جرجس بشرى
بقلم: جرجس بشرى
من الطبيعي أن يكون المجال العام في مصر ملِكًا للجميع وليس حِكرًا لفئة من الناس على حساب فئات أخرى في المُجتمع، والمجال العام ببساطة يعني الشارع والمصالح الحكومية والحدائق العامة وكل ما يتجاوز حدود الخصوصية الفردية للشخص.
والمُثير للدهشة أن تسامحت الحكومة المصرية وتركت الناس والمصالح الحكومية يعبثون بالمجال المصري العام ليحولوه إلى مرتع خِصب للتطرف والتشدُد الديني الذي بات يُنذر بكوارث تهدد أمن ووحدة مصر الوطنية، ومن المؤكد أن ترك الحكومة المصرية هؤلاء المتشددين يعيثون فسادًا بالمجال العام في مصر -جريمة بكل المقاييس- يجب أن تُحاسب عليها الحكومة أولاً لأنها سمحت لنفسها وتسامحت مع المتطرفين لأسلمة المجال العام في مصر.. مع أنه قانونًا مِلكًا للجميع.. مِلكًا للمسلمين والمسيحيين والبهائيين بل والمُلحدين طالما أنهم يحمِلون الجنسية المصرية. ومن المُفترض أن يتمتعون بكافة حقوق المواطنة.
لقد تسامحت الحكومة مع التطرف والتشدد الديني في مصر لدرجة وصلت إلى مستويات غير مسبوقة ولا معهودة لدرجة انك بمجرد أن تنزل من مسكنك تجد وكأنك في دولة دينية إسلامية بحتة، فالشوارع المصرية التي هي جزء من المجال العام تم غزوها بالتطرف والتشدد عبر لافتات دينية، منها ما يُحقِر من غير المُسلمين ومنها ما يدعوا إلى قتالهم ككفرة ومُشركين (والعياذ بالله).
كما أن المصالح الحكومية تم أسلمتها قسرًا مع أنها جزء من المجال العام لدرجة أن رأينا المُلصقات الدينية في تغزو هذه المصالح، كما أصبحت المواصلات العامة كالمترو والأتوبيسات وكذلك الأتوبيسات والميكروباصات الخاصة التي تسير في المجال العام تحمل لافتات دينية وإسلامية وتفرض على المواطنين غير المسلمين سماع آيات قرآنية فرضًا!
هذا بخلاف ما يحدث في المدارس وغيرها من الأماكن العامة، والغريب أن هذا يحدث بسهولة وبسماح من الحكومة! ومن الأمور المُفزعة والتي أطالب الحكومة المصرية بالتصدي الفوري لها هو أن غزو وأسلمة المجال العام في مصر تعدى هذه الحدود إلى ما هو أخطر منها بكثير، حيث انتشرت قيام بعض التجار والمُتأسلمين برفع العلم السعودي على الشوارع في تعدي صارخ على السيادة المصرية، وهذه الظاهرة خطيرة وتبرهن بما لا يدع مجالاً لشبه شك في أن ولاء هؤلاء قد انتقل من الولاء للدولة المصرية إلى الولاء للأجنبي حتى ولو كان هذا الأجنبي هو المملكة العربية السعودية! فالولاء لمصر يجب أن يكون أولاً وقبل أي شيء آخر، فمن ينتقل ولائه لدولة غير مصر ويسمح برفع علم سعودي في الشوارع المصرية على حساب العلم المصري، فلا يمكن أن يؤتمن عليه مهما كانت المبررات التي يمكن أن يسوقها لنا أحد في هذا الشأن لأن سيادة مصر خطًا أحمر ولا يمكن أن يسمح إنسان مصري بهذه المهزلة التي يجب أن تُحاسب عليها الحكومة المصرية أولاً.
وإن لم توقف الحكومة المصرية هذه المهزلة فأن ولائها أيضًا لمصر سيكون محل شك وريب من كل وطني غيور يخاف على سيادة مصر.
وأطالب الحكومة المصرية بأن توقف مهزلة التعدي على المجال العام التي سمحت لنفسها وللمتشددين وأسلمته بالقوة الجبرية، وهو ما يُشكل جريمة تضرب المواطنة والدولة المدنية في مقتل.
http://www.copts-united.com/article.php?A=3846&I=104