من حطّم البرجين: الإسلام أم المسلمين؟!

منير بشاي

بقلم: منير بشاى
  شاهدت خلال الفترة الماضية عدة برامج تلفزيونية أمريكية كانت تناقش القضايا الجارية.  وكان الموضوع الذى فرض نفسه على طاولة النقاش هو إعتزام بعض المسلمين فى مدينة نيويورك بناء مجمع إسلامى يسمى بيت قرطبة على مقربة من جروند زيروا يشتمل على مركز للخدمات ومسجد. وقد أثار هذا المشروع ضجة كبيرة واعتراضا من الكثيرين وخاصة من أسر ضحايا ۱۱ سبتمبر۲۰۰١  وقد رأى هؤلاء فى هذا المبنى إساءة لذكرى الضحايا حيث أن من قام بهذه العملية إرهابيون بإسم الإسلام، ويالتالى سيكون هذا المشروع تذكرة دائمة لهم بما حدث فى ذلك اليوم وسيعيد فتح الجرح من جديد.

 ولكن الغريب فى مسار المناقشات فى هذه البرامج أنها كانت تتجه من غالبية المشاركين فى النقاش إلى إدانة من قاموا بالعملية الإرهابية وتبرئة الأيديولوجية التى ورائها، والقول أن هذه العملية الإرهابية قام بها مسلمون وليس الإسلام. ولا أدرى أن كان هذا رأيهم الحقيقى أم أنهم كانوا يحاولون الظهور فى صورة المتسامحين غير المتعصبين لأسباب شخصية.
 وكانت حجتهم أنه لا يمكن لوم أكثر من مليار مسلم فى العالم عن أخطاء البعض. وأنا شخصيا لا أقبل أن يلام كل مسلمى العالم بالنسبة لهذه الجريمة وأعتقد  أن غاالبية المسلمين مسالمين لا يشتركوا فى أعمال العنف ولا يرضوا عنها أو يشجعوا عليها.
 ولكن لا يستطيع أحد أن ينكر وجود قلة متطرفة من المسلمين الذين لهم دور فعلى فى عمليات الإرهاب. وهذه الفئة حتى وإن كانت قليلة نسبيا بالمقارنة بمجموع المسلمين فى العالم إلا أنها ليست بقليلة فى مجموعها لأننا لو إفترضنا أنها تمثل مجرد ۱% من تعداد المسلمين فهذا يعنى ما يزيد عن ۱٠ مليون فرد فى العالم. وهو عدد فى إمكانه أن يدمر ويرهب سكان الأرض جميعا.  ولنتذكر أن مجرد 19 إرهابيا إستطاعوا أن يقوموا بكل ذلك الدمار فى 11 سبتمبر 2001.
 ولكننى أتعجب من القول أن الإسلام هو دين سلام تم خطفه بواسطة قلة من الإرهابيين. وأن هؤلاء الإرهابيين قاموا بجريمتهم فى معزل عن عقيدتهم.  فلكل جريمة دوافعها والدافع لهذه الجريمة التى نحن بصددها دينى بكل تأكيد  فالذى يجمع بين هؤلاء الإرهابيين هو تمسكهم بايديولوجية إسلامية مبنية على نصوص فى القرآن والحديث  وحتى وإن كان تفسيرهؤلاء لهذه النصوص يتعارض مع تفسير غيرهم من المسلمين. ولكنه تفسير موجود فعلا عند عدد لا بأس به من المسلمين وهم ينفذونه كما يفهمونه فى حياتهم اليومية.

 ولا ينكر أحد أن هؤلاء الإرهابيين ما كانوا يتجمعون معا وما كانوا يقومون بعملياتهم الإنتحارية لو لم يكن لهم تلك الإيديولوجية. ولا ينكر أحد أن خارج الدائرة الصغرى التى تضم هؤلاء الإرهابين هناك دائرة أكبر من المسلمين الذين يتعاطفون معهم ويشجعونهم بالدفاع عنهم ودعمهم بالمال وإن كانوا هم أنفسهم قد لا يقبلوا الإشتراك فى أعمالهم. وهذا يتضح من مدى الفرحة التى عمت أجزاء كثيرة من العالم الإسلامى عقب نجاح تنظيم القاعدة فى تحطيم برجى مركز التجارة العالمى. بل إن إسم أسامة أعطى لمعظم المسلمين الذين ولدوا فى هذه الفترة.  وهذا يؤيده أيضا إلتزام قادة الإسلام فى العالم بالصمت إزاء ما حدث فلم نسمعهم يشجبون هذا الفعل ويدينون من قاموا بها بالخروج عن صحيح الإسلام ويعدونهم بانه ينتظرهم عقاب الله.
 سمعنا كثيرا من ينادون بأن الإسلام برئ من الأعمال الإرهابية التى يقوم بها البعض. وسمعنا أن هناك نصوصا فى الإسلام تحض على السلام وعدم إكراه الناس على الإسلام وتطالب المسلم أن لا يجادل أهل الكتاب إلا بالتى هى أحسن. ولكن هناك من يعتقد أن هذه النصوص نسخت وحلت محلها آيات السيف والقتال وفرض الإسلام بالقوة وإرهاب الكفار بعد إنتقال رسول الإسلام من مكة إلى المدينة. تلك النقلة التى ترمز إلى إنتقال الإسلام من مرحلة الإستضعاف إلى مرحلة الجهاد فى مفهوم الكثير من المتشددين فى الفكر الإسلامى أمثال المودودى وأتباعه.
 ولا يعدم الإرهابيون الدليل على أنهم يقومون بأعمالهم إطاعة لله ورسوله كما يأمرهم تعاليم الدين الإسلامى. وهم يعتقدون أن من لا ينادى بهذه لا يسلك طبقا لصحيح الدين. ولهم أسانيدهم الكثيرة فى كلام الله كما ورد فى نصوص القرآن. وأيضا لهم فى حياة وأقوال رسول الإسلام أسوة حسنة.
 والقرآن ملئ بالنصوص التى تدعو المسلم إلى قتال الكفار إلى أن يقبلوا الإسلام بل أيضا تدعو المسلم إلى قتال أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية وهم صاغرين.

