بقلم : نادين البدير
هناك تحليل يفسر انخفاض حالات الزواج وارتفاع معدلات العزوبية فى البلدان العربية، فيرجعه إلى أن الرجل العصرى قد فقد حاجته لوجود الزوجة بسبب ظهور ما يعوض عنها فى الأسواق، فهناك المطاعم وهناك المغاسل والأفران ومحال الملابس الجاهزة والخادمات وهناك الفتيات اللواتى لا يمانعن مرافقته دون زواج، أما امرأة اليوم فقد أشبعت بدورها الحاجة التى كانت تتزوج لأجلها سابقاً وهى الحماية والستر المادى عبر شهادتها ومهنتها ومناصبها الحديثة.
ويبرز هذا التحليل نمط العلاقة التجارية، التى تتشكل عبر الزواج بشكله التقليدى القديم: تغسلين هدمتى، فأشترى لك الفساتين، تطبخين فأهبك مكانا تبيتين فيه. وما إن ظهرت البدائل حتى انتهى شغف الزواج وتحول لقرار عقلانى يحتاج لتروٍ وتأن من قِبَل الرجال، أما من زاوية النساء، فصرخات الفتيات المستميتة الحالمة بالزواج تدفع للتساؤل: لماذا استعاض الرجل بالمدنية عن الزوجة الطباخة والغسالة ولم تستعض المرأة بمهنتها المتقدمة وموقعها المتساوى مع الرجل عن ظله وأمواله، أو فلنقل لم تعد تشكيل نظرتها للزواج بصفته خياراً لا فرضاً؟!
بحسب الأمثال والطرائف المجتمعية المتوارثة، هناك عداوة ذكورية للزواج، مقابل عشق نسوى أبدى له. مشاعرهما لم تتغير بغض النظر عن المنجزات ورياح العصرنة وظروفها. فقد يتعذر الرجل المنتمى للطبقات متدنية الدخل بتكاليف الزواج، الرجل فقير ولا حيلة له. لكن ذات الرجل فى المجتمعات الغنية يتداول النكات حول أن الزواج حبس والزواج إنهاء للحريات.. فى المقابل تبقى المرأة، سواء الثرية أو الفقيرة تحلم فى نومها ويقظتها بليلة الزفاف.
لا شىء يضاهى رفاهية حياة العزوبية بالنسبة له، ولا شىء يعادل مسؤولية الحياة الزوجية بالنسبة لها.. لماذا تغيرت نظرة الرجل نحو الزواج ولم تتغير نظرتها؟!
إن كانت أشبعت حاجاتها المادية والاستقلالية فماذا بقى؟! إن تحدثنا عن الإشباع الجسدى سنجد أن العازب مشبع دون خسائر، أما العازبة فأن تشبع حاجتها الجسدية يعنى أن تنفق تكاليف باهظة من سمعتها وشرفها وقدرتها على الارتباط من جديد.. هل هذا هو سبب هوسها بالزواج؟
أصبحت عالمة، أصبحت طبيبة، أستاذة جامعية وصاحبة منصب رفيع، ولايزال قلق العزوبية يأكل عافيتها ويبعد النوم عنها. ليست مسألة جنس وإنجاب فقط، فكثيرات يعتقدن أن الزواج يكمل مظهرهن المجتمعى ويدلل على أنوثتهن ويعيد لهن الكرامة والعزة أمام الشامتين والحاقدين. هل كان وهماً أمر التسابق مع الرجل والنضال لدخول مضماره؟! هى جسدت شخصية المرأة العصرية ظاهرياً فقط، فيما بقيت روح الجدة القديمة ساكنة فى مخيلتها، الجدة التى تؤمن بأن الزواج هو غاية وجود النساء، مهما ترفعن. وما انهماك تلك الفتاة الندابة (التى تندب الزواج) بالتعليم والعمل والنضال النسوى سوى انغماس فى تظاهرة متمردة قد تدر عليها عريساً لقطة يعيدها للجلباب ولسيرة جدتها الأولى. وبدلاً من أن تخلق صوتاً جديداً يلائم مكانتها الثقافية، تترك الماضى يجذبه إليها ونساء زمان يتحكمن فى حياتها، متعذرة بضغط المجتمع عليها، رغم قدرتها على بلورته من جديد.
يستمتع الشاب بالعزوبية وتصنفها ذاكرته فى خانة أجمل اللحظات، أما المرأة فتعيش أتعس أوقاتها عازبة، بل تجلد نفسها فتطلق على حالها (عانس) والعانس هى التى فاتها قطار الزواج أو التى تعدت الثلاثين، وفق منظومة السابقين، التى حددت عمرا أقصى للزواج. بحسب ذلك لابد من أن تجد رفيق دربك، الذى ترتاح له ويرتاح إليك وتعلم أنه الوحيد الذى تتمنى مشاركته الدهر قبل بلوغك الثلاثين، أى فى الفترة العمرية الواقعة ما بين الثامنة عشرة والتاسعة والعشرين وهى فترة تفتقد نضج الثلاثينيات والأربعينيات. أصعب قرار فى حياتنا نضطر لاتخاذه قبل أن ننضج بعد.
عليك أن تصادف من يهواه قلبك فى فترة عمرية معينة لأنك محدد بقوانين المجتمع ونظامه، الذى يتحكم بهواك وهيامك. ماذا لو أنى تزوجت فى الحادى والعشرين لأرضى وقتها العائلة والمجتمع وأبعد لقب عانس عن وجهى، ثم التقيت رفيق روحى فى الواحد والثلاثين! ماذا سأفعل؟
أندب حظى أو أخون.. أهذا ما يحدث للمتزوجين والمتزوجات على السواء: ندب الحظ أو الخيانة أو الطلاق؟
وقتها كان عمرى عشرين عاماً.. أمى تستغرب كيف يتطاول بعض الشبان ويتجرأون على التقدم لخطبتى فأنا فى نظرها أساوى الكثير، والعريس الذى يمكن أن تتنازل فتمنحه إياى يجب أن يكون خارقا للعادة ويحمل رتبا لا آخر لها، أقلها رتبة وزير.
عمرى خمسة وعشرون.. دخل أبى على الخط، ولسبب أجهله كان يرانى خليفة لبى نظير بوتو وتاتشر ومجاواتى، ابنة سوكارنو، لذا أعتقد أن العرسان، مهما بلغ مستواهم فهم دون المستوى المطلوب، نسى أن المرأة تصنع مجد الرجل أحياناً.
وأخيراً، تقدم المناسب، الذى زغرد له الجميع، أخبرتهم بالتوقف عن الزغردة لأنى لم أرد الزواج. تفاجأوا. اعتقدوا أنى أقف منتظرة موافقتهم لأجرى فورا لحضن اختيارهم المزعوم.
لماذا يا مجنونة؟!
هناك أمور تدور برأسى وعلىّ إنهاؤها. أولها الخلاص من حكم العسكر التابع لكم.
كيف يمكن أن أتزوج ولم أحقق بعد حاجاتى المهمة فى تحقيق الذات، وكيف أغامر فأنتقل لعش رجل لا أحبه ولا أعلم ماهيته وما إذا كان سيسمح لى بالتفكير أم سيمنعنى عنه. صحيح أنى أعشق المغامرات وأخوضها لكنى أبتعد عن المخاطرة كلياً. ثم هكذا تقررون لى الزواج فأوافق فوراً؟! ماذا عن إرادتى؟ أنا لم أشبع بعد من حياة العزوبية، والأهم من العزوبية أنى لم ألتق حبيبى بعد. طبعا، كنت أول فتاة تغامر فتجاهر بالحديث عن الحب والعزوبية وسط عائلتنا، التى تزوج كل فتياتها صغيرات. لكنى لم أكن أهتم بكلام الناس قدر اهتمامى براحتى ومتعتى الحياتية ورغبتى فى البقاء وحيدة فترة من الزمن أعرف بها من أكون، وأكسب التجارب والأحكام باستقلالية دون تأثير أو تدخل من أحد متغاضية عن مسألة العمر.
عمرك ثلاثون؟
حددى هدفك من الزواج: مصروف شهرى؟ أمان؟ عضلات؟ حب وحنان؟ عندها، ستعلمين مدى استعدادك للارتباط. تمييز الشريك فى نظرى هو مؤشر الاستعداد.
عمرك ثلاثون؟ عمرك أربعون؟
لا تنسى الاستمتاع بالعزوبية. استمتعى بممارسة ما لا تستطيع المتزوجات القيام به. استمتعى. مؤكد أنك تهوين أمورا أخرى إلى جانب الزواج والإنجاب، وأن بداخلك بركاناً من الهوايات والرغبات، فهل عزوبيتك مشكلة؟! تصالحى مع نفسك فالحقيقة أنها مشكلة بنظر المجتمع، ليخجل منها المجتمع وليلطم لأجلها الخدود وليبكى عُقده النفسية. أما أنتِ فاعملى وتنزهى واسعدى واعشقى كما تريدين واجعلى القدر يسوقه إليك، رفيقا لروحك لا زوجاً واجباً عليك.
أخيراً، ضعى فروقا بينك كعازبة وبين متأخرة ترتضى لنفسها لقب عانس، قبل أن تشيخى وتتحسرى على أجمل دقائق شبابك التى أمضيتها فى الولولة ومتابعة هيجان المستميتات وحكايات العانسات المملات.
نقلاً عن المصري اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع
http://www.copts-united.com/article.php?A=22252&I=554