ناقوس الخطر وإنفلونزا الطيور

د. محمد مسلم الحسيني

بقلم: د. محمد مسلم الحسيني
في السنوات الماضية أنتشر مرض فيروسي قاتل ومعدي ينتقل من الطيور إلى الإنسان سميَّ بمرض "أنفلونزا الطيور" حيث أصاب الكثير من الناس وفي بقاع مختلفة من العالم.
كان هذا المرض حصيلة تحورات جينية حصلت في كيان فايروس أنفلونزا الطيور حيث أصبح قادراً على إصابة البشر والانتشار بينهم، لم يهدأ بال العالم من هذا المرض المخيف ولم تستكن منظمة الصحة العالمية من إجراءاتها وتحوطاتها من أجل السيطرة عليه واحتوائه حتى حصلت ضجة إعلامية كبيرة اليوم معلنة ولادة مرض جديد مُعدي وفتاك سميَّ بـمرض "أنفلونزا الخنازير" تنتقل فيه فيروسات الأنفلونزا من الخنازير إلى الإنسان ومن ثم من الإنسان إلى الإنسان وتسبب له أعراضاً مرضيّة حادة قد تكلفه حياته.  

أكدت منظمة الصحة العالمية على لسان رئيستها السيدة "مارغاريت شان" على وجود إصابات وحالات مرضية ووفيات بسبب هذا المرض الوبائي الجديد الذي يتميز بشراسته وإمكانية فتكه بالإنسان حتى الوفاة، مما يثير الفزع بين الناس ويجعل السلطات الصحية المحلية والعالمية في حالة تأهب ومراقبة.
ظهرت الإصابات الأولى بهذا المرض في المكسيك وذلك ضمن ثلاث مواقع معلومة وهي: الموقع الأوّل في العاصمة المكسيكية "مكسيكو ستي" حيث أعلن عن وفاة 20 شخصاً جراء هذا المرض في أول بيان صدر عن الجهات الصحية المكسيكية. والموقع الثاني في الوسط وبالتحديد في "سان لويس بوتوسي" حيث أعلن عن 24 إصابة بينها 3 حالات وفاة، والموقع الثالث في مدينة "مكسيكاني" الواقعة على الحدود المكسيكية الأمريكية، كما أن هناك ما يزيد عن ألف  وستمائة حالة مشتبه بها وتنتظر نتائج التحاليل المختبرية بينما تتوارد الأنباء على  أن أعداد الإصابات والوفيات بهذا المرض في تزايد مستمر مع مرور الزمن.  

يبدو أن هذا الوباء قد تسلل من المكسيك إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث أكتشف عدد من الحالات غير قاتلة في مدينة كاليفورنيا، كما أن ثمة حالات مشتبه بها في مدينة تكساس ونيويورك حيث أحتجز 75 طالباً يشكون من علامات المرض لحين التحقق من نتائج فحوصاتهم، كما أظهرت التحاليل المختبرية بأن نوعية الفايروس المسئول عن المرض في الولايات المتحدة هو نفسه الذي يسبب وباء أنفلونزا الخنازير في المكسيك وهنا تثار الأسئلة حول طبيعة هذا المرض وإمكانية انتشاره في سائر بقاع العالم خصوصاً بعد توارد الأنباء عن حصول إصابات وحالات مشتبه بها في كل من كندا ونيوزلندا وأسبانيا وبريطانيا وفرنسا والسويد والدانمرك والبرازيل وبيرو وكولومبيا وإسرائيل وأستراليا وغيرها من الدول.

الأسئلة التي تطرح من قبل الناس تدور حول طبيعة هذا المرض وحول نوعية الفيروس المسئول وسبب شراسته وعن طرق الوقاية منه وإمكانية العلاج إن حصلت الإصابة.     
الخنازير كالإنسان وكسائر الحيوانات الأخرى، قد تصاب بمرض "الأنفلونزا" وهو مرض تسببه فيروسات خاصة هذه الفيروسات لا تنتقل من الخنازير إلى الإنسان إلاّ في حالات نادرة حيث يصاب بها الإنسان خصوصاً المزارعين والمربين لهذه الحيوانات، فتظهر عليهم علامات مرض الأنفلونزا التي تتشابه تماماً مع أعراض الأنفلونزا الموسمية المعهودة التي تصيب الإنسان وهي: ارتفاع درجة حرارة الجسم، النحول العام، فقدان الشهية للطعام، صداع شديد وآلام في العضلات والظهر، إضافة إلى التقيؤ والإسهال في بعض الأحيان أو التهابات في المجاري التنفسية تتميز بالسعال وضيق النفس. تمتد أعراض المرض إلى بضعة أيام ثم يشفى منها المريض عادة وينتهي الأمر حيث لا ينتقل المرض بعدها من المصاب إلى إنسان آخر.

الذي حصل في المرض المعدي الجديد هو أن الفيروس المسئول عن أنفلونزا الخنازير والذي يرمز له بـ "أي/ أش1 أن1"  قد تحوّر وأصبح بتركيبة جديدة غريبة تحمل ثلاث صفات جينية وهي: جينات فيروس أنفلونزا الطيور + جينات فيروس أنفلونزا الخنازير وهي على نوعين + جينات فيروس أنفلونزا الإنسان. هذه التركيبة الجديدة جعلت هذا الفيروس الهجين ذو شراسة وتأثير فتاك على الإنسان حيث أن المصاب يشكو من أعراض أنفلونزا شرسة تتسم بالتهابات رئوية حادة قد تؤدي بحياة المريض، كما أن هذا النوع من الفيروسات الهجينة ينتقل من إنسان إلى إنسان ويصيب الشباب الذين يتمتعون عادة بمناعة قوية ولا يشكون من أي مشاكل صحية، وهذا ما يعطي إشارة تحذير حمراء توحي بخطورة هذا المرض وإمكانية انتشاره  في سائر بقاع العالم.
لقد صرّح بهذا الصدد "داف دياغل" مسئول قسم السيطرة والوقاية من الأمراض في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قال: لأوّل مرة نرى فيروساً متحوّر يمتلك ثلاث أصول متباينة!          

