الدين لله والوطن للجميع

سلام خماط

بقلم: سلام خماط
الحقيقة المرة التي نجد صعوبة في الاعتراف بها هي أن أغلبنا قد ساهم في إنتاج التخلف بدلاً من محاولة القضاء عليه.
فقد طغى هذا التخلف والجهل والجمود على مشروع النهضة حتى خابت جميع الآمال في إنجازه وانتعش بدلاً عنه الطائفية والدموية، هذه العوامل التي أدت إلى خنق أنفاس مشروع التنوير وعطلت جميع المبادرات التي تؤدي إلى استنهاض هذا المشروع الكبير.
من هنا نستطيع القول إذا أردنا أن نأخذ حياتنا مأخذًا جادًا ونطمح لمستقبل أفضل يجب أن نعمل على تصحيح واقعنا وتاريخنا هذا الواقع المتردي وهذا التاريخ المزيف الذي كتبته أقلام التزلف, ويجب كذلك أن نعقد العزم على قبول الآخر والاعتراف به من خلال قبول التحدي لأنفسنا أولاً وإجراء التغيير, وبناء عقلية جديدة تقوم على أساس أنقاض العقلية السائدة, عقلية الخرافة والأساطير المرتبطة بالماضي ارتباطًا أعمى, لأننا أحوج ما نكون إلى الوعي العقلاني النقدي والمنهج المستقبلي الواعد.

فالدفاع عن الحقيقة يحتاج إلى التصدي لحملات الظلاميين التي تسعى لإلغاء ثقافة التنوير والتنكيل بأحرار الفكر وتهميشهم واغتيال المثقفين والإعلاميين والقضاة وأساتذة الجامعات, بسبب عقدة النقص التي يعانون منها (الثقافة المختزلة التي لا تستوعب الجميع).
فاعتماد المنهج العلماني منهجًا فكريًا للحياة لا يعني التخلي عن الدين وإنما يعني عدم الاحتكام للدين في كل شيء من أمور الحياة, والدين عند العلمانيين هو أن يعتقد الإنسان بما يشاء ولكن دون إلزام الآخرين بما يعتقد, أو يجعل من اعتقاده نظامًا للحكم والحياة, فقد قيل قديمًا: الدين لله والوطن للجميع, وهذا حسب اعتقادي هو شعار العلمانية.
فلا مطلق ولا مقدس في العلمانية غير الإنسان, والكافر من وجهة نظر العلمانية هو ليس الذي يكفر بالأديان بل الذي يكفر بالإنسان وحقوقه ويكفر بالحرية والتقدم والتطور ويعارض التجديد بالرؤى والتعبير عنها بما يلاءم المرحلة التي يعيش فيها, والكفر هو التقوقع في أنقاض الماضي واجترار الأوهام والأساطير.

إن الحرب على العلمانية قد تصدرها شخصيات معروفة على مستوى الفقه والفكر على حد السواء, يقول الدكتور يوسف القرضاوي الذي يعتبر كبير فقهاء الإعلام العربي اليوم (استغرب كيف لم يطبق (حد الردة) على العلمانيين من المسلمين حتى الآن)، وقد تناسى هذا الرجل أن حد الردة الذي يطالب بتطبيقه قد طُبّق فعلاً على العديد من العلمانيين ومنهم الدكتور فرج فوده الذي اغتيل على يد أحد المجرمين المتأثرين بفتاوى القرضاوي ومن لف لفه, وعندما مثل المجرم في قاعة المحكمة أمام القاضي الذي سأله: لماذا قتلت الدكتور فوده؟ أجاب المجرم: قتلته لأنه علماني, قال القاضي متسائلاً وماذا تعني كلمة علماني؟ فأجاب المجرم: لا أعرف.
من جهة أخرى يقول الدكتور محمد عابد الجابري والذي يعتبر من أبرز ممثلي العقلانية النقدية: يجب سحب الكلمة الرجيمة (العلمانية) من قاموس الفكر العربي المعاصر.
إذا كان هذا هو موقف أصحاب (الفكر) من العلمانية فما بال موقف الجهلة والرعاع منها؟!

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع