تسييس الدين وتديين السياسة

أماني موسى

بقلم: اماني موسى
تطالعنا من آن لآخر وسائل الإعلام وخاصة المواقع الإلكترونية على الإنترنت بمانشيتات ساخنة تحمل قدرًا لا بأس به من الإثارة لتحقيق رواج وانتشار ولجذب عدد أكبر من الزوار -بصرف النظر عن المحتوى ومدى جودته أو حتى صدقه-. وأمثلة تلك المواقع كثيرة فهنالك البعض ممن يَتسّمون بالصحفيين متخصصون في انتقاء كلمات مثيرة لعناوينهم فتجذبك تلك العناوين إن كنت قارئ مبتدئ أما إن كنت قارئ محترف فلن تدخل ولا تكلف نفسك عناء القراءة لموضوعات تعرف أن محتواها لا يخرج عن شيئين لا ثالث لهما إما التفاهة أو الإثارة ذو المحتوى الخالي من أي معنى وهدف.
فمثلاً تجد الكثير من المواقع الإلكترونية تهتم كل أربعاء بنقل ملخص لعظة البابا شنوده الثالث أو بمعنى أدق نقل وتحريف للعظة وتفريغها من معناها الروحي وإقحام معاني ودلالات سياسية على المحتوى، وهو أصلاً محتوى واضح ومفهوم ومحدد في إطاره الذي قيل لأجله -كإجابة مثلاً على إحدى التساؤلات- ومن ثم لا يحتمل التأويل وإعطائه معاني أكثر مما يحتمل-.
فحين يقول قداسة البابا أن يكون الشعب حريص على المواظبة والحضور في الكنيسة المنتمي إليها، تجد المعنى يتحوّر إلى أن البابا يُكفّر الطوائف المسيحية الأخرى غير الأرثوذكسية ويحذر الشعب منها كأنها فيروس!!
وكذا حين يقول لأحدهم -عن شكوى من أحد الكهنة- هنشوف يا بني الموضوع وهيتم محاسبة الأب الفلاني عن الفعل الفلاني، تجد المانشيتات ثاني يوم تقول مثلاً ((اعتراف البابا بوجود فساد في قيادات الكنيسة وسيتم محاسبة المسئولين)) وهكذا العديد من المانشيتات التي تعتمد على الفرقعات الإعلامية المثيرة للدهشة والاستفزاز في ذات الوقت.
ويحاول الكثير من الصحفيين إضفاء طابع سياسي على عظات البابا شنوده ومقولاته الدينية في إصرار بالغ وواضح على خلط الدين بالسياسة، وعلى الجانب الآخر تجد أيضًا بعض تعليقات من الطرفين المسيحي والمسلم (الكهنة والشيوخ) على بعض الأحداث السياسية أو منع وتحريم وإصدار فتاوى!!
فعلى ما يبدو أن العبارة القائلة "العلاقة بين الدين والسياسة علاقة تبادلية حيث يتم استخدام الدين لأغراض سياسية كما يتم استخدام السياسة لأغراض دينية) هي عبارة صحيحة ويتم تطبيقها في واقعنا المصري بشكل مستمر.
فلماذا ننادي بالدولة العلمانية وبضرورة فصل الدين عن السياسة وبذات الوقت نُقحم دومًا الدين بالسياسة؟؟ فمثلاً نعطي تفسيرات سياسية لأمور دينية قيلت داخل إطار ديني في الكنيسة أو الجامع؟! أو العكس حيث نأخذ رأي رجال الدين بأمر سياسي بحت كأخذ فتوى تشرع إنشاء مقابر جماعية إن تفشى وباء أنفلونزا الخنازير!!! فما علاقة رجل الدين بتلك القضية أو غيرها وهي ليست بشأن ديني.
فنحن رأينا جميعًا كيف أن خلط الدين بالسياسة يؤدي إلى فشل لكلاً من الاثنين، فقديمًا حين كانت أوربا تُعلي من شأن الدين وتسيطر به على زمام الأمور المدنية الخاصة بالدولة فشلت وصلت لمرحلة من التدني حتى سميت بالعصور الوسطى ولم تتقدم إلا حين تخلصت من سيطرة الدين على الدولة.
وأيضًا الرئيس الراحل السادات حين أفسح المجال للأصوليين الدينيين بعد فترة من الخناق والتضييق في عهد عبد الناصر وكيف كانت النتيجة مظلمة ومأساوية في حادثة المنصة ولا زالنا نعيش تبعاتها حتى الآن!!
فليتنا نعي الدرس ونفيق قبل فوات الأوان ولندع الكاهن والشيخ في مكانهم الصحيح ويكون دورهم روحي وديني فقط ولا دخل لهم بالشئون السياسية فلا نحتاج لفتوى لاستصدار قرار سياسي وكذا لا نفسر مقولاتهم الروحية بشكل سياسي مقحم وغير مُبرَر.