ميرفت عياد
كتبت: ميرفت عياد
يشهد هذا العام الاحتفال باليوبيل الذهبي للسد العالي، ذلك السد المائي الواقع جنوب "مصر"، والواقف بشموخ أمام نهر النيل ليمنع فيضان مياهه، وإهدار جزء كبير منها في البحر المتوسط. وهكذا قام بحماية "مصر" من خطر الفيضان المرتفع والمنخفض في نفس الوقت؛ حيث عملت بحيرة "ناصر" الواقعة خلف السد على تقليل اندفاع مياه الفيضان وتخزينها للاستفادة منها في سنوات الجفاف. وقد أدَّى هذا إلى تغيُّر خريطة الحياة الزراعية في "مصر"، هذا إلى جانب الاستفادة من قوة اندفاع المياه إلى جسم السد في توليد الكهرباء، وكل هذا من شأنه أن عمل على أحداث تغيُّر كلي وجوهري في شكل الحياة الاقتصادية والصناعية، بل والسياسية والاجتماعية في "مصر".
المخزون الاستراتيجي من المياه
واعتبرت الهيئة الدولية للسدود والشركات الكبرى السد العالي أعظم مشروع هندسي شُيِّد في القرن العشرين؛ حيث أنه تفوَّق على العديد من المشروعات الأخرى في حجم الفوائد التي نجمت منه، وعادت تأثيرها على الجنس البشرى بالخير، فاستطاع السد أن يوفِّر لـ"مصر" وأبنائها المخزون الاستراتيجي من المياه، وبهذا أتاح لهم سبل العيش بأمان، دون التعرُّض لمخاطر الفيضان- سواء المرتفع أو المنخفض- كما أنه حقَّق الحلم الذى كان يراود "الحسن بن الهيثم" في عام 969 أي منذ حوالي ألف عام، حينما فكَّر في إنشاء سد، ولكن حال دون تحقيق هذا عدم وجود الميكنة والتكنولوجيا المطلوبة.
بناء السد وكفاح شعب
وفي الذكرى الخمسين لهذا البناء الشامخ، يجب علينا ألا نغفل منْ قام على اكتافهم بناء السد العالي، وكيف سقط العديد منهم شهداء- سواء كانوا من المهندسين أو الفنيين أو العاملين الذين راحوا يتساقطون الواحد تلو الآخر من جراء هذا العمل الشاق الذى استمر لمدة (12)عامًا- وهم يتعاونون بمنتهى التفاني والإخلاص مع المهندسين الروس الذين سخَّروا علمهم ومجهودهم ووقتهم، بل وأموالهم في صورة قروض مُنحت لـ"مصر" من أجل إنجاز هذا المشروع العملاق الذى بلغت تكاليف إنشاءه الملايين. الأمر الذى أدَّى إلى قيام الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" باتخاذ القرار التاريخي بتأميم قناة السويس شركة مساهمة مصرية، وتخصيص عائدها لتمويل بناء السد العالي الذي اُفتتح رسميًا في عام 1971.
سلاح ذو حدين
ويُعد السد العالي سلاح ذو حدين، على الرغم من الفوائد العديدة التي حقَّقها السد لـ"مصر" من خير ونماء. إلا أن له بعض الآثار السلبية، نذكر منها: إنه أدَّى إلى تعرُّض العديد من القرى النوبية للغرق، وهذا أدَّى إلى إجبار أهلها على ترك منازلهم والترحال إلى أماكن أخرى. كما أدَّى إلى غرق آثار النوبة؛ ومن هنا جاء النداء الدولي من "اليونسكو" إلى دول العالم لتقديم الدعم المادي والعلمي لانقاذ تلك الآثار ونقلها من مكانها الذي تتعرَّض فيه لارتفاع منسوب المياه بشكل دائم. هذا إلى جانب أن وجود السد العالي أدَّى إلى حرمان أراضي وادي النيل من الطمي المغذِّي للتربة، الأمر الذي أثَّر بالسلب على جودة الأراضي الزراعية وعلى جودة المزروعات. كما حدث تآكل لشواطئ الدلتا بسبب انعدام وجود الطمي إلى جانب الاحتباس الحراري وذوبان جليد القطب الشمالي والجنوبي. هذا بالإضافة إلى فقدان جزء كبير من المياه التي يتم احتجازها في بحرية "ناصر" عن طريق البخر، وذلك بسبب تعرُّض مساحة كبيرة من المياه للشمس الحارقة في جنوب البلاد.
الحفاظ على جسم السد
وفي هذا السياق، تقوم وزارة الري بتنفيذ خطة لحماية والحفاظ على جسم السد العالي من عوامل الزمن، وتأمينه من أي أخطار قد تُحيق به، وتطوير بحيرة "ناصر" التي تقع خلف السد، ودراسة جودة نوعية المياه بها، وحمايتها من تأثير التغيرات المناخية، خاصة في ظل مشاكل الاحتباس الحراري. هذا إلى جانب العمل على تطوير قناة مفيض توشكي؛ من أجل زيادة قدراتها الاستيعابية من المياه، وإقامة منظومة إنذار مبكِّر وإطفاء ذاتي ضد الحرائق. كما يتم عمليات التحديث والتطوير والإحلال والتجديد لمهمات محطة إنتاج كهرباء السد العالي؛ بهدف زيادة العمر الافتراضي للمحطة، وتحسين كفاءتها.
http://www.copts-united.com/article.php?A=27404&I=661