نشأت عدلي
بقلم: نشأت عدلي
نحن الشرقيين كثيرًا ما نشتهي آلة الزمن لتعود بنا إلى الوراء، أمّا العالم الغربي يشتهي هذه الآلة ليتقدم وينظر للأمام ويستحث السنين لتجري سريعًا ليعيش المستقبل الذي يعلم أنه مشرق لأنه هو الذي صنع هذا المستقبل بنفسه عن طريق تفكيره السليم وضميره اليقظ وانتمائه وحبه لبلده وهذا لم يأتي من فراغ, فبلده أيضًا تُقدّره, تعطيه كافة حقوقه الاجتماعية والسياسية.. الخ، تحترم إنسانيته, ميزان عدلها واحد لا تفرق بين عقائد أو جنسيات ولكنها تفرق بين الأعمال والمجهودات, تعطي المواطن كل الإمكانيات التي تساعده على أن يكون مواطنًا مبتكرًا يستطيع أن يطوّر ويخدم البلد التي يعيش فيها.
لا يوجد لديهم مَن ينهب المال لحسابه الخاص بل كل فرد في مجتمعاتهم له الحق في محاسبة كل مسئول يخرج عن السياق العام وذلك حبًا للبلد التي ترعاهم فهم يخافوا على مستقبلهم فيها ومستقبل البلد نفسها وهذا هو الإحساس الذي نما بمساعدة بلادهم لهم.
الفرد يصبح فعّال في بلد تتفاعل بصدق معه ومع مشاكله, يشعر بصدق سعيهم لحلها حلول جادة وحازمة ولا يتركوا للصدفة مجال لحلها, متوفر لديه كل إمكانية تساعده على حياة كريمة لا مهانة فيها لإنسانيته أو إهدار لكرامته فينطلق المواطن سعيًا لرفاهية البلد التي تحترمه بهذا القدر مطمئنًا على مستقبل أولاده فيها آمنًا على نفسه لا يخشى غدر أو اعتقال أو سجن بلا سبب أو تلفيق قضايا وكل ما شابه ذلك.
كل الأمور واضحة أمامه، سياسية كانت أم اقتصادية لا يوجد مكان لتعصب أو تمييز, لا يوجد إلا العمل الجاد وعدم إهانة الآخر -أيًا كان هذا الآخر-.
يشجعك هذا الوطن أن تذوب فيه وتنهل من خيراته فتصبح أنت الوطن والوطن أنت, تريد أن تُصليّ.. صلي لكن لا تترك عملك لتصلي.. تريد أن تبني دار عبادة... ابني لكن لا تستخدمها في إهانة الغير.
هذه الدول لم تُصبح متقدمة من فراغ بل ناضلت كثيرًا بالإنسان وارتفعت بهذا الإنسان, وجاء بعد هذا دور هذا الإنسان لكي يرفع من قدرها ويبتكر ويخترع كل ما ينميها ويجعلها أكثر رخاءً.
لهذا ليس لهم شيء أهم من هذا الإنسان وكرامته وحريته.. لذلك يريدوا آلة الزمن ليروا الغد المشرق الذي صنعوه بضميرهم الحي اليقظ, صنعوه بكفاح الرجال وبأيادي مشدودة غير ناظرين لأنفسهم إلا به وما ينتظرهم من ثمرة الكفاح الغير مبني على الغش والأيادي الغير طاهرة.
أمّا نحن نريد آلة الزمن لتدور دوائر عكسية ترتد بنا للخلف للوراء لأزمنة كانت وستظل أجمل من الواقع الذي نعيشه الآن لأن المستقبل في الغرب كان هو الماضي الذي كنّا نعيشه.
العدل الذي نستجديه الآن كان هو أساس الحكم في الماضي, العدل كان في قلوب القضاة وضمائرهم قبل أن يكون على منصة نطقها, إن أقوى التشريعات ومعظم المواد القانونية المعمول بها اليوم هي من قضاة لم يعرفوا إلا الحق والعدل.. وكان من هذا الماضي الذي نبحث له عن آلة لتردنا إليه.
بقايا العلاقات الودية الموجودة الآن أصل وجودها كان من الماضي... نحتاج إلى آلة لتنسينا عذاب الحاضر والواقع الأليم الذي نعيش فيه.. الذي لم نستطع تغييره ولم نحظى حتى بشرف المحاولة.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=3244&I=87