فرانسوا باسيلي
بقلم: فرانسوا باسيلي
اذا وضعت جملة "انهيار الولايات المتحدة الامريكية" بين قوسين فى جوجل ستحصل على مايقرب من الف سياق على الانترنت. مما يعنى ان السؤال وارد وشائع. وستلاحظ ان اغلبية المواقع التى تطرح هذا السؤال مواقع اسلامية -مثل اسلام اون لاين- ولهذا دلالته.
ولكن الاسلاميين لم يكونوا اول من طرح هذا السؤال. إذ ان المؤرخ الامريكى المعروف بول كيندى طرحه بشكل يقترب من صيغة التنبؤ الصارم فى كتابه عن صعود وسقوط القوى الكبرى الذى اصدره عام 1987. وهناك مواقع وكتابات تنتقل من صيغة التساؤل الى صيغة الخبر، مبشرة بأن انهيار الولايات المتحدة قد أصبح قاب قوسين او ادنى.
ويحضرنى هنا قول فكاهى شهير للكاتب الامريكى الساخر مارك توين الذى تناقلت بعض الصحف نبأ موته وهو على قيد الحياة فكتب جملة اصبحت تاريخية: " ان خبر موتى فيه الكثير من المبالغة"! ولعل هذه الجملة أظرف اساليب النفى والاستنكار معا. ولهذا فمن المناسب استعارتها هنا فنقول ان انباء قرب انهيار الولايات المتحدة فيها الكثير من المبالغة.
ولكن لايكفى بالطبع الاستعانة بكاتب امريكى ساخر لنفى انباء قرب الانهيار الامريكى بهذه البساطة. فالأدلة التى يقدمها المتساءلون والمبشرون بالانهيار المرتقب ليست متهافتة ولامفتعلة. وهم احيانا يستعيرون نظرية بول كنيدى نفسه ويقررون انطباقها على حالة التمدد العسكرى الباهظ للإمبراطورية الامريكية اليوم ويستنتجون –كما استنتج هو- ان هذا لابد ان يؤدى الى انهيار الامبراطورية. واحيانا اخرى يقدم اخرون مثال انهيار الامبراطورية الرومانية ويقولون ان حالة المجتمع الامريكى اليوم تشبه حالة المجتمع الرومانى الذى غرق فى حياة اللهو والترف وفقد قيمه الاجتماعية والقومية وبذلك لابد ان يكون هو مصير الامبراطورية الرومانية.
التباس التفكير والتمنى
هناك تعبير بالانجليزية يستخدم كثيرا حتى من قبل العامة فى الحياة اليومية هو Wishful thinking وهو تعبير ليس له مقابل فى حياتنا العربية. ويعنى التفكير بالتمنى او اشتباه التفكير بالتمنى، فيدخل صاحبه فى حالة التمنى وهو يتوهم انه فى حالة تفكير، فيصبح "تفكيره" مقودا بأمنياته وخاضعا ومبررا لها مبشرا بها، وفى هذا خطورة كبيرة اذ قد يؤدى الى نتائج تتزين بجماليات المنطق وهى ليست سوى أهواء. مما يسقط بصاحبه فى مزالق وكوارث هائله. وماحدث للتجربه الناصريه مثلا هو بعض من هذا التفكير بالتمنى، فتوهمت فى نفسها قدرة لاتملكها، ودفعت ثمن توهمها هذا فادحا.
وعلى المفكرين العرب الجديرين بصفة "مفكرين" مراقبة ومحاسبة أهواءهم محاسبة شديدة لكى لاتختلط بتفكيرهم وتصبغه بألوانها الوردية فيتصورون أمنياتهم فى شكل الحقائق والوقائع.
ولايخفى ان الكثيرين فى العالم العربى يقفون موقفا معاديا للسياسات الامريكيه فى المنطقة، وهم فى هذا على حق لأن هذه السياسات ومنذ الرفض الامريكى لطلب مصر عبد الناصر تمويل السد العالى وقبل أية مواقف عدائية من قبل ناصر هى سياسات تتصف بالحماقة والجهل بثقافة شعوب المنطقة وعدم الحساسية لأمانيها المشروعة مع التأييد الاعمى لسياسات اسرائيل العدوانية وأطماعها فى الاراضى العربية .من المفهوم اذن ان يكون موقف المثقف العربى مناهضا للسياسات الامريكية التى تعود على المنطقة بالنتائج الكارثية واحدثها ما يحدث فى العراق اليوم. قد تنمو اذن فى جوانح الكثيرين من المثقفين العرب مشاعر كراهية لامريكا تشعر بها امريكا نفسها ولهذا لاتكف عن التساؤل الشهير: "لماذا يكرهوننا؟" مع عدم اهتمام حقيقى بمعرفة الاجابة!
وهناك قطاع اخر لايستهان به فى الشوارع العربية اليوم- هو قطاع الاسلام السياسى الجهادى – الذى لايرى فى امريكا سوى انها زعيمة الصليبيين الجدد ولاينظر للعالم كله سوى بمنظار دينى ضيق غير انسانى فى جوهره، منظار سلفى رجعى يستخدم رؤية ولغة وفكر السلف ويطبقها بلا تفكير على الحاضر، فلا يزال العالم فى نظره بنقسم الى دارين دار الحرب ودار السلام، والى معسكرين معسكر المؤمنين ومعسكر "الكفار من اليهود والنصارى". وهذا القطاع يحمل للولايات المتحدة على الاخص والغرب عموما كراهية هائلة لها ابعاد تاريخية تراثية ودينية تتعدى الارض نفسها وتتعلق باهداب السموات وتتوهم اشتراك الخالق الاعظم فى هذه الحرب الدينية الكونية فى صفها لنصرتها على "اعداء الله". ويمثل هؤلاء بن لادن ومفهومه للجهاد الاسلامى. ويرى هؤلاء ان حربهم ضد السوفيت وطردهم من افغانستان هو الذى ادى الى انهيار الامبراطورية السوفيتية (الملحدة) وانهم بنفس الشكل هم المؤهلون لمحاربة الامبراطورية الامريكية (الكافرة) ويتلهفون على رصد اية مؤشرات تنبأ بضعف هذه الامبراطورية وبداية انهيارها.
لهذا كله فمن المهم قبل الانجراف وراء السؤال المدغدغ للمشاعر حول انهيار الامبراطورية الامريكية ان نتأكد اولا من تجردنا من اخطار اشتباه التفكير بالتمنى، واخطار النظر الى العالم بالمنظار الدينى الضيق، ثم بعد ذلك نفحص ماأمامنا من ادلة فحصا موضوعيا.
سقوط القوى الكبرى
مادمنا نتكلم عن احتمالية انهيار الامبراطورية الامريكية، فلا بد ان نسترشد بأهم كتابين صدرا فى موضوع سقوط الامبراطوريات، خاصة وان المبشرين بالسقوط الامريكى يستشهدون بهذين الكتابين ويطبقون نظرياتهما ويستنتجون بناء عليهما. ولننظر كيف يبدو الحال الامريكى الراهن على ضوء هذين الكتابين الهائلين.
فى كتابه "صعود وانهيار القوى العظمى" الصادر عام 1987 يقدم لنا المؤرخ الامريكى الشهير بول كنيدى دراسة موسوعية للإمبراطوريات والقوى العظمى الحديثة، فى الفترة بين العامين 1500 وحتى العام 2000.
ويعتبر العام 1500 الفاصل بين التاريخ ماقبل الحديث والعصر الحديث. ويقدم كنيدى لنا عدة مقاييس مفيدة –ومتغيرة- نقيس بها مظاهر القوة والضعف فى كل امبراطورية او قوة عظمى.
ولعل اهم مايقدمه كنيدى لنا بداية هو فكرته عن "نسبية القوة" وهذا ليس بالغريب من مفكر جاء من جيل بعد جيل آينشتاين مباشرة، ولاشك تأثر بنظرية النسبية المتعلقة بالقوى الكونية- الطبيعية، فيقدم لنا كنيدى فكرته التى تقول ان القوة لدى امبراطورية ما ليست مطلقة او متفردة بذاتها، وانما هى مسألة نسبية- فلا يمكن قياس قوة او ضعف دولة ما إلا بالنسبة الى الدول الاخرى من ناحية، وبالنسبة الى قوتها هى ذاتها فى فترات مختلفة من تاريخها من ناحية اخرى.
وهنا مثلاً نرى ان بريطانيا اليوم- والتى تأتى فى منزلة بعد الولايات المتحدة واليابان فى عدد من مقايسس القوة، هى اكثر قوة وغنى مما كانت عليه الامبراطورية البريطانية. لاننا نتكلم عن انهيار نسبى ولانتكلم بالضرورة عن اضمحلال او اختفاء دولة ما. وعليه قد تظل الولايات المتحدة - حتى بعد انهيار امبراطوريتها - اقوى من معظم دول العالم!
يقدم كنيدى بعد هذا نظريته الاساسية بناء على دراسته لعوامل انحسار القوى العظمى فى اوروبا واستخلاصه من ذلك ان الانتشار الزائد لإمبراطورية خارج حدودها مع انفاقها الزائد على قواها العسكرية للإحتفاظ بهذا الانتشار بشكل يفوق معدل انفاقها على الجوانب الداخلية الاخرى من اقتصادية واجتماعية وعلمية وتعليمية يؤدى مع الوقت الى تفاقم الحالة الاقتصادية ثم الى انحسار القوة العظمى واضمحلالها وعودة الدولة الى حجم الدولة الاصلى اى نهاية وجودها الامبراطورى، وتنبًأ كنيدى فى دراسته بأن هذا ماسيحدث للولايات المتحدة، التى رأى امكانية انحسار دورها الامبراطورى فى العالم كقوة عظمى وصعود اليابان لأخذ مكانها.
ونلاحظ ان كنيدى قد نجح فى تشخيص اسباب انحسار الامبراطوريات والقوى العظمى الاوروبية التى درسها دراسة تاريخيه كان من السهل عليه فيها القاء نظرة فاحصة على ماوقع بالفعل فى الماضى. ولكنه فشل فى توظيف نظريته هذه لاستكشاف المستقبل حتى القريب جدا منه فقد فشل فى التنبؤ بالسقوط المفاجئ للإتحاد السوفيتى كقوة عظمى رغم انه كتب كتابه قبل سنوات معدودة من ذلك السقوط. كما انه بالغ فى اهمية ومقدار صعود اليابان التى تصور انها الوريث للولايات المتحدة، ولم يتنبأ بصعود الصين بالقدر الذى حدث، والذى يتصور البعض انه يؤهلها لتكون الوريث القادم للقوة الامريكية.
ويمكن دحض نظرية كنيدى استنادا على افكاره نفسها، ففكرته عن النسبية مكنته من استخدام معايير مختلفة لقياس والحكم على كل امبراطورية على حده، اخذا فى الاعتبار ظروف عصرها وظروفها هى الخاصة، فقد قام بقياس قوة وثراء القوى العظمى قبل القرن العشرين بمقايسس تشمل نسبة سكان المدن الى العدد الكلى من السكان، ونسبة انتاج الصلب، واستهلاك الوقود الحديث ومعدل الانتاج الصناعى، بينما غير مقاييسه لدول القرن العشرين فاستخدم مقياس الانتاج الحربى، وهكذا. ولكننا نجده يستخدم مقاييس زمانه (اى منتصف الثمانينات) ليحكم بها على الولايات المتحدة فى زمن بداية القرن الحادى والعشرين دون أخذه فى الاعتبار لعوامل جديدة تماما يمكن ان تكون هى المعيار الجديد لقوة الدول والامبراطوريات مثل ثورة المعلومات والسبق التكنولوجى والقدرة على السيطرة على وسائل انتاج المعرفة وابتكار المخترعات واحتكار الاعلام وغيرها من الموارد "غير الطبيعية" المستجدة تماما والتى لم يكن فى مقدور المؤرخ التكهن بها لأنها تمت لعالم المستقبل المتخيل بينما ينتمى هو بفكره وخبراته الى عالم التاريخ المعروف فقط.
لانستطيع اذن ان نقوم بالتطبيق الآلى المتسرع لنظريات ورؤى مؤرخين مثل بول كنيدى لنستخلص نتائج تحلو للبعض وتدغدغ أحلامهم بقرب إنهيار الولايات المتحدة.
هل العراق بداية النهاية؟
قلت فى مقالات سابقة لى ان المستنقع العراقى الذى تتخبط فيه الولايات المتحدة والفشل المتوقع لمغامرتها الطائشة فيه- وهى المغامرة التى كنت احد القليلين من الكتاب المؤمنين بالليبرالية والعلمانية الذين وقفوا ضدها من قبل ان تبدأ وليس فقط بعد سنوات من اتضاح فشلها - قلت ان هذه المغامرة لن تكون هى نهاية الولايات المتحدة. اذ ان هزيمة الولايات المتحدة فى فيتنام - و التى كانت اكثر فداحة عشرات المرات بمقياس عدد قتلاها وسنوات انغماسها فيها- لم تؤدى الى هزيمة امريكية على المدى الطويل بل بالعكس انتهى الامر بسقوط الشيوعية التى كانت هى خصمها الايدلوجى فى الحرب وسقوط الاتحاد السوفيتى خصمها الاكبر.
