منير بشاي
بقلم: منير بشاي – لوس أنجلوس
هذ موضوع قديم ولكنه يعود ليفرض نفسه من جديد مع اقتراب زيارة الرئيس مبارك لواشنطن واعتزام الجالية القبطية القيام بمسيرة احتجاج إزاء ما يعانيه أخوتهم أقباط الداخل، من المحتمل أن تظهر على الساحة شخصيات قبطية بارزة ربما تكون قد جاءت من مصر خصيصاً لهذا الغرض، تحاول أن تقنع الأقباط بالعدول عن هذا العمل مستخدمين فى ذلك حججاً سنحاول مناقشتها عينة منها في هذا المقال.
الإحتجاج بكل أساليبه وصوره حق شرعي من حقوق الإنسان تكفله المواثيق الدولية وتعترف به المنظمات العالمية، ولأنه نظام عالمي فإن جميع الدول التي هي عضوة فى هذا النظام موقعة وملتزمة بقبول هذا المبدأ وضمان هذا الحق لشعوبها، ولكن -مع ذلك- نادراً ما نرى هذا المبدأ مطبقاً في دول العالم الثالث التي تنهج أساليب القمع في تثبيت إرادتها فوق إرادة شعوبها.
أما في الدول الغربية الديمقراطية -ومنها الولايات المتحدة الأمريكية- فحق الإحتجاج هو حق مقدس يحميه الدستور حتى ولو كان هذا الإحتجاج موجه ضد رئيس الدولة نفسه، ويتم الإحتجاج دون حظر فى الشوارع والأماكن العامة وتحت حماية قوات الأمن وليس تحت تهديدهم، وتنقله إلى بقية الشعب وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
ومع ذلك هناك ظاهرة لافتة للنظر وهي عزوف الكثيرون من الأقباط عن الإشتراك في أي مظهر من مظاهر الإحتجاج العامة مثل المسيرات، ومن المؤكد أن هناك أسباباً كثيرة تدفع الأقباط إلى هذا النهج ربما على رأسها الخوف من إنتقام السلطة منهم عند زيارتهم مصر أو الخوف من الإنتقام من أقاربهم الذين ما يزالوا يعيشون هناك، ويبدو أن الأمر أصبح جزءاً أصيلاً من تكوين الأقباط النفسي والإجتماعي، وفي محاولة لتبرير رفض مبدأ المظاهرات تُثار بعض الحجج التي من كثرة تكرارها أدت إلى ترسيب مفهومات دفينة خاطئة في تفكيرنا سأختار منها هذه النقاط الثلاثة التالية:
• أولاً: الإعتقاد أن الإحتجاج عمل غير متحضر
درجنا من صغرنا على الإعتقاد أن مظاهرات الإحتجاج هي عمل يقوم به المشاغبون لمحاولة فرض إرادتهم بالقوة مستخدمين أساليب العنف والفتونة ضد من يقف فى طريقهم، هذا مفهوم خاطئ تماماً لأن الإحتجاج السليم يجب أن يتم بطريقة سلمية منضبطة بعيدة عن العنف والصخب والهياج، وهو لا يجب أن يتعدى بحال من الأحوال على حقوق الآخرين أو يتسبب في وقف مصالح الناس أو تعطيل للنظام العام، والذين يقومون به ليس العينات الممشاغبة الشريرة فى المجتمع بل الطبقات الراقية والمتعلمة، ولا يتم بهدف الإساءة والتدمير ولكن لإعلان الرأي في القضايا التي تهم الناس، وعن طريق هذا الإحتجاج يتم إعادة تشكيل الرأي العام الذي هو أساس التغيير في المجتماعات الديمقراطية والتي يكون فيها للشعب الرأي في صناعة القرار.
• ثانياً:الإعتقاد أن الإحتجاج عمل غير مسيحي
بطريقة ما تسرب إلى عقولنا أن المسيحي هو الإنسان الهادئ الذي يتقبل الظلم بشكر وخضوع، وكثيراً ما نسمع العظات التي تحثنا على المحبة والوداعة والسلام وتحويل الخد لمن يلطمنا، وأنا هنا لا أنادي بالتخلص من هذه السمات التي طبعتها المسيحية في حياتنا، ولكن أريد أن أؤكد أن هناك مواقف معينة يجب أن تدفعنا إلى أن نغضب ونثور ونعترض، وعندما نعمل هذا فنحن نتصرف بنفس دافع الحب الذي يميزنا كمسيحيين، فالغضب في وجه الظلم والمطالبة بالعدل والمساواة سواء لنا أو للآخرين لا يمكن أن يشوه من مسلكنا كمسيحيين بل بالعكس هو صميم السلوك المسيحي السليم، ولنتذكر أن السيد المسيح صرخ في وجه من لطمه ظلماً قائلاً "لماذا تلطمني"، وهذا فعله أيضاً الرسول بولس الذي إحتج على الظلم وطلب أن ترفع دعواه إلى قيصر، وعندما مدوه للضرب بالسياط إحتج لأنه كروماني من حقه أن لا يُجلد.
• ثالثاً: الإعتقاد أن الإحتجاج عمل غير وطني
تحاول السلطات في النظم القمعية أن توحي للمواطنين أن الخضوع للسلطة هو الوطنية وهو قول فيه مغالطة كبيرة، المغالطة هي محاولة الإيحاء للمواطنين أن الحكومة هي الوطن وأن حب الحكومة وطاعتها في كل شيء هو حب الوطن وطاعته، ليس هذا المفهوم بالضرورة صحيحاً في جميع الأحوال، فهناك مواقف تتطلب فيها الوطنية الصادقة منا أن نعارض الحكومة في قراراتها إذا كانت هذه القرارات ظالمة وفي هذا نكون في الواقع قد قمنا بواجبنا المقدس الذي تمليه علينا وطنيتنا، إنه من الغرور الذي قد يصل لدرجة المرض أن يحاول الحاكم أن يصور لشعبه أنه هو الوطن وأن أي تعدي على قراراته هو تعدي على الوطن، إن هذا هو البداية إلى تقديس الحاكم واعتباره ظل الله على الأرض وأنه الزعيم الأوحد الذي على المواطنين أن يفدوه بالروح والدم مهما كانت سياسته، والملاحظ أنه في مثل هذه الحالات غالباً ما يكون الشعب هو الذي دفع الحاكم إلى هذا النوع من الغرور.
وبعد.. هناك الكثير من العمل أمامنا لتصحيح المفاهيم الموروثة التي تسيطر على تفكيرنا كأقباط، ومنها حق الأقباط في الإشتراك في مسيرات الإحتجاج ضد المظالم التي يعانون منها، إن هذه المسيرات هي وسيلة هامة للإحتجاج ولتعريف الآخرين عن قضايانا، فبالمنطق كيف ننتظر من الآخرين أن يهتموا بقضايانا إذا كانوا لا يعرفون عنها شيئاً؟ فنحن لا نتكلم عنها ولا نحاول تعريف الناس بها ولا نطالب بتصحيحها، كل ما يسمعه العالم هو صوت السلطة على لسان جهازها الإعلامي الذي يعلن أن الأقباط هم أسعد أقلية في العالم، وللأسف الشديد يسمعون أيضاً من يؤيد هذا المفهوم الخاطئ من الأقباط أنفسهم من أذناب السلطة...
Mounir.bishay@sbcglobal.net
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2726&I=74