ربما يتساءل البعض كيف  تتم السيطرة على هذا المرض المعدي إذاً؟ الجواب هو أن السيطرة التامة على مثل هذه الأوبئة ليست مهمة سهلة وكما أشارت رئيسة منظمة الصحة العالمية أمام الصحفيين حيث قالت بـ "أننا قلقين فالموقف خطير ويتطلب الإسراع في احتوائه والسيطرة عليه" ففي هذا الشأن لابد أن نبيّن بعض النقاط العامة التي ربما تلعب دوراً رئيسياً وهاماً في احتواء وتحجيم الأمراض السارية والمعدية كمرض أنفلونزا الطيور أو الخنازير أو غيرها ومنها:   

1- مكافحة الأمراض المعدية والفتاكة هي مسئولية الجميع وليست مسئولية محددة بطرف واحد من الأطراف، تبدأ هذه المسئولية بالفرد نفسه وبالعائلة وتمر بالمجتمع ككل وتلعب الحكومات والمنظمات الصحية المحلية والعالمية دوراً هاماً في السيطرة على هكذا أمراض، التوعية والتثقيف الصحي واتخاذ أساليب الحيطة والحذر والترقب هي ضروريات مبدئية يمارسها الجميع من أجل كشف الحالات المرضية الجديدة والتعامل السريع معها من أجل تجنب العدوى       

2- التخلص السريع من الخنازير المصابة أو المشتبه بإصابتها أو القريبة من الخنازير المصابة، وعدم لمسها أو الاقتراب منها أو أكل لحومها وإخبار السُلطات الصحية المحلية بوجود حالات إصابة مشتبه فيها من أجل التخلص منها وبالسرعة الكافية، اللحوم المطبوخة لا تحتوي عادة على هذا الفيروس الذي يموت بدرجات حرارية تفوق 75 درجة مئوية.    
3- إجراء التحاليل المختبرية على الحالات المشتبه بها بين البشر وعزل المرضى في مستشفيات خاصة وتقديم العلاج اللازم لهم وهو (في الوقت الحاضر) نفس الدواء المستخدم في معالجة مرض أنفلونزا الطيور أي ما يسمى بـعقار "تاميفلو" وكذلك عقار الـ "ريلينزا" كما يجب استخدام هذه الأدوية فقط عند حدوث المرض أو الاشتباه به وليس كحالة وقائية كي لا تحصل مقاومة مكتسبة عند الفيروس الذي قد لا يتأثر بالدواء عند استخدامه في الحالات المرضية الحقيقية.       
   
4- في المناطق الموبوءة يجب غلق الأماكن التي يزدحم فيها الناس كالمدارس والجامعات والنوادي والملاهي والمطاعم  وأماكن العبادة لتجنب انتقال العدوى بين الناس.        
5- لبس الأقنعة الواقية في الأماكن المزدحمة كالأسواق والشوارع ووسائط النقل، وتجنب المصافحة والتقبيل أو استخدام أواني وصحون الغير، كما يجب غسل الأيادي بالماء والصابون عدة مرات في اليوم الواحد وعدم البصاق في الأماكن العامة لأن مثل هذا الفعل قد ينثر الفيروسات في الفضاء التي تدخل بدورها إلى المجاري التنفسية للأصحاء أثناء عملية التنفس.    
 6- التطعيم ضد المرض ضروري من أجل زيادة مناعة الجسم ضد هذه الفيروسات الهجينة ولكن توفر الكميات الكافية للقاح الجديد يتطلب بعض الوقت الذي  يتراوح بين 4 إلى 6 شهور، وقد يستخدم اللقاح ضد الأنفلونزا الموسمية كبديل مؤقت لحين توفر اللقاح الصحيح، لكن أكثر الأطباء يشكون في فعالية ذلك ولا يرون فائدة منه.   
7- هذا المرض لا يستثني  الدول الإسلامية إذا ما أنتشر بين الدول رغم غياب الخنازير من المزارع والحقول والأسواق فيها لأن هذا المرض المعدي صار ينتقل بين الناس بسبب وجود الفيروس المتحور الجديد، وليس بالضرورة أن ينتقل من الخنزير إلى الإنسان فقط.

فعلى السلطات الصحية أن تتخذ إجراءات الحيطة والحذر من أجل التعامل مع هذا الوباء أن أمتد إليها، وأعني توفير كميات مناسبة من الأدوية المضادة للفيروسات، تهيئة مستشفيات العزل وتزويدها بما يلزم، توفير الأقنعة الواقية، مراقبة المسافرين والقادمين من الدول الموبوءة، نشر الوعي الصحي بين أبناء المجتمع والتنسيق مع منظمات الصحة العالمية المهتمة بهذا الشأن.  
أستاذ في علم الأمراض وأخصائي بيولوجي الدم
مستشفى براكوبس الجامعي- بروكسل

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع