مايكل فارس
بقلم / مايكل فارس
المصريين مقاتلين بطبعهم، فهم أول دولة في التاريخ وأول أمة ظهرت على وجه الأرض بتنظيم إداري، والموظف المصري هو أول موظف على وجه المعمورة كلها وبالطبع أول حضارة لذا فهذا التراكم الثقافي والحضاري لن تجده في أي بلد أخرى، بالإضافة إلى الاحتلالات المتعاقبة من الدول الأجنبية لمصر فكل إمبراطوريات العالم وممالكها كان لهم الشرف في احتلالنا علشان مصر هي أم الدنيا والدول كلها تحب تقعد عند أمهم (مصر).
بالإضافة إلى الأديان التي وردت على مصر فكل الأديان كانت فيها وكل دين يضع بصمته على طابع المجتمع... فكل هذه التشابكات الداخلية وتفاعلاتها مع الخارج المتمثل في الدول المحتلة منذ قرون عديدة شكلت ثقافة في المجتمع المصري... ونتج عنها المواطن المصري وبعد تراكم الأحداث في العصر الحديث وبعد ثورة يوليو 52 وبعد تخبط السياسات الحكومية وبعد البيروقراطية التي لن تجد لها مثيل إلا عند أم الدنيا التي هي دولة الموظفين محدودي الدخل وبعد ارتفاع الأسعار والاحتكار والفساد تشكلت ثقافة جديدة كونت (كائن مصري مزبهل... مقاتل مناور).
مزبهل بمعنى متعجب ومقاتل ومناور في الشارع، فمن المعتاد أن تمشي في الشارع وتجد المواطن يمشي وهو متعجب لا تعرف السبب وهو أيضاً لا يعرف ولكنة مزبهل يمشي فاتحاً شفتيه الشفة العليا إلى فوق والسفلى إلى أسفل تعود على ذلك يقف أمام فترينة إحدى المحلات مزبهل فاتحاً فمه تجده داخل الأتوبيس، كذلك مزبهل ولكن في الأتوبيس معاملة خاصة حيث تسبق لحظة الازبهلال لحظة المناورة والقتال .........
نعم قتال ومناورة لأنه بكل بساطة يريد أن يركب الأتوبيس الملتحم بالمواطنين (الكائنات المصرية) والذي يتجسد فيه قمة التلاحم والوحدة المجتمعية حيث لا فرق بين تخين ورفيع لا طويل ولا قصير لا فرق بين محدود الدخل أو منزوع الدخل (حيث نسمع عن اللبن منزوع الدسم هكذا هناك مواطن منزوع الدخل) المهم تجد الشخص يريد ركوب هذا الأتوبيس الذي يمثل له قمة التلاحم الاجتماعي لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه فيفكر كيف يركب خاصة أن الأتوبيس لا مكان فيه, والأكثر إثارة إن بجواره مئات المزبهلين مثله والذين يفكرون تفكيره.
وهنا يبدأ التنافس، فيضع الشخص يده على أسفل (ذقنه) ويقول في سره (ماذا سأفعل؟) لكي أحظى أولاً بركوب الأتوبيس.. وكلاً من المزبهلين يفكرون وكلاً يجهز خططه لاستقبال (تجسيد الوحدة المجتمعية = الأتوبيس) خاصة أن في أغلب الأحوال لا يتوقف في المحطات المخصصة فيمر مرور الكرام، والأجمل أنه يقف في كل مكان ولأي شخص يشاور له إلا محطته الرئيسية، لا اعرف لماذا!! وهذا السؤال يراودني منذ مصغري لماذا؟ خاصة أنه وسيلتي المفضلة في المواصلات حيث به اشعر مشاعر الإخاء وصلة الرحم والود والحب والطمأنينة وسط شعبي (خاصة في الصيف بتكون الريحة ذي العسل).
المهم تبدأ مرحلة المناورة حيث يقترب الأتوبيس ويقترب به الآلاف المواطنين يريدون النزول وأثناء (الوقوف اللحظي) للأتوبيس تجد أن المصريين حيث أنهم أول حضارة في التاريخ ومثقفين بطبعهم يتعاملون بنظريات علمية حديثة للنزول من الأتوبيس والصعود أيضاً فدائماً ما يستخدمون نظرية نيوتن (قانون الجذب) ونظريات اينشتاين للنسبية بالإضافة إلى قوانين الضغط..
والنظرية الرئيسية والمطبقة هي قانون قوة الدفع فكلاً يناور ويقاتل بنظريته التي يطبقها في لحظتها فتجد المئات يريدون النزول وفي نفس الفمتو ثانية مئات يريدون الصعود ويتلاقى الطرفان على سلم الأتوبيس ليبدءوا في مرحلة تلاحم اجتماعي أخرى لحظات للتحول من مرحلة مناورة إلى مرحلة قتال فكل المزبهلين الراغبين في الركوب يسألون كيف سنصعد والراغبين في النزول يسألون، كيف سننزل وهنا يبدأ الطرفان بتطبيق نظرية علمية أخرى وهي (لكل فعل رد فعل مساوي له في المقدار ومضاد له في الاتجاه) ويبدءوا في الدفع الذي تحسم نتيجته للأقوياء فقط والذين استطاعوا أن يديروا المعركة جيداً فلا مجال للضعفاء الخاسرون والذين هم لم يستطيعوا ركوب الأتوبيس وهم محدودي أو منزوعي الدخل لينتظروا الأتوبيس القادم وتمر عليهم (أيام وشهور وسنين لحد لما يجي وغالباً ما يحاول المواطن أن يجلب معه طعامه وشرابه -أي زادة لأن الرحلة طويلة ومصيرها غير واضح المعالم-).
أما الخاسرون من الأتوبيس والذين لم يستطيعوا النزول أمام فوج الأقوياء من الصاعدون فيسلمون أمرهم لله ويحاولوا النزول في المحطة القادمة وللأسف سيجدون أقوياء آخرون في كل محطة وفي أغلب الأحيان يعيشون بقية حياتهم في الأتوبيس فأصبح منزلهم تجد الشخص منهم أخر الأتوبيس فاتحاً فاه مزبهلاً لا يعرف أي شيء فتسأله (أنت مين يا حج!!!) فتجد الإجابة أنه ازبهل أكثر وتكون الإجابة أنه فتح فاه أكثر وأكثر.
وبعد لحظة المناورة والقتال تعود الحياة مرة أخرى في الأتوبيس لمرحلة الازبهلال حتى تأتي المحطة القادمة لتعاود الكرة مرة أخرى.
انتظرونا في (كائن مزبهل في المترو)
http://www.copts-united.com/article.php?A=227&I=6