"ماعت" ربة العدالة فى "مصر" القديمة

ميرفت عياد

بقلم: ميرفت عياد- خاص الأقباط متحدون
إن العدالة فى مفهومها العام تُعرف بإنها: احدى القيم الأخلاقية التى تؤمن بالحق والمساواة وعدم التفرقة والإنصاف وعدم التمييز بين البشر. وعادة ما يُرمز للعدالة بميزان تمسكه يد امرأة، وتُوضع كفتى الميزان فى وضع متساوى كرمز لتحقيق العدالة. أما فى "مصر" القديمة فكانت تُصوَّر العدالة فى هيئة سيدة تضع ريشة فوق رأسها، وهذه السيدة هى الربة "ماعت" زوجة الإله "جحوتى" رب الحكمة والمعرفة والحساب.
 
 ومن هنا يتضح لنا أن المصرى القديم آمن بأهمية الحكمة فى تحقيق العدالة، وفى ذات الوقت أيقن أن العدالة هى الطريق الوحيد لتحقيق تطور الحياة ونموها، والعمل على زيادة الخير والسعادة والرخاء بها لتحقيق مجتمع مثالي.
 
القاضى العادل لا يتأثر بآراء الآخرين
وتدل الآثار التى تركها لنا المصريون القدماء، عن مدى اهتمامهم بموضوع العدالة، حيث نجد النصوص والنقوش الهيروغليفية التى تتحدث عن العدالة، لا تهتم فقط بالحياة الدنيوية بل بالحياة ما بعد الموت أيضًا. ومن هذه النصوص تعاليم الحكيم "أمنموبى" لوالده حيث نراه يقول: "إن القاضى العادل لا يتأثر بآراء الآخرين، ويجب أن يكون ذا علم وثقافة، وألا يجعل أهواءه الشخصية تسيطر على أحكامه، وأن يكون منصفًا، ولديه حكمة تجعله يدرك خبايا النفوس البشرية؛  ليستطيع الحكم على معرفة ودون جهل".
 
واحتل الوازع الدينى عند المصري القديم مكانة سامية فى جميع مجالات الحياة، ولعل هذا كان السبب وراء احتلال الكهنة عرش القضاء على مر العصور، ومن هنا شهدت المعابد كثير من القضايا والمحاكمات، حيث يشير المرسوم الذى أصدره "حور محب" آخر ملوك الأسرة الثامنة عشر إلى العديد من الأمور الخاصة بصلاحيات الكهنة وسلطتهم فى الحكم.
 
مبدأ العدالة والإخلاص مع الزوجة
وتحقيقًا لمبدأ العدالة أيضًا، لم يرغب المصرى القديم فى تعدد الزوجات، وكان حكماء "مصر" القديمة يقدمون العديد من النصائح للشباب منها الزواج المبكر، والاهتمام بالإنجاب فى سن صغير، وتحقيق التكافؤ الإجتماعى والإقتصادى بين الزوجين، إلى الدرجة التى كانت الأسر تحبِّذ زواج ابنتهما من زوج يعمل فى نفس مجال الأب.
 
كما تحث النصوص المصرية القديمة الزوج على حسن معاملة زوجته، وإعطائها حقوقها، وحمايتها من أى ضرر قد يصيبها، والإخلاص لها، ومراعاة مشاعرها، وأن يكون الحب والوئام هو الروح السائدة بين الزوجين، لما لهذا التفاهم من شأن عظيم فى تربية الأولاد، وتنشئتهم تنشئة سليمة.
 
المبادئ الإنسانية المصدر الأول للدستور
انتشرت العدالة والقيم الأخلاقية والفضائل المتنوعة فى المجتمع المصرى القديم، وكانت هذه المبادئ الإنسانية هى المصدر الأول والرئيسى للدستور المصرى القديم،  حيث لم تخرج القوانين الوضعية عن إطار هذه القيم التى وردت على لسان الأدباء والحكماء فى كتاباتهم وخطاباتهم وبردياتهم التى كتبوها على مر العصور.
 
وعلى الرغم من انتشار العدالة والفضيلة فى "مصر" القديمة، إلا أن هذا لم يمنع من وجود بعض الجرائم التى تهدد أمن وسلامة المجتمع، الأمر الذى دفع المصري القديم للتصدى لها عن طريق سن القوانين التى تنص على عقوبات رادعة..
 
 ومن هذه الجرائم التى تتم فى غياب الضمير قتل الأبناء، وهنا يكون العقاب هو احتضان القاتل لجثة ابنه لمدة ثلاثة أيام؛ لتعذيب نفسه وإدراكه حجم وبشاعة الجرم الذى ارتكبه. أما جريمة قتل الآباء فيُعاقب القاتل بالحرق حيًا؛ نظرًا لبشاعة عقوق الأبناء، حيث كان إكرام الوالدين مبدأً هامًا فى الأسرة المصرية القديمة. بينما كانت عقوبة الزنا هى قطع أنف المرأة الزانية، وجلد الرجل الزانى ألف جلدة..كما حذّر حكماء "مصر" القديمة من جريمة السرقة، والنصب، والكذب، والاختلاس؛ لما لها من أحكام رادعة.