خطاب أوباما ... تشخيص للداء ووصف للدواء !!

القس. رفعت فكري

بقلم: القس رفعت فكري سعيد
منذ أسبوعين كنت قد كتبت مقالاً في هذا الموقع المتجدد عنوانه " لو كنت مكان أوباما " وفيه تخيلت نفسي مكان أوباما وتمنيت أن يقول بعض الأمور للعالم العربي وبعد متابعتي للخطاب سعدت كثيراً لأنه قال الكثير مما تمنيت أن يقوله ومما لاشك فيه أن هذا الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك أوباما في جامعة القاهرة ظهر الخميس 4/6/2009 أثار جدلاً واسعاً سواء في العالم العربي أو خارجه فهناك من رحب بالخطاب وبمضمونه وهناك من رفضه جملة وتفصيلاً وهناك من رحب بشخصيتة أوباما وكاريزماتيته بينما رفض مضمون خطابه . وفي تقديري أن الخطاب كان نابعا من قلب صادق وصريح  يظهر ما يبطن  لذا جاء الخطاب موضوعياً  ومتزناً جداً  وكان محايداً إلى أقصى درجة وفاصلاً بدقة متناهية للعديد من القضايا فلقد أستطاع أوباما أن يقف من كافة القضايا بمسافة تكاد تكون متساوية فهو انتقد الاسرئيليين والفلسطينيين وطالب بعالم يخلو تماماً من الأسلحة النووية المدمرة . وأعتقد أن الموضوعيين والذين يتحلون بروح التسامح العقلي والفكري والديني حول العالم على اختلاف أديانهم وألوانهم وأطيافهم ومشاربهم هم الذين قبلوا الخطاب بفرح وسعادة بينما المتزمتون والمتعصبون على اختلاف انتماءاتهم الدينية والسياسية والثقافية هم الذين لم يرحبوا بالخطاب ورفضوه جملة وتفصيلاً

وببراعة منقطعة النظير وبرشاقة بالغة أمسك أوباما بمشرطه كجراح ماهر واستطاع أن يضع إصبعه على مواطن الداء  في المنطقة العربية وبهدوء ورقة قدم الدواء ويمكنني في هذا المقال رصد بعض الأمراض وكيفية الشفاء منها كما قدمها أوباما في خطابه :-
أولا :- التطرف والعنف في عالمنا العربي  مما لاشك فيه أن منطقتنا العربية تعد من المناطق الزاخرة بالتطرف والعنف والدماء وامتد هذا العنف ليصل إلى الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها لذا جاء خطاب أوباما لينبهنا أن العنف ليس من الدين في شئ فالأديان تدعو للسماحة ولا يمكن أن تدعو للتطرف والقتل والتخريب وسفك الدماء ومن هنا يجب أن يكون الإسلام جزءاً من حل المشكلة .

ثانياً :-  تزييف التاريخ  فما أكثر المرات التي أنكر فيها الكثيرون من  المفكرين في منطقتنا العربية المحرقة التي تعرض لها اليهود على يد النازي لذا جاء الخطاب ليقول لنا من فضلكم لا تزيفوا التاريخ كونوا صادقين وأمناء للتاريخ فالمحرقة حقيقة تاريخية ونكران حدوثها ينم عن جهل .

ثالثاً :- كراهية الآخر المغاير  هناك كثيرون في المنطقة العربية لأسباب عديدة دينية وسياسية يكرهون اليهود ويرفضونهم ويكررون صوراً نمطية حقيرة عنهم ويتمنون تدمير إسرائيل وملاشاتها من على أرض الواقع وحتى إذا لم يوجد هناك صراع عربي إسرائيلي لكان موقفهم من اليهود هو الكراهية أيضاً  فجاء الخطاب ليقول لهؤلاء المتعصبين عليكم بقبول الآخر المغاير ولا سيما اليهود .

رابعاً :- أسلمة القضية الفلسطينية  في الفترة الأخيرة حول بعض المتعصبين القضية الفلسطينية من قضية سياسية إلى قضية دينية وكأنها صراع بين اليهود والمسلمين  فقط بينما المسيحيون خرجوا من المشهد  وكأن فلسطين لا يسكنها سوى المسلمين فقط فجاء الخطاب ليؤكد أن الشعب الفلسطيني مسلمين ومسيحيين قد عانوا في سعيهم إلى إقامة وطن خاص لهم وتحملوا آلام النزوح على مدى أكثر من 60 سنة وهم يتحملون معاً إهانات يومية .

خامساً :- العمليات الانتحارية   كرد فعل لما يحدث من إسرائيل ظهرت العمليات الانتحارية والتي أعطاها البعض اسم العمليات الاستشهادية للدعاية والترويج لها فجاء خطاب أوباما ليقول صراحة يجب على الفلسطينيين أن يتخلوا عن العنف لأن المقاومة عن طريق العنف أسلوب خاطئ ولايؤدي إلى النجاح فلقد حصل السود على حقوقهم في أمريكا بدون عنف فطريق العنف طريق مسدود وإطلاق الصواريخ على الأطفال الإسرائيليين في مضاجعهم أو تفجير حافلة على متنها سيدات مسنات  لا يعبر عن الشجاعة أو عن المقاومة جاء الخطاب ليقول لمنظمة حماس أن تضع حداً للعنف وأن تعترف بالاتفاقات السابقة وأن تقر بحق إسرائيل في البقاء  .

سادساً :- الديمقراطية بدعة أمريكية  في منطقتنا ما أكثر الذين يرفضون الديمقراطية بزعم أنها بدعة أمريكية أو أنها مصطلح ابتدعه الغرب فجاء الخطاب ليضع النقاط فوق الحروف ويقول لهؤلاء الديمقراطية وحقوق الإنسان ليست أفكاراً أمريكية فحسب بل هي حقوق إنسانية وقيم حضارية أيضاَ  .

سابعاً :- التعصب المقيت وانتهاك الحريات الدينية  هو مرض  منتشر ومتفشي بوفرة في منطقتنا العربية فهناك دول لا تسمح ببناء كنائس على أرضها وهناك دول يعاني فيها المسيحيون العذاب من أجل ترميم دورة مياه كنيسة وتحدث مشكلة كبرى عندما يفكر إنسان ما أن يغير دينه أو معتقده فجاء أوباما ليقول لا يمكن فصل الحرية في أمريكا عن حرية إقامة الشعائر الدينية كما أن ذلك السبب وراء وجود مسجد في كل ولاية من الولايات المتحدة ووجود أكثر من 1200 مسجد داخل الحدود الأمريكية  وأكد أوباما على القول إنه عندما كان طفلاً في أندونيسيا كان المسيحيون في ذلك البلد الذي يشكل فيه المسلمون الغالبية يمارسون طقوسهم الدينية بحرية . قال أوباما أن ثمة توجه في بعض أماكن العالم الإسلامي ينزع إلى تحديد قوة عقيدة الشخص وفقاً لموقفه الرافض لعقيدة الآخر وما نحتاجه اليوم أن تتمتع الشعوب في جميع البلدان بحرية اختيار العقيدة وأسلوب الحياة القائم على ما تمليه عليهم عقولهم وقلوبهم وأرواحهم بغض النظر عن العقيدة التي يختارونها لأنفسهم لذا فإن الحرية الدينية هي الحرية الأساسية التي تمكن الشعوب من التعايش لذا يجب علينا دائماً أن نفحص الأساليب التي نتبعها لحماية هذه الحرية .

ثامناً :- التمييز ضد الأقليات لا يخفى على أحد أن الأقليات الدينية تعاني من التمييز السلبي الأمر الذي جعل الكثيرين من المسيحيين يهاجرون إلى أمريكا وأوربا بحثاً عن الحرية فجاء الخطاب ليقول يجب على الحكام أن يحترموا حقوق الأقليات وأن التعددية الدينية هي ثروة يجب الحفاظ عليها ويجب أن يشمل ذلك الموارنة في لبنان أو المسيحيين في مصر وكذلك يجب إصلاح خطوط الانفصال في أوساط المسلمين كذلك لأن الانقسام بين السنة والشيعة قد أدى إلى أمر مأساوي . ولقد تعجبت كثيراً من موقف بعض المسؤولين المصريين  الذين يصرون دائماً على دفن رؤوسهم في الرمال فزعموا  في وسائل الإعلام إن أوباما لم يقصد شيئاً أو إنها عبارة عابرة  وتشدقوا بأن المسيحيين في مصر ليسوا أقلية وكأنهم يرفعون من شأنهم بينما هم في حقيقة الأمر لا يريدون منحهم حقوقهم الأساسية  وبغض النظر عن الجدل الدائر حول إن كان مسيحيو مصر أقلية أم لا وحتى لا يضللنا أحد ويشغلنا عن القضية الرئيسية  وحتى لا يُفرغ كلام الرئيس الأمريكي من مضمونه فإن مسيحيي مصر جماعة من البشر – سواء كانت أقلية أم لا – يُمارس ضدها التمييز ومن المطلوب حل مشكلات هذه الجماعة من البشر . 

تاسعاً :- التمييز ضد المرأة  المرأة في مجتمعاتنا العربية تُعامل على أساس أنها أقل من الرجل وهناك مجتمعات لا تقبل أن تتعلم المرأة كما أن هناك مجتمعات تحرم على المرأة قيادة السيارات فجاء الخطاب ليقول إن البلدان التي تحصل فيها المرأة على تعليم جيد هي غالباً بلدان تتمتع بقدر أكبر من الرفاهية وهذا ليس من باب الصدفة . جاء أوباما ليقول أنا أحترم كل امرأة تختار ممارسة دوراً تقليدياً في حياتها ولكن هذا الخيار ينبغي أن يكون للمرأة نفسها .

هذه بعض الأمراض التي أشار إليه أوباما في خطابه التاريخي فهل سنصر على دفن رؤوسنا في الرمال والزعم بأن كل شئ على مايرام وأن عالمنا العربي بخير أم أننا سنستجيب لروشتة العلاج ؟!! أعتقد أن الرجل بخطابه هذا قذف بالكرة في ملعبنا فماذا نحن فاعلون ؟!!!!!!!

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع