بطرس على ضفاف طبرية....

عساسي عبد الحميد

بقلم / عساسي عبد الحميد
جذبنا القارب الخشبي وألقينا الشباك جانباً، كنت حزيناً لأن صيدنا في ذلك اليوم لم يكن وفيراً وفجأة سمعنا أصواتاً تتعالىَ في السماء وشاهدت جمعاً يلتف على بعد خطوات منّا ويقترب، فنظر إليَّ أخي أندراوس وقال هوذا يسوع بن يوسف قد أتىَ ثانية إلينا يا سمعان.
ثم اتجه نحو القارب فركبه وأخذ يحدث الجموع عن ملكوت الله وعن الإيمان الحق الذي يدحر الشر ويصنع خلائق جديدة، ثم التفت إليَّ وقال: لا عليك يا سمعان اتبعني وسأعلمك كيف تلقي بالشباك لتصطاد بدل الأسماك قلوب الناس وكنوزاً ثمينة لا تفنى، لكن قبل هذا ألق بشباكك وسط طبرية فإنها معطاءة وفية.

لم يكن أمامي إلا الانصياع لكلامه لأن نبرته كانت فريدة وعجيبة وآمرة، قضينا ظهيرة كاملة وسط البحيرة أبدينا خلالها كل مهاراتنا ومعرفتنا في الصيد لنعود أخيراً للضفة بقارب مثقل بسمك بعنا منه الكثير الكثير واحتفظنا ببعض منه قمنا بشوائه على شرف يسوع الناصري الذي مكث معنا تلك الليلة يكسر الخبز ويسكب المعتقة ويأكل معنا السمك المشوي على ضفاف جنيسارت.

منذ تلك اللحظة تركت القارب والشباك لأناس يرغبون الصيد في طبرية لأنه كان يتعين عليَّ أنا وأندراوس وشريكاي ابني زبدي أن نكون صيادين من نوع آخر كما أمرنا بذلك الرب ولنمخر عباب بحر آخر و نلقي بشباكنا في عمقه وبين أمواجه، نعم هكذا كان.
ورغم مرور كل هذه السنين و بعدي عن طبرية فما زلت أحتفظ بذكرى البحيرة الفاتنة التي أحببتها منذ حداثتي والقارب الخشبي الذي كان بالأمس قطعة من قلبي، وسمك جنيسارت الذي كنّا نشويه على نار هادئة كل ليلة على إيقاع ترانيم أجدادنا العتيقة التي طالما رددناها على مسامع طبرية ورددها أيضاً معنا يسوع في تلك الليلة المقمرة الجميلة، ولو قُدّر لي وعدت ثانية لضفاف البحيرة سأقول نفس الكلام الذي قاله لي الرب ذات مرة لكل من عاد من الصيادين بقارب فارغ، أن ألق  بشباكك في عمق طبرية. 
Assassi_64@hotmail.com


 

 

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع