم أنهم سيضيفوا للدستور المادة الأولى الخاصة بالمواطنة التي حسب رأيهم ستعالج كل المشاكل التي تنتج عن وجود المادة الثانية، وطبعًا لم يمر وقت طويل حتى يكتشف الأقباط أن الأمر لم يكن سوى خدعة كبيرة وأن هذه المادة هي مجرد ديكور للمنظرة فقط ولا تغير شيئًا في أوضاعهم.
نفس هذا يحدث في موضوع بناء الكنائس ففي سنة ۱٨٥٦ صدر الخط الهمايوني الذي كان يعتبر خطوة تقدمية في ذلك الوقت لحماية مصالح الأقليات المسيحية في الدولة العثمانية وضمان بناء دور العبادة الخاصة بهم بموافقة الباب العالي ذاته، ولكن بمرور الوقت أصبحت مشكلة كبرى أن يحصل الأقباط على توقيع رئيس الدولة في كل مرة يحاولوا بناء أو ترميم كنيسة، فحاولت الدولة عدة محاولات للإصلاح دون جدوى وكان الأمر في كل مرة يزداد تعقيدًا.
والآن يطالب الأقباط بقانون دور العبادة الموحد، والدولة تماطل كعادتها، واعتقادي أنهم إذا رضخوا لمطالب الأقباط فسيصدر هذا القانون مليء بالثغرات والمشاكل تجعل الأقباط يصرخون: فين أيامك يا همايوني!!
من خبرات الماضي لا يملك المرء إلا أن يتساءل ما إذا كان هناك أمل من أي إصلاح في المستقبل في المحروسة، فمثلاً التمثيل القبطي في مجلس الشعب فضيحة كبيرة.

هل يعقل أن ۱٥% من السكان يمثلون بنائب واحد منتخب؟ هذا معناه أن تمثيلهم الانتخابي هو حوالي نصف في المائة من عددهم وهى مشكلة لا يشترك فيها إلا المرأة المصرية ونتيجة لذلك ارتفعت الأصوات العالمية مطالبة الحكومة المصرية بالعلاج.
وأخيرًا رضخت الحكومة وقررت عمل كوتة للمرأة بتخصيص بعض الدوائر لا ترشح فيها غير نساء، ولكن الأقباط لم يهموا الدولة ولم يحظوا بمحاولة للعلاج، وهذا ما دعا البعض للمطالبة بكوتة للأقباط مثل المرأة. والحكومة تقاوم هذا الاتجاه وتتحجج بأسباب كثيرة.
بيني وبينك ما أخشاه أن ترضخ الحكومة للضغوط فتقر كوتة للأقباط، وفي الدوائر المحددة للأقباط ستجد مرشحين أمثال أسعد وبباوي وسينجحوا في الانتخابات لأن غالبية الناخبين حتى في هذه الدوائر هم من المسلمين وسينتخبوا طبعًا الأقباط المتأسلمين.. وسيندم الأقباط أنهم طالبوا بشيء مثل هذا ويقولوا فين أيام ما كان يمثلنا مصطفى وحسن وعلي بدلاً من النواب المسيحيين الجدد أسعد وبباوي.

خلاصة القول: أنه لا أمل يرتجىَ من أي إصلاح طالما لا توجد نيّة صادقة مخلصة للقيام بعلاج حقيقي. فبدلاً من العلاج سنجد دائمًا المراوغات والتحايلات والملاوعات للإيهام أن حل مشاكلنا في الطريق ولكن الحقيقة المرة هي أن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ..
فربما بدلاً من المطالبة بإصلاح الأمور.. على الأقباط أن يطالبوا بإصلاح الضمير.
mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع