الفتنة الطائفية‮.. ‬أزمة نظام‮

لن تكون حادثة العمرانية وما سوف يتبعها من نتائج هي الأولي وليست الأخيرة،‮ ‬فليست المشكلة بناء كنيسة كما نردد دائما،‮ ‬ولكن المشكلة في نظام ابتدع قوانين أسست الفرقة بين أبناء الوطن الواحد،‮ ‬نظام وحكومة لا تعرف منطق الحكمة في التعامل مع الأزمات التي تفتعلها، ‮ ‬نظام ينشر ما يريد نشره فقط ليظهر فيه الجاني والمجني عليه بالصورة التي يراها هو فقط،‮ ‬نظام مازال يعيش في عصر وضعت فيه اللبنة الأولي للفرقة فيك يا مصرنا،‮ ‬يظن أنه يسيطر علي كل وسائل الإعلام ولكنه لا يعرف أن عدم المصارحة وكشف الحقيقة كاملة،‮ ‬هو استمرار لبث الفرقة بين أبنائه،‮ ‬وأذكر أنه عندما تواردت إلينا أنباء عن المصادمات التي حدثت في العمرانية كل من سمع بالأحداث كان مندهشا،ً‮ ‬وكان السؤال الغالب والمتكرر هو إزاي المسيحيين يعتدون علي قوات الأمن؟ بل إن احد الزملاء قال دا المسيحيين ضربوا نار علي قوات الأمن‮! ‬فكيف يكون شعور القارئ البسيط سواء المسيحي أو المسلم،‮ ‬فالمسيحي سوف يتعجب كثيرا سوف يقول مش معقول؟ أما أخوه المسلم فسوف يوجه أسئلة إلي أخيه المسيحي محاولاً‮ ‬الحصول علي إجابات منه‮.‬

دعونا نتحدث ونستعرض بعض الأسئلة ونحاول استقراء الإجابات عليها‮.‬

السؤال الأول‮:‬ ما هو مفهوم الوحدة الوطنية؟

لم أسمع يوما عن منطق الوحدة إلا بين شعبين مختلفين لهما قوانين مختلفة وحكومتان مختلفتان ينشأ بينهما وحدة،‮ ‬مثل مصر والسودان أو مصر وسوريا أو حتي الولايات المتحدة الأمريكية،‮ ‬ولكن شعب مصر هو شعب واحد وحكومة واحدة وقوانين واحدة،‮ ‬وبالتالي فإن لفظ الوحدة فقط هو لفظ لا يتفق مع شعب مصر،‮ ‬ولكن أضافوا عليه الوطنية،‮ ‬ليشمل الوطن المصري وكأنه مجموعة دول علي شاكلة الوطن العربي،‮ ‬وإن كانوا قد حالفهم الحظ في ذلك لأنهم يرون في لفظ الوطن العربي عدم اتحاده نهائيا،‮ ‬بل نجد أن جميع اجتماعاته تنتهي دائما بالاتفاق علي شيء واحد وهو الاختلاف‮! ‬وربما هذا التشبيه يريده النظام فهو أيضا من يعمل جاهداً‮ ‬علي بث الفرقة بين أبنائه ويدعوهم إلي الوحدة الوطنية تحت مظلة الوطن المصري متشبهين بالاتفاق علي الاختلاف دائماً‮!‬

السؤال الثاني‮:‬ هل بناء الكنيسة بجوار جامع هو دليل علي الوحدة الوطنية كما يردد البعض؟

للأسف مصر الحالية مازالت تعيش وتقتات علي حساب ما بناه أجدادنا فنحن أبناء حضارة السبعة آلاف سنة ونحن ونحن ونحن‮... ‬إلخ‮ ‬ولم يسأل أحدنا ماذا فعلنا نحن الآن وليكن كلامنا في الفترة ما بعد ثورة يوليو المجيدة‮.. ‬لا شيء،‮ ‬مترو الإنفاق أم الكباري،‮ ‬أم القمر الإعلامي،‮ ‬أم ماذا؟‮! ‬بيع الشركات الوطنية وتسريح آلاف العاملين ومظاهرات كل يوم في شركة ما،‮ ‬فرقة بين أبنائه،‮ ‬الغريب في الأمر أن ثورة يوليو المجيدة قامت علي ستة مبادئ درسناها جميعاً،‮ ‬أهمها إقامة حياة نيابية في مصر والقضاء علي الإقطاع،‮ ‬واسأل النظام المصري هل شهدت مصر حقاً‮ ‬حياة نيابية منذ ثورة يوليو المجيدة؟ هل رأينا وزيراً‮ ‬يسقط في انتخاباتها،‮ ‬مثل ما كان يحدث قبل ثورة يوليو المجيدة أيضا؟‮! ‬ألم يسمع النظام كيف خرج يوما الشعب ووقف أمام رئيس وزراء مصر في عهد الملكية لينتخب مرشح حزب الوفد،‮ ‬وكان وقتها ليس بشهرة رئيس وزراء مصر،‮ ‬ولكن الشعب اختاره،‮ ‬لأنه يعلم ما هي الحياة النيابية،‮ ‬ويومها خرجت المقولة الشهيرة هننتخب الوفد ولو رشح حجر‮! ‬هل نري يوما انتخابات برلمانية تقيم حياة نيابية في مصر بدون أن تشوبها أعمال عنف وبلطجة؟ الحياة النيابية التي نعيشها الآن،‮ ‬جعلت البلطجة مهنة يعيش عليها البعض‮! ‬بلطجة شعب ضد الشعب فمن يقومون بأعمال البلطجة والشغب والاعتداء علي المواطنين أثناء الانتخابات هم أيضا من هذا الشعب وليس من خارجه،‮ ‬وكأن رسالتها الوحيدة إلي الشعب هو ارتاح في بيوتكم ولا داعي من الخروج للتصويت فنحن سنتولي ومن يقترب فسوف يواجه جيوشا من ابنائكم جندناهم ليكونوا عناصر بطش،‮ ‬وإذا كان الشعب بأكمله يخرج الآن يوميا في مظاهرات ضد سياسات الحكومة‮.. ‬فكيف ينجح وزراؤه؟‮!‬

أما القضاء علي الإقطاع فلنسأل أنفسنا،‮ ‬أليس زمننا الآن يشهد إقطاعا في صورة الرأسمالية التي تنتهجها الدولة؟ أليس إقطاع من حقه أن يسرح من يشاء من عماله؟ أليس إقطاع يشرد العديد من الأسر في سبيل أن ينتهج شعار الخصخصة؟

أليس هذا النظام من جعل الناس تأكل في بعضها؟ أليس هذا النظام من جعل رب الأسرة يعمل في أكثر من وظيفة طوال النهار والليل حتي يستطيع أن يصل إلي حد الكفاف؟ أليس إقطاع أن نجد مدارسنا التي تنتهج إن التعليم كالماء والهواء،‮ ‬أن تجبر كل ولي أمر أن يدفع مصاريف ‮60 ‬جنيهاً‮ ‬عن كل طالب في المرحلة الابتدائية وراتبه الشهري لايتعد الـــ ‮400 ‬جنيه في مدارسها الحكومية التي تكتظ بالمائة طالب في فصل واحد؟‮!‬

ولنعود لسؤالنا فليأخذ أحدنا جولة في أي بقعة من أرض مصر ويجوبها وليسأل عن الكنيسة الموجودة بها،‮ ‬ولسوف يري العجب العجاب،‮ ‬سوف يري الكنيسة وبجوارها مسجد وكلاهما بني منذ زمن عتيق‮! ‬فأين كانت قوانينكم في تلك الفترة؟‮!‬

هل تريدون مثلاً‮: ‬الأسبوع الماضي فقط خبر نشرته معظم وسائل الإعلام،‮ ‬حريق في كنيسة العذراء بمدينة الفيوم وامتد الحريق إلي المسجد المجاور لها؟!يا حكومة ونظام مصر هل تحتاجون إلي أمثلة أخري،‮ ‬فلتجوبوا شوارع شبرا ولتروا بأعينكم كم من المآذن وبجوارها قباب الكنائس،‮ ‬وفي قنا أيضا كنيسة الأنبا انطونيوس بأبو شوشة،‮ ‬تلك الكنيسة التي حدث بها حريق وكادت تحدث بها كارثة لولا عناية الله،‮ ‬تلك الكنيسة التي حدثت بسببها أزمة بين محافظ قنا،‮ ‬وبين أبناء قنا‮.. ‬هل يعلم جهابذة النظام أن تلك الكنيسة بجوارها أربعة مساجد؟‮! ‬وفي أسيوط كنيسة الملاك ميخائيل بشارع النميس بقلب مدينة أسيوط بجوارها مسجد من أفخم مساجد أسيوط؟‮!... ‬هل نتكلم أيضا دير سانت كاترين أليس به مسجد؟‮! ‬هل تحتاجون أمثلة أخري؟‮!!!‬

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع