ميرفت عياد
القس باسيليوس صبحي: كيف نعيش في وطن لا يهتم بحضارته؟!
القس باسيليوس صبحي: الاهتمام بالحضارة القبطية هو اهتمام بحضارة مصر
الدراسات القبطية في مصر مازالت في مجال الجهود الفردية
حوار: ميرفت عياد
دخلت المسيحية مصر بدخول القديس "مرقس الرسول" إلى الإسكندرية في منتصف القرن الأول الميلادي، وبهذا تأسست أول كنيسة قبطية في مصر، وبدأت الحضارة القبطية التي ظلت تتواصل عبر الأجيال حتى وقتنا الراهن
ولاهمية الحفاظ على تراثنا القبطى الثمين، وتهيئة المناخ الملائم لمحبيه من الدارسين والمثقفين وكافة فئات الشعب القبطي داخل مصر وخارجها، لينهلوا من شتى ينابيع الحضارة القبطية، تأسس "المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي" بالأنبا رويس، والذي يهدف إلى نشر وتقديم الثقافة القبطية، والاهتمام بتجميع مقومات التراث الحضاري القبطي الغني، إضافة إلى جمع وترميم المخطوطات القبطية والأعمال الفنية المتنوعة، الأمر الذي يهيء جوًا مناسبًا للبحث والتعلم.
وللتعرف على المزيد من المعلومات عن المركزبشكل خاص، والحضارة القبطية عمومًا؛ كان لنا هذا اللقاء مع القس "باسيليوس صبحي" -رئيس وحدة البحث والنشر للتراث القبطي- بالمركز، والحاصل على ليسانس الآداب قسم تاريخ "جامعة الإسكندرية"، وبكالوريوس "الكلية الإكليريكية"، وماجستير في التاريخ من "معهد الدراسات القبطية"، ودكتوراه في "تاريخ طقوس العبادة" من "جامعة آثينا".
* في البداية.. ما هي الأنشطة التي يقوم بها المركز؟
بدأ نشاط المركز في شهر فبراير من العام الماضي بمؤتمر "ألوان من الحضارة القبطية"، والذي ناقش فلسفة الأقباط الأوائل في تدوين تاريخ الكنيسة، وألوان الترجمة والفن والأدب عند الأقباط، أما المؤتمر الثاني فكان عن "وادي النطرون" كمركز رهباني وعلاقاته مع العالم الخارجي، وأهم وآخر الاكتشافات الأثرية به، هذا بالإضافة إلى اللقاء الثقافي الثالث؛ والذي كان يحمل عنوان "تصوير الآباء البطاركة في الفن القبطي"، أما اللقاء الثقافي الرابع فكان عن "الموسيقى والألحان القبطية ".
*هل يقوم المركز بإصدار كتب متخصصة في الحضارة القبطية ؟
بالفعل؛ قام المركز باصدار كتاب عن اللغة القبطية، وكتاب آخر عن السجل التاريخي للمواقف الوطنية لقداسة البابا "شنودة الثالث"، كما أن هناك كتابين في المطبعة؛ هما علم المكتبات عند الأقباط، ومكانة القديس يوحنا ذهبي الفم في الكنيسة القبطية.
*وما هو الجديد الذي سيقدمه المركز؟
هناك مشاريع تحت الإعداد؛ مثل مكتبة الطفلة المعنية بتقديم التراث القبطي، كمادة بسيطة وشيقة للطفل بوسائل علمية متطورة، هذا إلى جانب الإعداد لعرض بانورامي للحضارة القبطية عن طريق شاشة عرض كبيرة.
* ماذا تعني "الحضارة القبطية"؟
كلمة "الحضارة" بصفة عامة تعني معالم ونشاط وثقافة وفكر شعب معين، وهنا المقصود بها التعريف بثقافة وتفكير ونشاط الأقباط.
* كم عاشت الحضارة القبطية؟
الحضارة القبطية ممتدة منذ العصور الأولى للمسيحية، وحتى يومنا هذا، فتاريخ الأقباط جزء من نسيج التاريخ المصري لا يمكن أن ينفصلان، لأن الأقباط عاشوا خلال الحقب التاريخية المختلفة التي مرت على مصر، فالأقباط يعيشون من شمال مصر إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها، وهذا بشهادة جميع المؤرخين حتى المسلمين؛ أمثال "المقريزي" و"النويري" اللذين أرخا لمصر في حقب تاريخية مختلفة، ذاكرين وجود الأقباط في تلك الحقب.
* حدثنا عن مظاهر الحضارة القبطية.
بصفة عامة تتمثل في الفنون؛ مثل الرسم، الزخارف، النقوش، والموسيقى، والأعمال الأدبية المدونة، أما بالنسبة للأقباط فلهم بصمتهم المتميزة على الموسيقى واللغة و الفنون والآداب، فهناك الأدب الشعبي؛ مثل الأمثال الشعبية القائمة على الشهور القبطية، والأعمال الروائية القبطية المستمدة من الأحداث التاريخية؛ مثل رواية "الاسكندر"، و"قمبيز" ملك الفرس، إضافة إلى اللغة القبطية التي تعد المرحلة الأخيرة من تطور اللغة المصرية القديمة، والتقويم القبطي الذي هو امتداد أيضًا للتقويم المصري القديم.
* ما قيمة الاهتمام بالحضارة القبطية؟
هو اهتمام بالحضارة المصرية.. فكيف نعيش في وطن لا نهتم بحضارته، وهذه الحضارة المصرية أدركها غير المصريين، لذلك خصصوا لها أقسامًا في كليات العالم المختلفة، وعندما أدركوا قيمة التصنيف أنشئوا قسمًا للحضارة القبطية، إلى جانب أقسام الحضارة المصرية.
* لماذا إذن لم يتم إنشاء قسم خاص للآثار والحضارة القبطية في أي جامعة مصرية؟
هذا السؤال يوجه إلى رؤساء الجامعات! ولكني أضم صوتي إليكم، وأناشد وزير التعليم العالي إنشاء قسم خاص يقوم بتدريس الحضارة القبطية في الكليات المصرية.
* لماذا يتم تقسيم التاريخ في مصر على أساس ديني، على عكس ما هو متبع في العالم، الذي يقسم التاريخ على أساس زمني؟
بالطبع لا ننكر أن الدين له أثر كبير في دراسة تاريخ مصر، ولكن الدارس المتخصص يدرك جيدًا أن هذا التقسيم المطلق خاطئ، لأن الفن الاسلامي على سبيل المثال لا يدرس هكذا بصفة مطلقة، بل هو مقسم إلى حقب تاريخية من حيث فترات الحكم، مثل الفن في العصر الفاطمي، أوالفن في الحكم العثماني، وهكذا، كما أن الفن القبطي له خصائصه ومفرداته؛ التي تختلف من حقبة إلى أخرى، فالفن في العصور الأولى للمسيحية يختلف عن فترة الحكم البيزنطي، ويختلف بالطبع عن الفن القبطي المعاصر.
* يذكر المقريزي أن مهندسًا قبطيًا شيد "جامع ابن طولون"، و"قلعة صلاح الدين".. فهل أثرت الفنون القبطية في نظيرتها الإسلامية؟!
المجتمع القبطي كما أشرت هو مجتمع مفتوح ومنتشر فى جميع محافظات مصر، لذلك من الطبيعي أن يتأثر ويؤثر في الحضارات المختلفة.
* ما هو مستقبل الدراسات القبطية فى مصر ؟
الدراسات القبطية في مصر مازالت في مجال الجهود الفردية، على الرغم من وجود معهد الدراسات القبطية، لأن هذه المجهودات الفردية لن تتساوى مع المشاريع التي تدعمها هيئة حكومية أو أكاديمية، مثل الجامعات.
* ما هو تقيمك لقيام هيئات حكومية تابعة لوزارة الثقافة بإصدار عدة كتب عن الحضارة القبطية؟
بالطبع هذه خطوة إيجابية من الوزارة للتعريف بالحضارة القبطية، ونحن سعداء بها، وبالفعل تم إصدار العديد من الكتب عن "الفولكلور القبطي"، وعن "الأيقونات القبطية" و"الفنان يوحنا الأرمني"، والعديد من الكتب الأخرى التي تعد حراكًا جيدًا نحو التعريف بالآخر.
*هل ترى أن الاهتمام بالحضارة القبطية يمكن أن يحد من حالة الاحتقان الطائفي؟
بالطبع نعم؛ لذلك يجب التعريف بالحضارة القبطية، لأن الانسان بطبعه يكره ما يجهله، كما أن معظم الشعوب الشرقية ثقافتها ثقافة شفوية؛ أي متداولة عبر أحاديث الناس، دون معرفة مصدر قائلها، لذلك يجب أن يتم تجميع الأمور التي نتشابه ونتوحد فيها مع الآخر، فعلى سبيل المثال المزارع المصري (المسلم والمسيحي واليهودي) يستخدم التقويم القبطي في الزراعة دون أن يعي، وهكذا لو حدثث توعية بهذه الأمور سنعرف أن جذورنا ومفاهيمنا واحدة، وهذا بالطبع ينبذ الفرقة التي تطفو على السطح من حين إلى آخر.
http://www.copts-united.com/article.php?A=25769&I=632