• فى تحريض المسلمين على القتال ووعدهم أنهم سواء إستشهدوا أو قتلوا الكفار فكلا الخيارين حسن:"قل هل ترتضون بنا إلا أحد الحسنيين" (التوبة 9: 52)
•  فى قتال الكفار يقول: "قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله فإن إنتهوا فلا عدوان إلا على الظالمين" (البقرة ۲: ٥٦).
• وفى قتال اليهود والنصارى وفرض الجزية عليهم يقول: "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرموا ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" (التوبة ٩: ٢٩).
•  وفى إستخدام الإرهاب ضد أعداء الإسلام:"وأعدوا لهم ما إستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" (الأنفال ٨ : ٦۰).
 وأيضا "سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فأضربوا فوق الأعناق وأضربوا منهم كل بنان...فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم" (الأنفال ٨ : ١٢و ١٧).
أما نبى الإسلام فكانت حياته وكلماته قدوة يعيشوا على نهجها. فقد عرف عنه قيامه بالغزوات الكثيرة التى تمكن عن طريقها من الإستيلاء على الغنائم من الأموال والممتلكات والأفراد لتمويل الدعوة وأخذ الأسرى الذين قتل البعض منهم وباع الآخرين كعبيد وإستخدم النساء كجوارى لمتعة المحاربين المسلمين.
 وبعد أن قوى باع رسول الإسلام إتجه إلى الإغارة على القبائل الأخرى فى شبه الجزيرة العربية لإجبارهم على الإسلام. ثم هجم على القبائل اليهودية واستطاع تصفيتها. وكذلك قام بعمليات إغتيال ضد من أعلنوا عن رفضهم للدين الجديد أو كتبوا شعرا يهجونه فيه.  ومن هؤلاء كعب إبن الأشرف الذى قتله بخدعة، وعصماء بنت مروان التى قتلها بينما كانت نائمة ورضيعها ملتصق بثديها. كما أمر بقتل العجوز أم قرفة بعد أن ربط رجليها بالجمال ثم جذب الجمال فى إتجاهين مضادين حتى شقها إلى نصفين. وقد أقتبس عن رسول الإسلام أنه قال : "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله. فمن قال لا إله إلا الله فقد عصم منى نفسه وماله" البخارى مجلد ٤ حديث ۱٩٧.

 وبعد...
 واضح أن من قاموا بتحطيم برجى مركز التجارة العالمى ومبنى البنتاجون فى ١١ سبتمبر ۲٠٠١ كانوا أفرادأ يدينون بالإسلام وقد قدموا من الدول العربية الإسلامية ويتبعون تنظيم القاعدة الذى يرأسه بن لادن. وواضح أن الإسلام كان هو القوة التى دفعتهم للقيام بهذا العمل.  ولا أظن أن أحدا يستطيع القيام بهذه التضحية العظمى إن لم يكن الدين يسيطر على كل كيانه.
 ولن ندخل فى جدل حول ما إذا كان تصرف هؤلاء الإرهابيين يتمشى مع صحيح الإسلام لأن هذه مسألة نسبية. يكفى أن نعلم أنهم  يعتبرون أنفسهم مسلمين وأنهم قاموا بعملهم بدافع من عقيدتهم وهو إزهاق أرواح 3000 ممن يعتبروهم كفارا ومعها كانوا أيضا مستعدين أن يضحوا بحياتهم.
 فالأمر المؤكد أن هذا الإعتداء ما كان ليحدث لولا الإسلام وتعاليمه.
Mounir.bishay@sbcglobal.net

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع