"الفهلوة"..ثقافة تفشت بين أبناء الشعب المصري
ميرفت عياد
* د."عاطف العراقي": ثقافة الفهلوة نوع من الثقافة العشوائية.
* د. "ميشيل حلمي": الفهلوة نوع من الفساد الذي يجب مواجهته.
* "روضة أحمد": تغلغل ثقافة الفهلوة في الشارع المصري يرجع إلى تدنى الوضع الاقتصادي.
"فريدة النقاش": يجب إيجاد بديل لسياسة الرأسمالية الطفيلية التى ترعى ثقافة الفهلوة.
تحقيق: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
"الرزق يحب الخفية..إحنا اللي دهنا الهواء دوكو..أنا جيبت الديب من ديله..الكلام ماعلهوش جمرك"..هذه الكلمات أصبحت منتشرة على ألسنة العديد من العامة فى "مصر"، والتي تدل على تفشى ثقافة "الفهلوة" بين المصريين إلى درجة الافتخار بها.
ولعل هذا يرجع إلى الحراك السياسي والاجتماعي الذي حدث منذ حوالي نصف قرن، والذي تمركز حول أهمية المال، مما أدى إلى إعلاء قيمته، بالمواجهة لجميع القيم الثقافية والاجتماعية والعلمية الأخرى.
ولإدراك سلبيات ثقافة الفهلوة؛ نادي بعض رجال القانون بإدراج مادة في قانون العقوبات تجرِّم استخدام "الفهلوة" في "مصر"!!
فما هي ثقافة "الفهلوة"؟ وما هي أسباب انتشارها؟ وما مدى تغلغلها في المجتمع المصري؟ وكيف يمكن مكافحتها؟ هذا ما سوف نعرفه عبر السطور القادمة.....
فى البداية، انتقد "خالد" سلوك الشعب المصري الذي أصبح سلوكًا استهلاكيًا. مشيرًا إلى أن هذا الاستهلاك أيًا كان نوعه مكلف للغاية، واستطاع المصريون عن طريق "الفهلوة" أن يوفروا فى قيمة هذا الاستهلاك. فالدش أصبح مطلبًا رئيسيًا فى كل بيت، ولكن تكلفة الحصول عليه مرتفعة، فماذا يفعل المصريون للحيلولة دون الحرمان من هذا الاختراع؟!! اخترع بعض الأفراد ما يُسمَّى بـ"الوصلة" وهى تنقل لجهاز التلفزيون حوالى (40) قناة من القنوات الفضائية فى مقابل (25) جنيهًا شهريًا فقط "يابلاش" "هى دى فهلوة المصريين فيد واستفيد".
"العلم ببواطن الأمور"
وقال "محمد"- محاسب: إن الفهلوة هى صفة أصبحت لصيقة بالشعب المصري. موضحًا أنه دائمًا يجد أشخاصًا يدَّعون معرفة كل شئ حتى بواطن الأمور. مدللا على ذلك بأن الشخص عندما يذهب إلى منطقة لا يعرفها ويسأل عن عنوان معين، يجد كثيرين يدَّعون المعرفة، ويصفون له الطريق، ونادرًا ما يجد أحد يعتذر بعدم معرفته؛ وعادةً يضل الطريق!!
ووافقه الرأي "مختار"- موظف- حيث رأى أن هذا السلوك من قبل بعض الأفراد ينم عن عدم ضمير وعدم تحمل للمسئولية؛ لأن إدِّعاء الشخص بمعرفة أمر لا يعرفه يؤدى إلى تضليل، وهذا التضليل لا يكون فقط في الطرق، ولكن في أي نصيحة يقدمها شخص يفتقر للمعرفة، من الممكن أن تضر بغيره، وقد يكون ثمنها حياة أحد الأشخاص..
"الفهلوة" و"قلة الضمير"
وتساءلت "سعاد"- ربة منزل: هل نحن في عصر "تفتيح المخ"؟ هل نحن في عصر استخدام الذكاء في العديد من صور "قلة الضمير"؟ ماذا سنقول عندما نسمع عن اللبن والجينة المغشوشة ببودرة السيراميك؟ والشاي المخلوط بنشارة الخشب؟ والزيت المغشوش بزيوت السيارات المستخدمة؟ وإلى آخره من صور الغش والفهلوة التي يظن مرتكبوها إنهم بعيدين عن محاسبة القانون..متغافلين عن محاسبة الله لهم..القانون الإلهي عادل، ولن يترك هؤلاء يدمرون صحة هذا الشعب.
ورأت "مريهام"- طالبة جامعية- أن مظاهر "فهلوة المصريين" عديدة، منها توفير ثمن مكالمات التليفون المحمول عن طريق ما اخترعه المصريين تحت مسمى "ادينى ميسد"، والذي يكون بديلًا كافيًا للمكالمة فى حالة مجرد الاطمئنان على الشخص، أو إعطاء معلومة بأنك وصلت إلى مكانٍ معين متفق عليه. وفى وسط الشباب يكون معناها "أنا فاكرك"..وإلى آخره من أساليب ابتكرها المصريون تحت بند التوفير.
"استغلال الفرص لسد متطلبات المعيشة"
ومن جانبها، أكدت "روضة أحمد"- مديرة وحدة الدعم القانوني بالشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان- أن تغلغل ثقافة "الفهلوة" فى الشارع المصري، يرجع إلى تدنِّى الوضع الإقتصادى لدى الغالبية العظمى من الشعب المصري، وارتفاع نسبة البطالة، وارتفاع أسعار جميع السلع حتى الاستهلاكية من مأكل ومشرب..مشيرةً إلى أن كل هذا من شأنه أن يؤدى إلى محاولة المصريين استغلال الفرص التي تساعدهم على سد أدنى حد من متطلبات معيشتهم، حتى لو كانت هذه الفرص تفتقد بشكل أو بآخر إلى مقومات النزاهة والضمير والأخلاق. أما الشق الأخر في الموضوع فهو محاولاتهم توفير احتياجاتهم بأقل تكلفة ممكنة. ومن هنا استغل الشعب المصري ذكاءه وحيلته لكي يتكيف مع الظروف المحيطة به، كبديل لحالة الغضب أو الصدام، أو المواجهة مع الحكومة التي يحمِّلها عبء تدنى أوضاعه المعيشية.
"ثقافة الفهلوة..عُملة مزيَّفة"
وأوضح د. "عاطف العراقي"- أستاذ الفلسفة بكلية آداب القاهرة- أن ثقافة "الفهلوة" هي نوع من الثقافة العشوائية التي توجد للأسف في العالم العربي وليس في "مصر" فقط. وأن من مظاهر هذه الثقافة: الإدعاء بالعلم والمعرفة، والتظاهر بأشياء تخالف الحقيقة، وعدم احترام الكلمة- سواء المنطوقة أو المكتوبة. مشيرًا إلى أن الثقافة العربية لا يمكن أن تستقيم أو تتقدَّم إلى الأمام ما لم تُنزع منها ثقافة "الفهلوة"، خاصةً في ظل وجود عدد كبير من الأميين وغير المثقفين الذين يصدقون ما يُقال لهم دون فحص أو تمييز.
مؤكدًا أن "ثقافة الفهلوة" مثل العملة المزيَّفة التي يتعامل بها الناس دون أن يدركوا حقيقتها، ومع مرور الوقت يعتادون عليها. وقال: حقا صدق "شكسبير" في قوله: "ادعى لنفسك الفضيلة..إذا كنت منها عاطلاً..فالعادة مارد جبار يلتهم العقل إلتهامًا"
"الفهلوة نوع من الفساد"
وأشار د. "ميشيل حلمي"- عالم الاجتماع- إلى أن تغيير ثقافة الفهلوة السائدة في المجتمع يحتاج إلى تضافر جميع المؤسسات التعليمية، والإعلامية، والدينية، والتربوية، وغيرهم، يعملون كفريق عمل له إستراتيجية محدَّدة تهدف إلى إحداث تغيير في نمط الثقافة السائدة خلال مدى زمني طويل.
مؤكدًا أن الفهلوة تُعد نوعًا من الفساد الذي يجب مواجهته عن طريق وضع فوانيين دقيقة وصارمة، إلى جانب وجود جهات رقابية من قبل الدولة لمتابعة تنفيذ هذه القوانين، ووجود الضمير الإنساني الذي يحاسب صاحبه على أى مخلفات يرتكبها.
"الرأسمالية الطفيلية"
وأوضحت الكاتبة الصحفية "فريدة النقاش" أن ثقافة الفهلوة لها جذورها العميقة التي نجدها في السياسة الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها في البلاد منذ ثلاثين عامًا. مشيرةً إلى أن هذه السياسات ركَّزت على الاستهلاك أكثر من الإنتاج، وبذلك أصبحت مصر تستورد أكثر مما تُصدر، ومن هنا نشأ ما يسمى الرأسمالية الطفيلية، والتي أدت إلى تراجع مفهوم الصناعة ليحل محلها التجارة التي تتميز بصفة الشطارة أو الفهلوة، والتي تعتمد على الصفقات والمضاربات والتلاعب، وما إلى ذلك من حسابات الربح والخسارة.
مؤكدةً في ختام حديثها أن علاج هذه الظاهرة يحتاج إلى فترة طويلة، يقوم فيها المثقفون بمواجهة الجذور الاقتصادية والاجتماعية لهذه الظاهرة، ويقوم فيها المتخصصون بإيجاد سياسة بديلة لسياسة الرأسمالية الطفيلية التي ترعى ثقافة "الفهلوة" التي تفشت بين أبناء الشعب المصري.
http://www.copts-united.com/article.php?A=22939&I=574