زهير دعيم
بقلم: زهير دعيم
كذا أنا منذ رأيت النور وأنا امقت القيد! كذا أنا منذ تنسمت الهواء وأنا اعشق الأريج يمشي الهوينا في دروب من أثير. كذا أنا اغنّي على ليلاي في كل زمان ومكان بعيداً عن الضوضاء وصخب الحياة.
فالقيد يا صاحِ يقتل حريتي، ويطعن يقيني في الصميم، ويرشّ آمالي بالإحباط والملالة فلست اذكر مرة أنني أمسكت يراعي ورحت اكتب داخل الإطار كلمة واحدة، فالإطار حتى ولو كان محيطاً للشعر لا بحراً يحدّ من انطلاقتي وعُنفواني ويُقصّر مساحات أحلامي ويُدمي أفكاري ويطيح بي بعيداً إلى ما يسميه الناس "بالعادي" أي الذي لاكته الألسن وهضمته الأفكار والعقول عشرات المرات فجاء بل صار "بايتاً".
فالقصيدة موسقها جدّي الأعرابي قبل أن يكون للبحر شطآن، والحكاية جاست في نفوس أطفال العرب والعجم فأبكت وأضحكت واستدرت التصفيق والإعجاب وآهات اللوعة دون أن يعرف الحاكي الذروة والحبكة والشخصية المدورة والمسطّحة.
وقل يا رعاك الله في الخاطرة، هذه التي تأتيك من فرن الكاتب ساخنةً وطازجةً محمّرة أحياناً وأخرى ناصعة، تهمس في رفق، وتزوبع في لين وتشرئب في عنفوان فتصيب كبد الحقيقة حيناً وحيناً قلبها.
حقاً.. إنني امقت القيد حتى ولو كان ماسياً! وامقت أن يقيّدني غيري بعنوان أو مضمون أو حتى إطار وشكل، وامقت أن أقيّدَ نفسي وأتوق أبداً إلى الانطلاق وإلى الغوص في عمق الأعماق مانحاً قلمي حرية الرقص على صفحات الورق يستمد إلهامه من الشعب والوجدان والطبيعة ونُسيمات الله! أمزق الكثير الكثير من الأشرعة قبل أن يستقر قلمي في ميناء وأكسّر الكثير من المجاديف قبل أن ترسو سفينتي في ثغر الأدب.
وقد اهتدي وقد لا اهتدي، وقد يطول مشواري وقد يقصر، وقد أضيع في متاهات المتاهات فأجد نفسي عازفاً عن كل شيء فأطلق لقلمي سراحه وأدعه ينام نومة هانئة في حضن الأوراق.
وكثيراً ما كنت أحاول أن ألحق بهذا القلم فلا استطيع فيروح يقفز فوق الصخور والحجارة والتاريخ والإحساس يلوّن ويخربش إلى أن يتعب أو يتعثر، فأمسك أنفاسي وأروح أدلّله مربتاً على كتفه قائلاً: عافاكَ ... عافاكَ.
أنا لا أدعو إلى العبثية، ولا أنادي بكسر كل الحواجز والقفز فوق الزحّافات بل أدعو إلى عدم تقييد الشاعر أو الكاتب بقيود نحن خلقناها ونحن أعطيناها روحاً وحياة، فالأدب الحقيقي سواء كان شعراً أم نثراً، موزوناً أو منثوراً، هو الذي يحرّك لواعج النفس البشرية ويهز المشاعر والأحاسيس فترى البسمة على وجه القارئ وحيناً الامتعاض، وحيناً تسيل دمعة حرّى تعقبها آهة لاهبة!!
إن القصة الحقيقية والرواية الحقيقية هي التي تأخذني بعيداً عن نفسي وتجعلني أذوب في بحر من إحساس وأغرق في صميم واقع الخيال، فأعيش الحدث والشخصيات واتنبّأ واصفّق واطرب لهذا البطل ولتلك التي تبيع الورد على قارعة الطريق!
هل حدث أخي القارئ وبكيت مرة وأنت تقرأ قصيدة أو قصة أو رواية؟! إنني أنصحك إن لم تجرب بعد هذا الشعور وتريد يوماً أن تغسل عينيك من الأدران، أنصحك أن تمتشق رواية "كوخ العم توم" وهنا تجد الدوار والدموع والإحساس الجارف... هذا نموذج من نماذج عدة.
اكتب أخي الشاعر ما شئت وخربش أنّي أردت ولوّنه بعد ذلك بلون الإنسانية وعطرّه فالكلمة الحلوة، المشيقة، الحسناء تسلخ على إبداعك رونقاً وتضفي على نتاجك نضوجاً.
اكتب أخي الشاعر / الكاتب من حسّك وبدمك واستعن بهموم وآلام شعبك وإنسانيتك وسترى بعد ذلك أن ما تكتبه يمشي ويضحك ويعيش، ودع أصحاب "الانتيكا" والقيود والحواجز، دعهم يأكلون الحجارة ويلتهمون الأعشاب الجافة بينما أنت مُحلّق فوق كل الحواجز وكل المُعوّقات.
هكذا أنا أكتب وأعطي لقلمي حرية التعبير وحرية الحركة!!
هل أنا على حق؟!!
رحم الله شاعرنا أبا ماضي... لست أدري ولكنني أدري شيئاً واحداً، إنني أتلذذ بهذا العطاء وأموت عشقاً بربّه وبه!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2682&I=73