جرجس بشرى
بقلم: جرجس بشرى
كنت قد طالبت عبر موقع "الأقباط متحدون" في أواخر عام 2008 بضرورة استقدام لجنة دولية لتعداد المسيحيين المصريين، وطالبت المُنظمات القبطية الحقوقية في المهجر وقتها بضرورة تبني ودعم ومُساندة هذه الفكرة لأهميتها القصوى.
فالحكومة المصرية تتكتم تمامًا على التعداد الحقيقي للمسيحيين المصريين وتُعلن أعدادًا هزيلة لهم لا تتناسب بالمرة مع النمو الطبيعي لبقية السكان، لكي تستمر في سياساتها الغبية في إبعاد واستبعاد المسيحيين المصريين عن مراكز السُلطة وصناعة القرار في بلدهم وموطنهم الأصلي، وحتى توهم نفسها وتــُقنِع المـُغيبين من تيارات الإسلام السياسي بهوية مصر الإسلامية في تحدِ صارخ لتعددية مصر الثقافية والدينية والحضارية لدرجة أن رأينا بعض الكُتّاب المسلمين وبعض المواقع الإسلامية تحلم بأن يأتي اليوم الذي ينقرض فيه المسيحيين من مصر غير مأسوفًا عليهم!
ولن أكون مُبالغًا إذا قُلت أنه لو فتحت الحكومة المصرية ملف تعداد المسيحيين في مصر فأن المراكز القانونية بالدولة ستنقلب رأسًا على عقب، وهو الأمر الذي يجعل من تمثيل المسيحيين المصريين في السُلطة وصناعة القرار من الأمور الحتمية وفقًا للشرعية الدولية واجبة النفاذ، وهذا ما يُقلق بجد تيارات الإسلام السياسي بل ويُقلق الحكومة المصرية نفسها على اعتبار أن وصول المسيحيين للسُلطة من وجهة نظرهم سوف يؤدي تلقائيًا إلى إحباط وعرقلة الوحدة العربية وإحباط المشروع الإسلامي في المنطقة.
فمعروف عن مصر إن لها ارتباطات كبرى بالدول العربية والإسلامية وينظر إليها العالم العربي والإسلامي على أنها قلب العروبة النابض وأنها حاضنة العالم الإسلامي، وبالتالي فإذا انكشف التعداد الحقيقي للمسيحيين المصريين بشكل رسمي فإن ذلك سيؤدي إلى تمثيل المسيحيين المصريين في السُلطة وصناعة القرار بما يتناسب وتعدادهم وهو ما يؤثر -من وجهة نظرهم- على مكانة مصر كراعية للعالم العربي والإسلامي على المدى البعيد.
وبرغم إعلان قداسة البابا شنوده الثالث بأن تعداد المسيحيين في مصر يبلغ 12 مليون نسمة إلا أن الحكومة المصرية لم تلتفت لهذا التعداد عمليًا ولم يتحرك الحزب الوطني الحاكم ذي المرجعية الدينية لمُناقشة أوضاع التمثيل السياسي للمسيحيين المصريين بصورة جادة وعملية لدرجة أننا سمعنا إن الدكتور "علي الدين هلال" وكيل لجنة الإعلام بالحزب الوطني، ردًا على سؤال عن تمثيل الأقباط في المجالس التشريعية والنيابية بالدولة قال: (أن الحزب لم يُناقش هذا الموضوع مؤكدًا على أن وجود كوته للأقباط يُكرس الطائفية في المُجتمع المصري)!
قال ذلك في الوقت الذي أكد فيه على أن هناك التزامًا رئاسيًا بمُناقشة تعديل تشريعي لتمكين المرأة في المجالس التشريعية والنيابية! فالحزب هنا ملتزم بكوته للمرأة ولكن عندما نتحدث عن كوته للمسيحيين يخرج علينا بتصريحات غير منطقية ولا مقبولة بأن وجود كوته للمسيحيين تُكرس الطائفية في المجتمع، وكأنه مكتوب على المسيحيين المصريين أن يعيشوا مُهمشين وبلا وزن سياسي في بلدهم!
وهو ما يعكس وجود إرادة سياسية مُنظمة تُمعِن في إقصاء واستبعاد المسيحيين ليصبحون بلا وزن سياسي في بلدهم، وهذا يُرجعنا لأهمية إعلان تعداد المسيحيين المصريين والضغط على الحكومة المصرية بكافة الوسائل والطرق الشرعية الداخلية منها والخارجية لإعلان التعداد الفعلي لهم حتى لو وصل الأمر إلى المُطالبة باستقدام لجنة دولية لحصر وتعداد المسيحيين في مصر والإصرار الشديد على هذا المطلب الجوهري حتى ينكشف للمتطرفين الإسلاميين حقيقة الوجود المسيحي في مصر وحتى يمكن للحكومة المصرية أن تتبنى سياسة تمكين المسيحيين من خلال تعديل تشريعي أسوة بالمرأة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3464&I=93