لقاء مع سيادة المطران عطا لله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرذوكس1-2

الأقباط متحدون

- أنتمي إلى فصيل اسمه الشعب الفلسطيني
- نحن المسيحيون الفلسطينيون عرب  مائة في المائة ، ولسنا من مخلفات الحروب الصليبية
- أطراف مشبوهة تسعى لإثارة النعرات الطائفية
- أتمنى على السياسيين أن لا ينسوا أهمية القدس كقبلة للمسيحيين أيضا
- نفتذخر بانتمائنا للكنيسة المسيحية الأولى التي أسسها السيد المسيح في فلسطين
 - أبو عمار عرض علي في الماضي منصبا سياسيا فرفضت
أجرى الحوار: نادية عيلبوني  (صحافية فلسطينية مقيمة في فيينا) 

 على هامش أعمال مؤتمر الجاليات والفعاليات الفلسطينية في أوربا والذي انعقد في 30-5-2009 في فيينا، التقينا بسيادة المطران عطا الله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرذوكس. .وبصعوبة  بالغة تمكنّا من اقتطاع 39 دقيقة من وقته الموزع بين أعمال المؤتمر وبين الكثير من المنظمات والفعاليات والشخصيات التي أصرت على لقائه ودعوته.
دماثته الطبيعية وتلقائيته ومهابته ، طغت على كل أعمال المؤتمر .كما أن حضوره المتألق  كان له  كبير الأثر في  التخفيف من حدة العصبية الفلسطينية  التي تظهر لدى مناقشة الملفات الساخنة.
 أن تعثر على  الأب عطا الله حنا ، معناه أن تبحث عن رفيق دربه الشيخ تيسير التميمي قاضي القضاة في القدس . هذان التوأمان اللذان يكادان لا يفترقان، وكأنهما أرادا من خلال تلازمهما هذا، إعطاء صورة عملية وحقيقية عن وحدة الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحيه. 

 - لنا أن  نرحب بك سيادة المطران عطا الله حنا  في فيينا لحضور أعمال مؤتمر الجاليات والفعاليات الفلسطينية في الشتات الأوربي.
نريد أن نسألك بداية عن الاعتداءات التي وقعت على بعض الرموز الدينية وبعض مقابر المسيحيين في قرية جفنا ، وأين وصلت التحقيقات في هذا الأمر،وإذا ما تم العثور على الفاعلين الحقيقيين لهذا الاعتداء؟



سيادة المطران : لا توجد لدي معلومات حول هذا الموضوع، لأنني غادرت البلاد للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر ، ولكن أنا أعتقد أن من قام بمثل هذا العمل، إنما قام بعمل سيء ، وغير حضاري وغير إنساني. عمل نستنكره ونشجبه بشدة ، وبغض النظر عن الدين أو الطائفة التي ينتمي إليها الفعلة ، فإن من قام بهذا العمل  يسيء إلى الديانة التي ينتمي إليها، وإلى الطائفة التي ينتمي إليها .ولذلك فأنا أعتقد أن هذا العمل خطير . ولا نستبعد أن يكون وراء هذا العمل أطرافا  مشبوهة، وأطراف لا تريد الخير لشعبنا الفلسطيني.وتسعى لإثارة النعرات الطائفية في المجتمع الفلسطيني.

- تستوقفنا هنا جملة ذكرتموها سيادتكم في بيانكم الذي شجب هذه الاعتداءات ، فقد قلتم أن المسيحيين هو أصلاء في وطنهم وأنهم ليسوا من مخلفات الحروب الصليبية ، ماذا كنتم تقصدون بهذا القول؟
المطران : لم يكن المقصود بهذا الكلام سوى التأكيد على حقائق تاريخية وجب أن نؤكدها دائما ، لأن الإنسان بطبعه ضعيف وفي بعض الأحيان ينسى، ولذا وجب تذكيره. نحن كمسيحيين في هذا الشرق وفي فلسطين تحديدا ، التي هي مهد المسيحية الأول ،  لم يؤت بنا من أي مكان. نحن أبناء هذه الأرض الأصليين . وكذلك فإن المسيحية لم يؤت بها من أي مكان في العالم . المسيحية من عندنا انطلقت . المسيح ولد في فلسطين . ولد في بيت لحم. وعاش في القدس وفي الناصرة . وفي فلسطين قدم للإنسانية ما قدمه ، لذلك وجب التذكير بأهمية فلسطين في المسيحية. والقدس في المسيحية هي قبلة المسيحيين الأولى . ولا يوجد في المسيحية ما هو أهم ، وما هو أقدس ، وما هو أسمى من مدينة القدس ومن فلسطين بشكل عام. ولذلك  نعتز نحن  الفلسطينيون المسيحيون  بمسيحيتنا ، ونفتخر بانتمائنا إلى  الكنيسة المسيحية الأولى التي أسسها السيد المسيح. وهذه الكنيسة حضورها متواصل ولم ينقطع منذ ألفي عام . كذلك فنحن نفخر بأننا جزء من الشعب العربي الفلسطيني ، لا بل ونحن جزء أصيل ، وجزء هام .
 فالمسيحيون العرب والمسيحيون الفلسطينيون ، لم يؤت بهم من أي مكان في العالم. وهم ليسوا أيضا   نوعا من أنواع  مخلفات الاستعمار، بل هم لهم حضور مستمر ومتواصل مدة ألفي عام ،وهم يحافظون على شهادتهم الإيمانية ، وعلى انتمائهم للأرض ، وعلى انتمائهم للحضارة، وعلى انتمائهم للإنسانية . وأنا أود أن أقول بأن المسيحيين في الشرق وفي فلسطين ، هم مسيحيون عرب  مائة بالمائة  ، وهذه حقائق تاريخية يجب أن يتم التذكير بها. وأنا أتمنى على أولئك الذين يتحدثون عن القضية الفلسطينية، وعن قضية القدس أن يذكروا أهمية القدس في المسيحية، و أهمية القدس في الإسلام ،و أهمية القدس في الديانات التوحيدية الثلاثة . وعندما نتحدث عن القدس ، فأنه لا يجوز لنا أن نتجاهل أي بعد من هذه الأبعاد التي ترتبط بمدينة القدس. ونحن نعتقد أنها إضافة إلى كونها مدينة مقدسة في الديانات التوحيدية الثلاثة فهي أيضا مهمة بنوع خاص للعرب وللفلسطينيين المسيحيين والمسلمين ، إضافة إلى أهميتها طبعا، لكل المسيحيين في العالم ولكل المسلمين في العالم ، وفيها قبر السيد المسيح ، الذي احتضن جسده  لمدة ثلاثة أيام ، ومن ثم قام. وهذه العقيدة ، وهذا الإيمان ، يعتقد به كل المسيحيين في العالم وليس نحن فقط ، الذين نعيش في الأراضي المقدسة. وكذلك المسجد الأقصى المبارك ،هو مهم للمسلمين في بلادنا وهو مهم للمسلمين في كل مكان من العالم.

- يلاحظ  الكثير من المراقبين  تصاعدا كبيرا في هجرة المسيحيين الفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية في السنوات الأخيرة، فما هو  تفسيركم لهذا التناقص السريع في أعداد المسيحيين وما هي الأسباب التي أدت إلى هذا النزيف ، وما هو مدى خطورته على الديمغرافيا الفلسطينية ،  وكيف السبيل إلى الحد من هذه الهجرة؟
المطران: أولا أنا أعتقد بأن سبب الهجرة المسيحية هو الاحتلال الإسرائيلي وفقط ،هو الاحتلال الإسرائيلي . هناك تداعيات لهذا الاحتلال على حياة الناس اجتماعيا ومعيشيا واقتصاديا. والهجرة ألمت بالفلسطينيين مسيحيين ومسلمين، ولم يهاجر فقط المسيحيون، بل هاجر أيضا المسلمون. ولكن آثار هذه الهجرة،تظهر عند المسيحيين أكثر منها عند المسلمين لأنهم أقل  عددا، وبالتالي إذا ما هاجر عدد منهم تكون آثار هذه الهجرة وخيمة وتظهر بشكل واضح . وأعتقد أن هجرة المسيحيين هي نزيف ، وهي كارثة ، وهي مصيبة كبيرة جدا ، لأن المسيحيين هم من المكونات الأساسية لشعبنا وأمتنا،  ولذلك فإن وجودهم عنصر مهم جدا ، وهو إثراء للقضية الفلسطينية ، وهو إثراء للحضارة والثقافة،  لأنهم  كانوا دائما من الفعلة المخلصين في سبيل القضايا الوطنية.   وكانوا دائما في كل الميادين الإنسانية والاجتماعية والثقافية والوطنية والقومية ، وأنا لست الآن  بصدد ذكر أسماء ، لأن الأسماء كثيرة،  والقائمة طويلة جدا ، هنالك أعلام  مسيحيون نفتخر بهم ونفتخر بعطاء اتهم ،وبما قدموه .وأنا حقيقة في الوقت الذي فيه أقول بأن كنيسة الأراضي المقدسة، هي كنيسة فلسطين ،  هي ليست فقط كنيسة حجر، بل هي كنيسة بشر . وفي الوقت الذي أؤكد فيه بأننا لا نريد أن تكون كنائسنا مجرد أماكن مقدسة يؤمها الحجاج ، وإنما أماكن مقدسة يؤمها أبنائها من المسحيين العرب الفلسطينيين . وأطلب من المسيحيين الصمود .
ونحن حقيقة لا ننكر أن الواقع صعب جدا، ولكني  أعتقد بأن من أحب كنيسته وأحب مسيحه وأحب إنجيله ومن أحب أرضه ومقدساته ووطنه ، عليه أن يضحي في سبيلها . المحبة هي ليست  كلمة  نرددها ، إنما هي، أيضا، فعل، من أحب عليه أن يضحي في سبيل من يحب ، ولذلك فنحن إذا ما أحببنا كنيستنا ، وإذا ما أحببنا مسيحنا وإذا ما أحببنا مقدساتنا وأرضنا ، علينا أن نضحي في سبيل من نحب وعلينا أن نصمد ، وأن نبقى حتى في الحصار وفي الظروف الصعبة.

- سيادة المطران يقول البعض أن الاحتلال كان دائما موجودا ، بكل ممارساته الإجرامية بحق الفلسطينيين جميعا ،ومثل هذا الاحتلال  لم يستطع النيل من صمود  المسيحيين الفلسطينيين وتجذرّهم في أرضهم ومقاومتهم لكل أساليب الاقتلاع التي مارسها الاحتلال بحق جميع أبناء الشعب الفلسطيني ،  ألا ترى أن ازدياد ظاهرة التطرف الديني التي يلجأ أصحابها إلى لغة  تكفير وتخوين الآخر والاعتداء عليه،  قد تكون أيضا من ضمن الأسباب التي تدفع بالمسيحيين بالهجرة بتلك  الوتائر  المتسارعة؟لقاء مع سيادة المطران  عطا لله حنا رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرذوكس
سيادة المطران : أنا أتمنى من كل المسيحيين بدون استثناء، ممن  صمدوا وبقوا في الأرض المقدسة أن يصمدوا وأن لا يتأثروا بأية عوامل ، وأن يبقوا في وطنهم ، لأنهم ملح الأرض وهم الخميرة  في هذه الأرض ، لذلك فأنا أناشدهم أن يبقوا ، وأنا أتمنى على المسيحيين الذين هاجروا والذين لديهم الإمكانيات والذين لديهم القدرة ، بأن يفكروا بشكل جدي في العودة . وجودنا في الأرض المقدسة هو وجود  فاعل ووجود مهم . نحن في فلسطين نعمل من أجل فلسطين ومن أجل القدس ، ومن أجل الأرض، ومن أجل القضية ومن أجل القيم الإنسانية وقيم العدالة ولذلك نتمنى أن يكون هنالك الحضور المسيحي الفاعل .
 
وعلينا أن لا نتعلق بهذا الجانب .و أنا أعتقد بأن المتطرفين، بغض النظر عن أية ديانة انتموا ، إنما لا يخدمون القضايا الوطنية، ولا يخدمون قضايا التعايش والوحدة الوطنية . كما أعتقد أن المتطرفين سواء أكانوا مسلمين أو مسيحيين ، إنما بتطرفهم وبنظرتهم التكفيرية ، ونظرتهم التي تنتقص من مكانة الآخر ، إنما يسيئون إلى الديانة التي ينتمون إليها ، ويسيئون إلى الشعب الذي ينتمون إليه وبمواقفهم لا يخدمون قضية هذا الشعب العادلة  . كما وأريد أن أؤكد أيضا ،بأن الشعب الفلسطيني في ظل الاحتلال وفي ظل  المؤامرات التي تستهدف القضية وحق العودة ،والقدس، هو في أمس  الحاجة إلى الوحدة الوطنية الإسلامية المسيحية . وأنا من أولئك المعتقدين بأن هنالك بعض الأصوات المتطرفة التي نسمعها هنا وهناك، قد تكون الصهيونية وراءها . وفي كثير من المواقع تبين بأن ليس كل من يتحدث بتطرف عن دينه إنما يقوم بهذا من منطلق حماسة لهذا الدين ، بل لأنه يخدم أجندات لا علاقة لها ،لا بهذا الدين ، ولا بهذه الأرض ،ولا بهذه القضية وما إلى ذلك . أنا أعتقد جازما ، وقد يختلف معي البعض في هذا الموقف ، بأن المتزمتين لربما هناك جهات خارجية توجههم ، وهذه الجهات ، قد تكون صهيونية، أو غير صهيونية،من تلك التي لا تريد الخير لا لأمتنا العربية، ولا لقضيتنا الفلسطينية . أنا لا أنكر وجود أشخاص من هذا النوع ، ولكن كيف يمكن لنا أن نواجه هذه الظاهرة؟هل نواجه التطرف بتطرف والأصولية بأصولية ؟ لا

- ماذا فعلتم لمواجهة هذا التطرف؟
سيادة المطران: أنا أرى بأننا يجب أن نكون دائما بحالة حوار مع   الجميع . وأنا من أولئك الذين يؤمنون باللقاء الإسلامي المسيحي، والحوار الإسلامي المسيحي . والتواصل الإسلامي المسيحي ،لأن الإنسان عدو ما يجهل. وفي رأيي فإن    لقاءات من هذا النوع ،من شأنها نشر الوعي بين من يحتاجونه من أولئك الذين لديهم مواقف مسبقة ومغلوطة ، لأنني عندما لا أعرف المسلم من هو ، فهذا يعني أن تكون لدي أفكارا مسبقة وخاطئة عنه، وإذا هو لم يعرفني، فإنه قد تكون عنده مواقف مسبقة عني، ولذلك  أنا أعتقد أن اللقاء الإسلامي المسيحي والتفاهم الإسلامي المسيحي ،والحوار الإسلامي المسيحي في فلسطين، هو الطريقة الأفضل لتجاوز مثل هذه الظواهر .

هل تناقشون في لقاءاتكم المشتركة  تلك، مثل هذه المشاكل أو الاعتداءات ؟

المطران : نحن في فلسطين أسسنا الهيئة الإسلامية المسيحية المشتركة برئاستي وبرئاسة الشيخ تيسير التميمي قاضي قضاة فلسطين. وهذه الهيئة تعني باللقاء الإسلامي المسيحي والتعاون الإسلامي المسيحي، والعمل على نبذ أية مواقف  قد تسيء إلى الآخر أو تكفر الآخر. ونسعى إلى استعمال لغة احترام الآخر ، طبعا، المسلم ، سيبقى مسلما، والمسيحي سيبقى مسيحيا. أنا لا أتحدث عن الوحدة وعن التعاون من منطلق الإنصهار وأن نكون في بوتقة واحدة ، لأنه لكل واحد منا خصوصيته ، فأنا كمسيحي لدي خصوصيتي ، وللمسلم لديه خصوصيته، ولكن نحن كعرب وفلسطينيون  نعيش في هذه الديار ، نحن ملزمون وواجبنا  الديني والإنساني يدعونا أن نتفاهم وأن نتعاون ، من أجل خدمة الشعب الفلسطيني ومن أجل الدفاع عن الأرض وللدفاع عن المقدسات ، فبيننا قواسم مشتركة كبيرة وكثيرة ،أهمها  بأننا نؤمن معا  بإله واحد ، وننتمي إلى شعب واحد. ونحن أيضا  ننتمي إلى قضية واحدة . وما يوحدنا في فلسطين هو معاناتنا الواحدة وآلامنا  الواحدة ونزيفنا الواحد ، ولذلك فأنا  أعتقد أن بأن الدين لا يفرق ،وإنما  يوحد. وما يوحدنا في فلسطين ،هو كل هذا إضافة إلى نضالاتنا الواحدة من أجل أن نحرر مقدساتنا . أنا  أرفض أن يقوم رجال الدين باستعمال أية  تعابير واتخاذ  أية مواقف من شأنها أن تثير  الفتن والنزاعات. ولذا فأنا أتمنى من كل رجال الدين ,وأنا أخاطب هنا رجال الدين المسيحيين ورجال الدين المسلمين ، بأن يكرسوا منابرهم من أجل ترسيخ ثقافة التسامح والمحبة والوحدة بين أبناء الشعب الواحد. نحن لا نريد أن يكون عندنا رجال دين يثيرون الفتن ، وإنما نريد من رجال الدين أن يوحدوا  الصفوف ، ويوحدوا الشعب ،وأنا عندما أقول رجال دين ، فإني أقصد بذلك رجال الدين المسحيين والمسلمين.

- يتحدث بعض الكتاب الفلسطينيين من المتنورين في مجالسهم الخاصة عن خطورة التحريض الديني الذي يتم من قبل بعض الدعاة المتزمتين في بعض مساجد الضفة وقطاع غزة ، ويرى هؤلاء أن بعض الاعتداءات التي حدثت على المسيحيين في فلسطين كانت تتم على إثر خطب متزمتة  ، هل أتتكم شكاوى معينة بهذا الخصوص، وهل فاتحتم  المعنيين بالسلطة الفلسطينية عن الآثار السلبية لهذا التحريض ؟وهل تخشون من  أن تستغل مثل هذه الاعتداءات من بعض الجهات الخارجية  لإضافة عنصر تفتيت جديد على وحدة النسيج الوطني الفلسطيني
المطران عطا الله: أولا هذا الموضوع فلسطيني داخلي يرتبط بالأسرة الوطنية الفلسطينية بالدرجة الأولى ، ونحن رفضنا كما سنظل نرفض  أية تدخلات أجنبية في هذا الموضوع. و هناك من يأتي من الغرب ويسأل، ويطرح  مثل هذه القضايا ولكن همه الأساسي ليس حماية المسيحيين وليس حماية القضية الوطنية ، وإنما حماية الأهداف الاستعمارية والاحتلالية .
 نحن لسنا مستعدين إطلاقا أن نقدم أي من المواد التي من شأنها أن تستغل إسرائيليا بهدف ضرب وحدة الشعب الفلسطيني . نحن  في الوقت نفسه، لا ننكر وجود أصوات من هذا النوع.   ولا ننكر وجود أصوات رجال دين يتصرفون بشكل غير مسئول. ولكن نحن في لقاءاتنا في  الهيئة الإسلامية المسيحية المشتركة  نناقش هذه القضايا وأنا أود أن أقول لك  بأن أول من استنكر الاعتداء على المقبرة المسيحية في جفنا هو مفتي القدس. وهذا موقف نقدره ، وأول من استنكر الاعتداءات على بعض الكنائس في فلسطين التي جاءت  كرد فعل على رسومات، أو مواقف صدرت عن قيادات دينية مسيحية،  كانوا بعض رجال الدين المسلمين المتنورين . 
نحن لا ننكر وجود متزمتين عندنا وعند سوانا، ولكن لن نستسلم لهم.  ولن نجعلهم  هم الذين يسيرون أجندتنا، أو يرسمون لنا ما يجب أن نقوم به . أنا أعتقد بأن أية أصوات تحريضية، أو أية مواقف مسيئة سواء للمسيحيين من قبل المسلمين أو للمسلمين من قبل المسيحيين هي مرفوضة ومستنكرة من قبلنا جملة وتفصيلا .

-سيادة المطران كيف ترون وضع المسيحيين في غزة في ظل حكم حركة حماس ؟
المطران : المسيحيون في غزة هم مسيحيون يعيشون في مدينة غزة ويمارسون كل واجباتهم الدينية والكنائس مفتوحة . وهنالك مطران في غزة وهنالك كهنة  ، والكنيسة موجودة في غزة تؤدي رسالتها وخدماتها ، والمسيحيون هناك لا يتعرضون إلى أية مضايقات.

 -ولكن المسيحيين في غزة تعرضوا إلى الكثير من الاعتداءات  كحرق كنائس وقتل رامي عياد و...
سيادة المطران مقاطعا : أنا أود أن أكون واضحا هنا فمثلا إذا ما قام شخص مسلم بالاعتداء على كنيسة، أو اعتداء على مسيحي ، أو قام بأي تصرف غير مسئول ، فإن هذا المسلم لا يمثل كل المسلمين وكذلك إذا قام مسيحي بعمل من هذا النوع فإنه لا يمثل المسيحيين . وكل المظاهر السلبية التي حدثت في غزة وغيرها ، فإنها صدرت عن أشخاص لا يمثلون الديانة التي ينتمون إليها.

كيف تقيّمون سيادتكم أوضاع المسيحيين الفلسطينيين بعد مجيء حكومة السيد سلام فياض ؟ 
المطران: نحن ككنيسة أرثوذكسية وأنا شخصيا ، نسعى من أجل علاقات طيبة مع الجميع. وقد تفاجئي من هذا الكلام الذي سأقوله لك ، بأننا على علاقات طيبة حتى مع حركة حماس ، وعلى علاقات طيبة مع فتح ،وعلى علاقات طيبة مع كافة الفصائل الفلسطينية . أنا لست من أولئك الذين يغلقون باب الحوار أمام  أحد . أبوابنا مفتوحة للجميع وقلوبنا مفتوحة للجميع  وكل إنسان فلسطيني ،وحتى لو اختلفنا معه في الرأي، نحن مستعدون أن نتحاور معه . نحن نسعى من أجل مطراننا الموجود في غزة وهو قريب من حركة حماس ،وهو أيضا موجود في محيط حركة حماس ، ونسعى أن تكون له علاقات طيبة مع حركة حماس وكذلك أيضا، في الضفة الغربية وفي مدينة القدس .

وعادة ما أشارك في مؤتمرات وندوات يكون مشارك فيها أناس من فتح ،ويشارك فيها أناس من حماس،  ومن كل الفصائل الفلسطينية . والبارحة في قاعة اجتماع المؤتمر كان هناك خليط من كل التيارات السياسية الفلسطينية ، وأنا لست ممن يتعاطون الشأن السياسي ،من باب أننا نحن مع هذا أو ضد ذاك،  أو نحن نبايع هذا ضد ذاك ، هذه ليست رسالتنا ككنيسة. رسالتنا هي أن نحافظ على الحضور المسيحي .
وأن نؤدي رسالتنا الدينية ، وأن نتحاور مع الجميع،  وأن نمارس الانفتاح مع الجميع . ونحن حقيقة انحيازنا ليس لفصيل ، بل انحيازنا هو للقضية الفلسطينية. وقد سألني ذات مرة أحد الأشخاص من باب المداعبة : إلى أي فصيل أنت تنتمي وأنت تدافع عن قضية فلسطين؟  فقلت له: أنني أنتمي إلى فصيل اسمه الشعب العربي الفلسطيني ، نحن لسنا منحازين لأي طرف ، ولسنا جزءا من أي نزاع  لا على مناصب، ولا على كراسي، ولا على سلطة . نحن منحازون إلى عدالة القضية الفلسطينية . ومن هذا المنطلق نحن نخاطب الجميع .
ونقول للجميع بأنكم يجب أن تتوحدوا ، ونحن عندما نعاتب ، فإنما نفعل من منطلق الحرص على المصلحة الوطنية ، ونحن منزهون عن أية مصالح سياسية ، نحن لسنا حزبا. ونحن نخدم قضية الشعب الفلسطيني من كوننا كنيسة . ومن كوننا مطران.  ومن كوننا راع . لقد اقترح علي المرحوم أبو عمار أن أتبوأ منصبا سياسيا قبل عدة سنوات فرفضت .

قلت له يا أبو عمار نحن نخدم قضية فلسطين من منطلق كوننا كنيسة ومن منطلق كوني راعي، ومن منطلق كوني مطران، ولا نخدم القضية الفلسطينية من كوننا مؤسسة سياسية ،وما إلى ذلك. نحن نخدم قضية فلسطين لأن واجبنا الديني والأخلاقي والإنساني والحضاري هو ما يدعونا إلى ذلك . وأنا أعتقد أن القضية الفلسطينية لها بعد إنساني ،وبعد أخلاقي يهمش في كثير من الأحيان في ظل هذه الصراعات السياسية .
وهذه الأبعاد المتعددة لقضيتنا هي ما ندافع عنه. أما السياسيون فليفعلوا ما يشاءون . أنا كإنسان أدعو إلى العدالة وإلى القيم المؤسسة عليها أقف إلى جانب القضية الفلسطينية وإلى جانب الشعب الفلسطيني لأن إنجيلي ،ولأن كنيستي، ولأن مسيحي يدعوني إلى مناصرة الإنسان المظلوم والمعذب .

أنتظرونا غدًا مع الجزء التاني من الحوار