عماد نصيف
كتب: عماد نصيف
أعلنت 9 مؤسسات دولية و18 مؤسسة مصرية وإقليمية، عن تضامنها مع سكان منطقة "مثلث ماسبيرو" ضد تهجيرهم القسري من مساكنهم، وهدمهما باستخدام القوة، وتشريد عشرات الأسر في الشوارع، في ظل موجة البرد القارسة التي تتعرض لها البلاد.
وقد أعلنت "المؤسسة المصرية للحق في التنمية" تضامنها الكامل مع السكان من ضحايا عمليات الإخلاء القسري، وطالبت بتوفير مساكن بديله وملائمة لهم، كما أعلنت المؤسسة تأييدها الكامل لمطالب سكان مثلث ماسبيرو، المتمثلة في رفض أي شكل من أشكال التهجير، أو الإخلاء القسري، ومطالبة الجهات المعنية بالالتزام بنص المادة 2 من الإعلان العالمي للحق في التنمية، كذلك مشاركة الأهالي في وضع خطط تطوير المنطقة، بما يحافظ على كافة حقوقهم، وإعمالاً لحقهم في المشاركة في التنمية والتطوير، أيضًا وقف كافة أشكال التهديد الإعلامي بهدم المنطقة، وكافة أشكال التعسف ضد سكان مثلت ماسبيرو، والحفاظ على الطبيعة التاريخية والتركيبة السكانية الموجودة بالمنطقة.
كما طالبت المؤسسة كافة الجهات المسئولة بالدولة بإيقاف عمليات الإخلاء القسري إلا في حالات الخطورة، مع مراعاة المعايير الحقوقية الدولية في حالة الإخلاء الناتج عن الخطر، كما طالبت بتوفير لجان حصر تتمتع بالمصداقية العلمية والشفافية، يشارك بها أهالي الحي والمؤسسات الأهلية الموجودة بالحي، إعمالاً بمبدأ الشفافية.
وجاءت مؤسسات "التحالف الدولي للموئل، شبكة حقوق الأرض والسكن، حركة صحة الشعوب، مركز دعم التنمية، بوابة جسور، منظمة الحق فى الغذاء "فيان"، المرصد التونسي للحقوق والحريات، المنتدى الاجتماعي الديمقراطي اليمني، منتدى بدائل المغربي " أبرز المؤسسات الحقوقية التي أعلنت تضامنها مع سكان مثلث ماسبيرو .
إزالة جبرية
وتعود الأحداث إلى صباح الأحد الماضي، حيث فوجئت خمسون أسرة من سكان "حارة محمد قاسم" بمنطقة "مثلث ماسبيرو"، حي بولاق أبو العلا، محافظة القاهرة، بسيارتي أمن مركزي محملتين بالعشرات من الجنود، يحملون العصي ويرتدون البدل السوداء، يتقدمهم مأمور قسم بولاق أبو العلا، ومدير إدارة الإسكان بحي بولاق أبو العلا، مستهدفين إزالة 7 منازل تحت بند "الخطورة الداهمة"، كل منزل يتكون من ثلاثة طوابق، ويقطن به من خمس لثماني أسر، دون إخطار مسبق للمتضررين بتوقيت الإزالة، ودون تسليمهم إيصالات المساكن البديلة، المزمع نقلهم إليها، ودون إطلاعهم على قرار الإزالة الصادر من حي بولاق أبو العلا.
وهو ما يعد انتهاكًا صارخ للتعليق العام رقم 7 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والموقعة عليه مصر، وملزمة به، والذي ينص على عدم القيام بالإخلاء عندما تكون الأحوال الجوية سيئة، وإشعار المتضررين كافة بشكل وافٍ ومناسب قبل الموعد المقرر للإخلاء، وإتاحة فرصة للتشاور الحقيقي مع المتضررين، وتقديم السكن البديل الملائم، والتعويض عن جميع الخسائر، لجميع المتضررين.
كما أن مصر ملزمة بموجب طيف من المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان، بما فيها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، بأن تمتنع عن القيام بعمليات إخلاء قسري وبأن تمنعها.
وهو ما لم تلتزم به القوة التنفيذية حيث باغتت السكان وقامت بالتعدي على بعض المواطنين، بهدف إرساء الخوف في نفوس السكان المعارضين لقرارات الإزالة، كما قامت بدخول المساكن، وبدأت في نزع الشبابيك والأبواب والأثاث في الشارع، عبر عمال المقاول المنوط بتنفيذ الإزالة، والسكان قابعين بالبيوت رافضين ترك المنازل قبل الحصول على إيصالات المساكن البديلة.
وأسفرت هجمة القوة التنفيذية عن إزالة خمسة بيوت، وتشريد سبعة وثلاثين أسرة، بينهم نساء وشيوخ وأطفال، افترشوا حارة بجوار أثاثهم وأمتعتهم ومتعالقتهم، منتظرين استلام إيصالات المساكن البديلة في اليوم التالي، بينما أرجأت تنفيذ إزالة منزلين أمام صمود 13 أسرة تقيم بهما، ورفضهم إخلاء مساكنهم قبل استلام إيصالات المساكن البديلة.
