الأقباط والمسلمون من التعايش الى الانصهار الوطنى "

ميرفت عياد

كتبت: ميرفت عياد
يعيش المسلمون والمسيحيون منذ قرون طويلة على أرض "مصر" في تعايش سلمي دون أن يشوبه أي ضغائن أو أحقاد أو احتقانات. ولكن هذا التعايش منذ حوالي منتصف القرن الماضي، بدأ يتعرَّض لعمليات من الذبح بسكين الفتن الطائفية، وبدت الحاجة ماسة إلى إعادة نشر ثقافة التعايش التى كانت موجودة لمدة قرون طويلة بين أبناء شعب "مصر".
 
ولمعرفة الملامح الرئيسية للوضع الراهن، وكيف نعمل على بناء أسس التعايش المشترك؟ وما هي شروط هذا البناء؟ وهل توجد فرصة حقيقية للتعايش المشترك في سلام وأمان؟ أجاب على هذه الأسئلة الكاتب والباحث في علم الإجتماع السياسي د. "عمار على حسن"- مدير مركز الأبحاث والدراسات بوكالة أنباء الشرق الأوسط- في الدارسة التى أعدَّها تحت عنوان "من التعايش إلى الانصهار الوطني".
 
الوضع الحالي
أشار د. "عمار" في الدراسة المشار إليها، إلى أن الوضع الراهن في
"مصر" وصل إلى درجة سيئة، وأنه يخشى عليه من الانزلاق فى حالة من "الاضطراب المزمن" الناتج عن حدوث الفتنة الطائفية، على الرغم من أن المصريين يقومون بالسيطرة على الفتن فى مهدها، وحصرها في مكان حدوثها، وعدم السماح لها بعبور الحيِّز المكاني الذي حدثت فيه. مؤكدًا أن الأمر سوف يصبح مخيفًا إذا تُركت الأمور بدون علاج، أو إذا تم اللجوء إلى بعض التصرفات أو التصريحات المسكِّنة لوطأة الحدث، كالحديث عن مشاعر التسامح والتفاهم التى تسود بين أبناء الوطن، أو علاج الموقف على مستوى الرموز الدينية او النخب السياسية. موضحًا أن المشكلة أصبحت موجودة بين أفراد الشعب الذى كان يُضرب به المثل فى التسامح وقبول الآخر واحترام العيش المشترك.
 
حصر مشاكل المسيحيين
وأوضح "عمار" أن مشاكل المسيحيين كانت تنحصر في نقطتين:
أولهما- عدم المساواة فى تقلُّد الوظائف القيادية، وممارسة التمييز ضدهم.
وثانيهما- تعرُّضهم لهجوم من قبل بعض الجماعات والتنظيمات المتطرِّفة. مشيرًا إلى أن الأمر مختلف اليوم؛ حيث أن عوام الشعب يستفزون مشاعر بعضهم البعض، ويعتدون على بعضهم. مدللًا على ذلك بما حدث في قضية "وفاء قسسطنطين"، والتى أدَّت إلى مشاحنات بين الطرفين، وقضية "كاميليا شحاتة" التي تظاهر آلاف المسلمين طالبين الإفراج عنها. هذا بالإضافة إلى الكثير من الأحداث الطائفية التى أصبحت تحدث بين أبناء الوطن الواحد، وتؤدِّى إلى وفاة أبرياء من الجانبين.
 
أساسيات بناء التعايش
وأكّد "عمار" أن أي بناء يحتاج إلى أساس متين كي يرتفع ويستمر ولا يتعرَّض للانهيار، ولذا فإن بناء سبل التعايش المشترك بين المسلمين والمسيحيين، يحتاج إلى عدة نقاط أساسية منها:
- تحقيق المواطنة بالفصل بين الجماعة الدينية والجماعة السياسية، مما يعني التساوي فى جميع الحقوق والواجبات، والايمان بمبدأ أن "الدين للديان".
- الخروج من سجن التاريخ، والتركيز على الواقع المعاش، سواء كان هذا التاريخ به مواقف سلبية واضطهاد أو مواقف ايجابية ومشرِّفة للطرفين.
-  الاعتراف المتبادل بالتجاوز، سواء من جانب المسيحيين أو المسلمين، وتصحيح التصورات الخاطئة والمغلوطة عند البعض، والتأكيد على القيم المشتركة بين الانجيل والقرآن، والتي تكفي لبناء حياة مشتركة آمنة.
- العمل على تحقيق العلمانية الجزئية، والتي تعني عدم لعب الكنيسة لأي دور سياسي، وعدم قيام الجماعات الإسلامية بتسيس الدين، ومنح السياسة إطار أخلاقي لمواجهة الفساد والاستبداد.
 
العوامل التى تعزِّز التعايش
وأشار "عمار" فى دراسته، إلى أن العوامل التى تعزِّز التعايش المشترك بين المصريين كثيرة، منها التجانس العرقي. موضحًا أن المصريين من أكثر شعوب العالم تشابهًا فى صفاتهم الجسدية، وبالتالي فى صفاتهم النفسية، وأن المسيحيين ينتشرون فى جميع مدن وقرى "مصر" وليس لهم مكان جغرافي محدَّد، وأن ما بين المسلمين والمسيحيين من مصالح مشتركة وعلاقات، ينتفي معها فكرة الانفصال تمامًا.
 
وأضاف "عمار": إن التشرُّب الحضاري جعل أبناء "مصر" يستوعبون  جميع الثقافات والحضارات التى أتت على أراضيها. هذا بالإضافة إلى وحدة الموروث الشعبي من عادات وأفراح وطقوس وموالد واحدة، والتى  لا فرق فيها بين المسلمين والمسيحيين.
 
وأوضح "عمّار" أن المصالح التجارية والمصلحة العامة، تفرض على الجانبين أن يعيشا حياة مشتركة. منبهًا إلى أن عواقب الفتنة من دمار يجب أن يكون كابحًا للطرفين من أن يتماديا فى تصعيد أي خلاف طارئ ينشب بينهما، حماية للممتلكات التى تُدمَّر والأرواح البرئية التي تُزهق.