واستعادت الولايات المتحدة بعد ذلك عافيتها وحققت انجازات فائقة فى مختلف المجالات- فالهزيمة فى العراق ليست هزيمة نهائية ودائمة. والذى يغفل عنه الكثيرون- ومنهم بول كنيدى نفسه- ان النظام الديمقراطى المتوثب الذى يفرض التغيير كل اربعة سنوات او ثمانية على اكثر تقدير يمنح الامريكيين- دولة ومجتمعا وثقافة وفكرا- فرصة التصحيح بل التغيير الجذرى كلما حدثت أخطاء او هزائم او امراض اجتماعية او سياسية، بحيث يمكن تعديل المسار والنهوض من الكوارث ونفض غبار العثرات ومواصلة المسيرة حتى بعد اخطاء قاتلة وهزات اقتصادية او اجتماعية او سياسية مزلزلة، وهذا هو سر استمرار وتجدد الحيوية الامريكية والذى يحصنها ضد الجمود والاستمرار فى الخطأ حتى الانهيار كما حدث للاتحاد السوفيتى.
فقدان القيم والانهيار من الداخل
المثال الاخر الذى يلجأ اليه البعض لإثبات توقعاتهم بقرب انهيار الامبراطورية الامريكية هو مثال سقوط الامبراطورية الرومانية. وأهم من حلل اسباب ذلك السقوط كان هو المؤرخ الانجليزى ادوارد جيبون فى دراسته الموسوعية الضخمة بعنوان "تاريخ انحسار وانهيار الامبراطورية الرومانية" والذى نشر عام 1776 وهو نفسه عام ولادة الولايات المتحدة الامريكية (يالها من مصادفة!) ويقدم لنا جيبون نظريته التى ترجع انهيار الامبراطورية الرومانية الى عوامل داخلية اجتماعية ونفسية، هى استغراق الرومان بشكل مضطرد فى حياة الترف والاسترخاء والتكاسل والاعتماد على العمالة من غير الرومان وادخال المرتزقة من البرابرة الى صفوف الجيش للقتال نيابة عنهم، وضعف القيم الوطنية والاجتماعية لدى المواطنين.
كما ارجع الانهيار ايضا الى انتشار المسيحية ومبادئها الناعمة التى تنبذ العنف والقتال وتدعو الى المحبة والتسامح والتآخى، بل تدعو الناس الى عدم الاهتمام الكبير بالعالم وما فيه والنظر الى السماء حيث الحياة الأفضل والأبقى عملا بقول السيد المسيح (مملكتى ليست من هذا العالم). ويقول جيبون فى تحليله ان شيوع هذه المبادئ احدث تحولا فى الرومانيين ففقدوا تدريجيا شخصيتهم الذكورية وصفاتهم الخشنة وميولهم القتالية، مما جعل البرابرة الذين تغلغلوا كجنود فى القوات الرومانية يقومون بالسيطرة على البلد كلها فسقطت الامبراطورية وانهارت من الداخل قبل ان تسقط للغزاة من خارجها.
يستخدم البعض - وخاصة من يملكون رؤية دينية للعالم- هذا التحليل للتدليل على ان هذا ينطبق على الولايات المتحدة، فهم يرون فى التحرر الاجتماعى الداخلى المتمثل فى التحرر الجنسى وتحرير المرأة وسفورها وارتفاع اصوات المثليين مطالبين بحق الزواج وشيوع العلاقات بين الجنسين وانجاب الاطفال خارج مؤسسة الزواج حتى نجد بعض الاحصائيات تقول ان طفلا من بين كل ثلاثة اطفال يولد خارج مؤسسة الزواج، يرون فى كل هذا تفسخا للمجتمع وانهيارا للقيم وضياعا للإنسان. ويقرنون هذا بضعف المؤسسة الكنسية وهجرة الامريكيين للكنائس وغياب القيم الدينية من الحياة العامة بسبب اتباع سياسة العلمانية فى فصل الدين عن الدولة. ويخلصون من كل هذا الى حتمية انهيار المجتمع الامريكى من الداخل وبذلك تنهار الامبراطورية الامريكية كما انهارت الرومانية من قبلها.
كل هذه المظاهر التى رصدها هؤلاء مظاهر حقيقية موجودة وقائمة. ولكن الذى يغفل عنه هؤلاء هو ان المجتمع الامريكى اليوم هو اكثر مجتمعات الارض تحررا، وهو اكثر مجتمعات التاريخ البشرى كله احتراما لحقوق المواطن الامريكى واحتضانا حتى للقادمين بلا اوراق قانونية من غير الامريكيين، وهو ايضا اكثر مجتمعات الارض ديمقراطية واسرعها تغيرا وتطورا. ليس مثاليا ولا كاملا بالطبع ولكنه الاكثر حيوية وحرية، وتضمن هاتان الخصوصيتان –الحرية والحيوية- والثانية هى نتاج الاولى- تضمنا حدوث التصحيح لكل تطرف او شذوذ فى القيم الاجتماعية. ويتناسى هؤلاء ان المجتمع الامريكى منذ اربعة عقود فقط- وحتى الستينات وثوراتها الاجتماعية التحررية – كان مجتمعا محافظا ومتدينا وتقليديا- وان ما حدث منذ الستينات والى اليوم يمثل العودة الطبيعية للبندول من اقصى وضعه المحافظ الى الحد الاقصى المقابل لمسيرة تأرجحه وهو حد التطرف فى التحرر، والذى لابد ان يحدث بعده- وقد بدأ يحدث هذا فعلا منذ حوالى عشر سنوات - هو عودة اخرى للبندول من اقصى تطرفه المتحرر الى منطقة الوسط ثم ربما عودة مرى اخرى الى طرف المحافظة من جديد، هذا التأرجح هو من طبيعة المجتمعات المتوثبة القلقة الباحثة أبدا عن الافضل والاجمل- فتروح فى بحثها تتطرف فى مغامرة الكشف حتى تسقط فى الخطأ وتدفع الثمن فتعود الى الاعتدال ولكن بعد ان تكون قد دفعت بالمجتمع كله الى الامام خطوات على طريق التقدم الحضارى والرقى الانسانى.
وعليك فقط ان تقارن وضع المواطن الامريكى ومدى حقوقه الانسانية والقانونية بوضع الانسان فى اى مجتمع آخر على الارض اليوم ، ومنذ مائة عام، ومنذ الف عام- ومنذ خمسة آلاف عام، انها مسيرة حضارية انسانية واحدة هائلة مثيرة ومبهرة، بلغت ذروتها فى مستوى الحرية والحيوية والاحترام والكرامة التى يتمتع بها الانسان داخل امريكا اليوم، مقارنة بالانسان فى اى مكان اخر على الارض، وفى اى زمن اخر فى التاريخ البشرى، هذه هى الحقيقة الى لايستطيع إنكارها الا كل مكابر معاند. واكبر دليل على هذا هو ان البشر فى كافة مجتمعات الارض اليوم يحلمون بالقدوم للحياة فى المجتمع الامريكى ويغامر الكثيرون منهم بكل شئ لتحقيق هذا.
هذا بالاضافة الى ان المجتمع الامريكى هو اكثر مجتمعات الارض انتاجا وابتكارا لكل جديد ومفيد للبشرية جمعاء
ذلك التصور القاصر المحدود اذن لحالة المجتمع الامريكى الذى يتصوره مجتمعا بلا قيم لأنه مجتمع متحرر لايضر سوى بأصحاب هذا التصور الذين يعيشون على وهم قرب الانهيار الامريكى.
السؤال الأجدى
ان السؤال الاكثر جدوى الذى على المفكرين العرب طرحه اليوم ليس هو ماذا بعد الانهيار الامريكى المحتمل، فكما اوضحت ان هذا سؤال لامحل له الآن من الاعراب ، بينما لدينا فى مجتمعاتنا العربية حالة من الخراب والانهيار الواقع فعلا والذى نهرب منه عن طريق الاستغراق فى لذة التساؤل عن الانهيار المتخيل للإمبراطورية الامريكية.
الاجدى ان نتساءل عن اسباب انهيارنا نحن وليس انهيار الآخرين المتقدمين عنا عدة سنوات ضوئية حضارية.
كاتب من مصر يقيم في نيويورك
fbasili@gmail.com
المقال بحثي ينشر للمرة الثانية لمناسبته للاحداث
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=4287&I=116