جرجس وهيب
بقلم: جرجس وهيب
تظهر الأزمات دائمًا معادن الرجال، فمن هؤلاء الرجال المحب لبلده والذي يقدم نفسه فداءً لها، ومنهم المستغل لهذه الأزمات والمشعل لها والمتاجر بها وبمعاناة الناس.
والأزمات والمصاعب على الرغم من المعاناة التي تسببها إلا أنها مفيدة في نفس الوقت لأنها تكشف المعادن فمن الناس من يكون معدنه أصيل يحب مصر، ويعلى مصلحتها العليا فوق أي اعتبار، ومنهم من يكون معدنه صفيح ويسعى لتحقيق مكاسب حتى لو كانت هذه المكاسب على أشلاء مواطنين غلابة، والغريب أن هؤلاء الناس كثيرًا ما يتكلمون عن الوطنية والتدين وهما أبعد الناس عن ذلك.
فخلال الأزمات المتتالية التي تتعرض لمصر تظهر فئة من المتاجرين بهذه الأزمات والسعي إلى تحقيق مكاسب مادية بطرق غير مشروعة، فخلال أزمة السولار ظهرت فئة من تجار السوق السوداء وهما خليط من مختلف الفئات والمهن والعاطلين فمنهم أصحاب محطات التموين الذين استغلوا الأزمة لتحقيق ربح مادي كبير، عن طريق إخفاء كميات من السولار لبيعها في السوق السوداء بأعلى الأسعار ضاربين عرض الحائط بمدى ما يسببه ذلك من متاعب لقطاع عريض من الشعب المصري، وارتفاع أسعار المواصلات وكافة السلع التي يتم نقلها عبر وسائل المواصلات، وبعض مفتشي التموين الذين يتغاضون عن تلك التجاوزات مقابل الحصول على بعض الرشاوى من أصحاب محطات التموين وبعض البلطجية الذين يحصلون على كميات من السولار بالقوة ثم إعادة بيعها مرة أخرى بأضعاف أثمانها.
نفس الوضع تكرر في أزمة البوتاجاز، فاستغل هذه الأزمة أصحاب بعض المستودعات الذين يقومون بإخفاء كميات من اسطوانات البوتاجاز لبيعها لأصحاب مزارع الدواجن أو كمائن الطوب أو تجار التجزئة بمساعدة مفتشي التموين وأصحاب الضمائر الميتة من تجار التجزئة، مما يسبب معاناة كبرى لعدد كبير من المواطنين وخاصة من محدودي الدخل الذين لا يملكون الأموال لشراء اسطوانات الغاز بأسعار مرتفعه، وقد تصل إلى عشرة أضعاف أسعارها في السوق العادي.
وأسوأ من كل هؤلاء المتاجرون بمستقبل مصر السياسي، مستغلين حالة مرض مصر الآن والفراغ الأمني الموجود، وبحث الناس بأي شكل عن الأمان المفقود خلال الفترة الماضية وبساطة وجهل البعض .
وأنا اعتبرهم أسوأ تجار الأزمات، ويأتي على رأس هؤلاء التيارات الدينية المتشددة وخاصة تياري الإخوان المسلمون والسلفيين، والذين يتاجرون بأحوال البلاد الآن ويتلاعبون بها وبوضعها الأمني، من خلال إيهام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقدرتهم ( التيارات الدينية ) على مساعدتهم في بسط سيطرتهم على الحالة الأمنية داخل البلاد، في مقابل تحقيق مكاسب سياسية في إطار مشروعهم الكبير لإقامة خلافة إسلامية في العالم العربي يكون مقرها في مصر.
والغريب أن تأتى هذه المتاجرة في هذه الأوقات الخطيرة من تاريخ مصر، ومن يدعون التمسك بالمبادئ والقيم الدينية، والأغرب من ذلك على الرغم متاجرتهم بهذه الأزمات ومستقبل البلاد يدعون الوطنية والتدين والخوف على مستقبل البلاد، وهما يسعون لتحقيق بعض المكاسب السياسية التي قد تعصف بمستقبل البلاد وتعود بنا إلى أسوأ مما كنا عليه قبل 25 يناير.
فالمطلوب في الفترة الحالية أن يعلى الجميع مصلحة مصر العليا، وترك أي خلافات
أو أي صفقات أو اتفاقات أو تطلعات أو أهداف سياسية، وأن يكون جميع المصريين على قلب رجل واحد لتمر هذه الفترة العصيبة من تاريخ البلاد، والتي إما أن تدفع مصر إلى مصاف الدول الكبرى المتقدمة والتي تفصل بين الدين والسياسية، إما أن نكون مثل "إيران" التي تدعى أنها دولة ديمقراطية ومتقدمة في حين أنها دولة متخلفة ومتأخرة، وتنكل بالمعارضين لها، أو أن نكون مثل "أفغانستان" أو "باكستان".
وهذا يتطلب أيضًا من جميع المحبين لهذا البلد من المسلمون المعتدلين والمسيحيين إظهار هذا الحب من خلال المشاركة السياسية خلال المرحلة القادمة، وعدم ترك البلاد لمن يدعون التدين والوطنية وهما يسعون إلى اختطاف مصر إلى مصير مجهول.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=38152&I=835