أسر على الرصيف
وكان فريق البحث الميداني بالمؤسسة المصرية للحق في التنمية، قد التقى بعدد من الأسر المضارة أثناء عمليات الإزالة، بعضهم كان يحمل أمتعته ويخرجها من المنزل، حيث قالت (ف. ش) المقيمة بالعقار رقم 99 حارة محمد قاسم، وهي جالسة أمام العقار: "جم الصبحية ومعهم عساكر وضربوا القهوجي اللي كان ماشى في الحارة، أول ما نزلوا فكله كش وابتداء يخرج من بيوته". وأضافت وهى باكية: "مش عارفين هيودونا فين ولا سلمونا جوابات مساكن بديله، بيقولونا روحوا الحي بكرة، طب والليلة ننام في عز البرد ده في الشارع، إذا كان الشباب بيتنفضوا من البرد إحنا العواجيز نعمل إيه؟!".
بينما بدا الوضع في البيت المجاور مختلفًا، حيث رفضت الخمس أسر إخلاء المنزل قبل استلام المساكن البديلة، وقال "محمد يونس" أحد المتضررين "ماحدش أخطرنا إن فيه إزالة، ولما سألنا المأمور عن قرار الإزالة ورانا محاضر في إيده من غير ما نقراها، ولما طالبنا بالاطلاع عليها، قالنا اللي مش مصدق يروح الحي يسأل هناك عن قرار الإزالة والإزالة هتم هتم".
في حين افترشت ثلاث أسر أثاثها على مدخل الحارة من جهة شارع 26 يوليو، وجلست الفتيات بالقرب منه أرضًا وقالت (ن. ر) "كنا أول بيت، وفوجئنا بيهم في الدور اللي فوقينا بيهدوا، فخرجنا من البيت جري من الخوف، وبدأوا يرموا في عفشنا وحاجات في الشارع، وقالولنا روحوا بكرة الحي خدو جواب المساكن البديلة، ولما روحنا الحي نسأل قالوا محدش يطلع من بيتة غير لما يا خد إيصال المسكن البديل، ومش عارفة دلوقتي موقفنا إيه".
وعود مسئولي الحي المرافقين للقوة التنفيذية لم تقتصر فقط على تسليم إيصالات المساكن البديلة في اليوم التالي، بل أكدوا لإحدى السيدات العاجزات عن سداد قيمة مبلغ الخطورة الداهمة، بتقسيط المبلغ على ثلاث دفعات، وعندما أكدت له عدم قدرتها المادية على ذلك، قال مأمور قسم بولاق أبو العلا: "خلي بتوع حقوق الإنسان يدفعولك الفلوس ماعندناش فلوس ندهالك".
مشروعات استثمارية
الجدير بالذكر أن هذه هي الازاله الثانية خلال عام 2010، حيث سبقتها عمليات إزالة لنحو 100 منزلاً في شهر مارس الماضي، تحت بند الخطورة الداهمة أيضًا بمنطقة مثلث ماسبيرو، كما شهدت المنطقة انهيار عقار بشارع ونون أسفر عن إصابة ثلاثة أشخاص، نتيجة حظر مسئولي الحي ترميم البيوت.
هذا وتشهد منطقة مثلث ماسبيرو صراعًا على الأرض بين سكان المنطقة وعدد من شركات الاستثمار العقاري، الطامعة في الأرض منذ عام 2006، الهادفة إلى إزالة المساكن وتهجير سكانها إلى أطراف المدينة، بهدف إنشاء مشاريع استثمارية ربحية، على أنقاض بيوت السكان، والتي ساهم في تهالكها حظر الترميم المفروض عليها من قبل الأجهزة التنفيذية بمحافظة القاهرة، ومعاقبة من يشرع في ذلك بالحبس والغرامة، التي تقع في وسط العاصمة على بعد أمتار قليلة من كورنيش النيل.
حدائق وفنادق
وتبلغ مساحة مثلث ماسبيرو 74 فدانًا، ويقيم بها نحو عشرة ألاف أسرة، وتقع المنطقة على شكل مثلث قاعدتة شارع 26 يوليو، وضلعيه شارع الجلاء وكورنيش النيل، وكانت المحافظة قد أعلنت عبر موقعها الإليكتروني تخطيطها لإزالة المنطقة، والاستفادة من الأرض، بإقامة مراكز تجارية وحدائق وفنادق.
كانت "المؤسسة المصرية للحق في التنمية" قد نظمت حملة توقيعات، تضامنًا مع سكان مثلت ماسبيرو بمنطقة بولاق أبوالعلا، المهددين بإزالة منازلهم، وتم إطلاق الحملة أثناء اجتماعات منتدى الأرض الثاني، المنعقد في القاهرة في الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر، الذي تنظمه "شبكة حقوق الأرض والسكن، والتحالف الدولي للموئل".
http://www.copts-united.com/article.php?A=27204&I=657