مجدي ملاك
بقلم: مجدي ملاك
أخيراً أُسدل الستار على قضية الرئيس البشير بتقديم مذكرة اعتقال رسمية في حقه بعد أن ثبت تورطه في جرائم حرب من قبل المحكمة الجنائية الدولية وهو الذي توقعه العديد من المحللين في الفترة الأخيرة، والمشكلة الرئيسية ليس كما يراها البشير في إمكانية أن يقوم أحد بإلقاء القبض عليه أم لا، ولكن الأخطر في الأمر هو ثبوت تورطه في العديد من جرائم الحرب وهو أول حكم تصدره المحكمة الجنائية الدولية ضد رئيس دولة وهو مازال في الحكم.
وهو يعني بشكل عام افتقاد الرئيس السوداني لأي شرعية تذكر داخل بلاده أو خارجها، وحتى إن كانت الدولة السودانية غير موقعه على اتفاقية روما المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية فذلك لا يمكن أن يعفيه من الجرائم التي اُرتكبت في حق شعب دارفور ومن قبله شعب جنوب السودان وهذا الحكم سوف يعمل وبلا شك على زعزعة الاستقرار داخل السودان وليس من المستبعد أن يحدث انقلاب عسكري داخل السودان بسبب هذا الحكم.
فالرئيس الذي يحول البلاد جميعها إلى طوائف متنازعة ولا يحاول إعمال القانون داخل بلاده، فليس من المتوقع أن يقوم أحد بالدفاع عنه سوى المجموعة أو الحاشية المستفيدة من ذلك الأمر وهم بالطبع المجموعة المقربة من الرئيس البشير نفسه، وهو أمر مختلف على صعيد المعارضة فقد أعلن كل من الصادق المهدي رئيس حزب الأمة المعارض، وحسن الترابي رئيس الوزراء السابق والمحددة إقامته أنه على الرئيس البشير أن يسلم نفسه إلى المحكمة الجنائية الدولية حتى يتفادى السودان أي عقوبات يمكن أن تضر بالشعب السوداني.
إن سقوط البشير بهذه المذكرة لهو دليل على بداية سقوط الديكتاتوريات في العالم العربي ورقة تلو الأخرى، وفي الحقيقة ليس الرئيس السوداني هو الوحيد الذي يمكن أن يدان في جرائم حرب بل بالمنطق العملي هناك العديد من الرؤساء العرب الذين يستحقون نفس المصير.
فالقذافي رئيس ليبيا لمن لا يعرف كان يقوم في السبعينيات بشنق معارضيه في ميدان عام، ومن المعروف أن الجرائم لا تسقط بالتقادم وكما نجح المعارضين في السودان وفي دارفور في تقديم مذكرة ضد الرئيس السوداني وإثبات الأدلة على قيامه بالتورط في جرائم حرب، فأظن أن هناك العديد من الرؤساء العرب ينطبق عليهم نفس المصير الذي انتهى به الرئيس السوداني عمر البشير، فماذا فعل البشير بالسودان منذ توليه الحكم سوى تأسيس نزاعات وحروب طائفية ، فها هو جنوب السودان سيحصل على استقلاله قريباً، وهو هو شعب دارفور يعاني المجازر الجماعية أثناء حكمه، وها هي المعارضة منتشرة في جميع بلاد العالم نتيجة القيود والاعتقالات التي فرضها النظام السوداني على معارضيه.
وإذا كان هذا على الصعيد السياسي، فالمصيبة الكبرى سوف نجدها بشكل عام في الجوانب الأخرى، فدولة السودان التي تملك من الأراضي الزراعية ما يجعلها قادرة على إطعام الشعوب العربية جميعها وتصدير الفائض إلى الدول الخارجية تئن الآن من الحاجة وتعاني بعض المناطق السودانية من فقر شديد.
وتحتل السودان مؤخرة الدول في ترتيب منظمة الشفافية العالمية، وهو ما يجعل المطالب بأن تحاكم الحكومات العربية ليس فقط على جرائمها السياسية بل على جرائمها الاقتصادية التي تضع مواطنيها في أقصى حالات الفقر من أجل استمرار حكمها الديكتاتوري وبما يسمح لها باستمرار سيطرتها على مقاليد الأمور أمر مطلوب.
الأمر الأهم في تلك المحاكمة أنها ستعطي جرس إنذار لجميع الحكام العرب بأن مصيرهم بات مهدد في حال ارتكب أياً منهم أي مخالفة تتعلق بأوضاع حقوق الإنسان، خاصة في حال تقديم ما يثبت إدانة الرؤساء فيما يحدث داخل البلاد، ولا يمكن أن أقارن الحالة المصرية هنا بحالة السودان التي مات فيها الملايين في مجازر جماعية.
ولكن اعتقد أنه مع اختلاف الحالة، ولكن لا يمكن إنكار أن هناك انتهاكات وتواطؤ للشرطة المصرية في كثير من الأحيان مع بعض الحالات التي تتعلق بحقوق الإنسان بشكل عام وما يتعرض له الأقباط بشكل خاص، ومحاول الربط هنا ليس من أجل التهديد أو الربط بين الحالة المصرية والحالة السودانية ولكن للتأكيد أن المجتمع الدولي قد تغيّر، وأنه لا يوجد من هو خارج القانون وعلى الجميع أن يعلن احترامه للقانون وشرعيته في التعامل مع مختلف القضايا فليس بظالم إلى الأبد ولا مظلوم إلى المنتهى.
إن سقوط ورقة من أوراق الظلم لهو دليل على انتصار العدل ودليل على انتصار الإنسانية، فلا يمكن اعتبار نجاح باراك أوباما وسقوط البشير سوى نتاج ما تحمله العالم في سبيل مزيد من الحرية وأنه حان الوقت لكي نجني نحن تضحيات مَن سبقونا، وأنه علينا أن نقدم تضحياتنا في المستقبل لكي يجني مَن يلينا نتاج تلك التضحيات، كما يعطينا هذا الحكم الأمل في المستقبل وفي حياة أفضل فسقوط ورقة من أوراق الظلم يجب أن يثبت إيماننا بالقدرة على التغيير وإن استغرق ذلك التغيير عشرات السنين.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=224&I=5