زهير دعيم
بقلم: زهير دعيم
كان المشهد التلفزيوني مشهداً غرامياً بريئاً وغزلاً سامياً وخَفَراً يعلو الخدّين، من خلال قصيدة ألقاها شابّ في العشرين من عمره في مسلسل تاريخيّ؛ ألقاها على مسامع فتاة ريفيّة عقدت زناراً نيلياً وقمطت منديلاً مُطرّزاً وجلست تحت شجرة تين في حديقة وارفة الظلال، شجيّة الألحان..
فتنهّد أبو جميل –وهو شيخ في السبعين من عمره- قائلاً: "سقى الله تلك الأيام، أيام الغزل الرقيق والنظرات الحيّية المختلسة، والشعور الجيّاش الممتلئ بالمحبة,... انظروا وتحسروا كم كان الغزل يأخذ بمجامع القلوب وكم كانت الحياة تتضوّع شذاً وتنضح عفوية... كانت عذراء بتولاً!!!
كان المحفل يغصّ بالحاضرين شيباً وشبّاناً وصبايا فاعترض أحد الشباب المثقف قائلاً: أتقول غزلاً يا جدي، وهل كان حقّاً في زمانكم غزل،.. إني أشكّ في هذا إلا إذا كنتم تطلقون على الحرمان غزلاً وعلى البكاء على الأطلال تغريداً ونسيباً.
فإن كان حرمانكم غزلاً فماذا تسمّي حياتنا اليوم والتي تعجّ بالمرح والقبل والهمسات والواوا بح؟! وماذا تسمّي الحرية الحمراء التي ندقّ بابها يومياً ونتمتّع بها دونما رقيب".
أنها "قلّة حيّا" قالها الجد أبو جميل وسط رنّة ضحكات الصبايا، ألم تسمع فيروز تشدو في إحدى روائعها "تحت الرماني... حبّي حاكاني"؟؟ ثمّ اسأل القمر وهو يخبرك كم من قصة للحبّ بريئة حاكها الشباب والصبايا على دروب العين بل سل إن شئت أشجار البلوط والخرّوب أو الصبّار و كم من غمزة بريئة رسمها عشّاقنا تحتها عند استراحتهم من عناء الحصاد؟؟
فقهقه شاب آخر يجلس في الركن البعيد وقال "ما تقوله يا جدّي هو قشور الغزل، أمّا اللّب والنكهة واللون والواقع فيعيش في واقعنا في سيارة حمراء مكشوفة الظهر وفي حفل راقص متوّهج وفي أغنية عصماء نتلوها على وقع موسيقى الراب، أمّا أنتم....
فقاطعه الجدّ أبو جميل قائلاً بحدّة: كفى هذراً، لقد كان غزلنا يدبّ ويحيا مع وقع حبّات المطر وفي العشايا والأسحار ومع النُسيمات البليلة تنعش الروح والوجدان وحيث الذوق الرفيع الراقي يعزف موسيقاه فوق كلّ تلّة وعند أقدام كلّ مرج.
إنكم تسمّون الوقاحة حُبًّاً والحرية الجارفة غزلاً، وللحقّ يا ابني أقول أنّ الغزل فرّ منذ زمن بعيد أمّا الذوق الرفيع فقد قضى نحبه منذ أن تُوّج "الشورت" ملكاً على الملبوسات.
اسمع يا ابني هذه الحكاية –والحكي للجميع- حكاية يحكيها سلام الراسي عن الذوق الرفيع رغم أنّ الشهوات كانت وما زالت ومنذ أيام آدم وحواء تطلّ برأسها من بين الجحور.
"يحكى أن رجلاً أرمل جفاه الكرى في إحدى الليالي، وراح يتقلّب في فراشه حتى ساعة متأخرة من الليل ثم فطن إلى إحدى جاراته التي ترمّلت في وقت عير بعيد. قال: لعلّ ما يؤرّقني يؤرّقها وما يعنيني يعنيها قم إذاً يا رجل "وتفقّد" خاطرها واعرض خدماتك عليها لعلّك تنفعها وتكسب حسنتها في الآخرة.
ونهض الرجل وتحسّس شاربيه وتلمّس مواقع رجولته لكي يتثبّت من توقّد حميته وخرج ومضى ونقر باب المرأة نقراً رتيباً، فصاحت المرأة من الداخل: مَن يدقّ الباب؟
قال: أنا أبو شاهين.... افتحي
قالت: وماذا تريد في مثل هذا الوقت؟
قال: شفت المرحوم في منامي وقال بلّغ مرتي سلامي
قالت: وصل سلام المرحوم, ولكن ريحة كلامك ثوم!
فخجل الرجل ورجع مكسوف الخاطر.
وتنحنح أبو جميل ومسّد لحيته وقال: أترى كم كنّا ذوّاقين؟!.... أين أنتم من هذا الذوق؟
وقبل أن ينفضّ المحفل قالت صبيّة جميلة بضحكتها الوضيئة: لقد صدقتم جميعكم, فلكل زمان رجاله غزله وحياته، فغزلكم يا جدّي كان نبيذاً معتّقاً وغزل اليوم متجدّد يواكب الساعة والحضارة.... أنه غزل جميل في كلتا الحالتين!
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=2485&I=68