المؤسسات الدينية..وبناء الحضارة الإنسانية

القس. رفعت فكري

بقلم: القس رفعت فكري
تلعب المؤسسات الدينية دوراً كبيراً وخطيراً داخل المجتمعات نظراً لما لهذه المؤسسات من تأثير في نفوس الناس فالمؤسسات تشكل ذهنية وعقلية الجماهير من خلال ما تقدمه من خدمات وكذلك من خلال الخطاب الديني الذي يعد من أقوى الخطابات المؤثرة فمن الناحية الإيجابية تقوم المؤسسات الدينية بغرس القيم الروحية التي تسمو بالإنسان وترتقى به روحياً ومن خلال هذه القيم يتقرب الإنسان إلى الله ويتعبد له وكذلك يهتم بأخوته في الإنسانية كذلك هناك مؤسسات دينية تعطي اهتماماً للخدمة الاجتماعية بجانب الخدمة الروحية حيث تقوم بعض المؤسسات الدينية بعمل خدمة إنسانية واجتماعية بغية الارتقاء بالإنسان تربوياً وعلمياً وصحياً مثل إنشاء المدارس وبناء المستشفيات وعمل مراكز تعليم وتأهيل للشباب والفتيات.
 
كل هذه الخدمات العملية وغيرها الكثير تؤدي إلى المساهمة في تطوير البناء الروحي والاجتماعي والثقافي للإنسان وعلى الرغم من كافة الأدوار الإيجابية التي تقوم بها المؤسسات الدينية إلا أن الصورة لا تخلو من بعض السلبيات مثل:عدم المساهمة بالقدر الكافي في نشر ثقافة التنوير.. فهناك مجتمعات ينتشر فيها الجهل والدجل ومجتمعات تنتشر فيها الخرافات والخزعبلات والمؤسسات الدينية أحياناً تلعب دوراً كبيراً في نشر كل هذه الأمور التي تتنافى مع المنهج العلمي في التفكير ويرجع ذلك إلى عدم فهم النصوص الدينية بطريقة صحيحة ومن ثم تفسير النصوص الدينية بطريقة تميل إلى الخرافة والدجل. كذلك قد تسهم المؤسسات الدينية في نشر الفكر الغيبي بالدعوة إلى الهروب من الواقع  فبدلاً من أن تركز المؤسسات الدينية على الواقع المُعاش وبدلاً من أن تحث الناس على إعمار الأرض والعمل بإيجابية لجعل العالم أفضل نجد أن هذه المؤسسات تدعو إلى الهروب من الواقع ليحلم الناس بالعالم الغيبى على اعتبار أنه أفضل بكثير من هذا العالم الذي نعيش فيه. ومن هنا تحتاج المؤسسات الدينية إلى عمل التوازن بين العالم الحاضر والعالم الآتي حتى لايطغي أحدهما على الآخر.

كذلك فإنه يؤخذ على المؤسسات الدينية ولاسيما في المنطقة العربية عدم المساهمة بالقدر الكافي في نشر روح التسامح.. فمن يتابع ما يحدث في المنطقة العربية من تعصب ورفض للآخر الديني المغاير يدرك أن هناك مشكلة جمة لعب الخطاب الديني المتعصب دوراً سلبياً في تفاقمها فجميع أنواع التعصب ومظاهره خطيرة وتؤذي الضمير الانساني ولكن المتتبع لخارطة الأحداث السياسية في العالم يصل إلى قناعة تامة بأن أخطر أنواع التعصب هو التعصب الديني الذي يجتاح دولاً كثيرة وخاصة في الشرق الأوسط الذي أصبح بؤرة للصراعات الدينية والطائفية  وهذه الصراعات تتجدد باستمرار والسبب في ذلك هو التنوع الديني والطائفي فضلاً عن التنوع القومي والإثني الذي تحفل به المنطقة ولعل السبب في طغيان التعصب الديني هو أن الدين يلتصق التصاقاً وثيقاً بالعاطفة والغريزة والأحاسيس التي تترسخ في أذهان البشر منذ الطفولة إلى درجة اعتبار الدين مسألة وجود أو عدم وجود .

وما يزيد في رسوخ التعصب الديني هو التربية الصارمة والتنشئة الاجتماعية التي ينشأ عليها الطفل في المحيط العائلي والمدرسة بحيث يغدو الدين جزءاً لا يتجزأ من كيان الفرد  وهنا تقع المسئولية على المؤسسات الدينية في التأكيد على مبدأ التنوع الخلاق في المجتمع  والدعوة لمبدأ الحوار بين مختلف التيارات والطوائف وتأصيل قيم التسامح الاجتماعي التي تؤسس لقبول المغايرة وحق الاختلاف وكذلك يجب أن تسهم المؤسسات الدينية في إشاعة حقوق المساواة التي ترفض وتنقض كل ألوان التمييز العرقي أو الجنسي أو الديني أو الطائفي أو الاعتقادي .كما يجب أيضاً أن تدعم المؤسسات الدينية ثقافة التسامح واللطف ونبذ ثقافة الإرهاب والعنف فلايجوز أبداً إرهاب المبدعين بوعيد العقاب وسوء المآب كذلك يجب أن تدعو المؤسسات الدينية إلى نبذ التعصب حيث إن التعصب بالكلام هو أول درجات التعصب والإيمان المبني على التعصب هو الذي يفضي إلى جميع أشكال التمييز الديني وهذا الإيمان المتعصب هو الذي ساد في العصور المظلمة عصور التخلف واللاعقلانية على المؤسسة الدينية ألا تدعو إلى التمسك والتحجر على أصل تأويلي بعينه رافضة وضع هذا الأصل موضع المساءلة وتحرم مناقشته بل عليها الدعوة إلى الاعتراف بأن هناك تأويلات أخرى ومن ثم يجب عدم إلغاء الآخر المختلف في التأويل أو تجريمه يما ينزله منزلة المخطئ أو الكافر الذي يستحق الاستئصال المعنوي والمادي .

على المؤسسات الدينية ألا تدعو للهزء والسخرية من معتقدات وإيمانيات الآخرين المغايرين فالخطاب المعتدل هو الذي يقبل ويقر عقلانياً بوجود عقائد أخرى وهو قد يرى إن معتقداته  هي الأفضل وهو يعتز بها للغاية لكنه لايرى أبداً أن أصحاب العقائد الأخرى أشخاص مشبوهون بل إنه استناداً على العقل يراهم أصحاب اختيار آخر يختلف معه في الكثير ويتفق معه في الكثير وهذا الإيمان يستند على التسامح الفكري وقبول الآخر واحترام معتقداته .إن المؤسسات الدينية يمكنها أن تصنع أصدقاء للحضارة ويمكنها أيضاً بتعصبها وإنغلاقها أن تصنع أعداء للحضارة الإنسانية.      
إن القبول بالتعايش مع التنوع ضرورة حتمية في حياتنا اليومية لأن التنوع موجود وعدم الاعتراف به هو تجاهل للواقع الإنساني الحياتي فهناك الرجل والمرأة وهناك الأبيض والأسمر وهناك المسلم ( السني والشيعي) وهناك المسيحي ( الأرثوذكسي والكاثوليكي والإنجيلي ) وهناك اليهودي وهناك البهائي واللا ديني وهناك من يدينون بالأديان الوضعية وهناك ساكن الحضر وساكن الريف وساكن البادية ولذا علينا أن نحترم التنوع وأن يقبل كل شخص مَن هو مختلف عنه ويعيش معه على أساس المساواة والديمقراطية والحرية والمواطنة وهذا ما يجب أن تدعمه وتدعو إليه كافة المؤسسات الدينية حتى يصبح عالمنا أفضل من ذي قبل وحتى تُسهم المؤسسات الدينية بحق بدور إيجابي في بناء الحضارة الإنسانية.

راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع