هل سينقرض الأقباط من مصر

إسحاق صبحى

بقلم: إسحاق صبحي
باغتنا عمارة بكتاب جديد أصفر فاقع بعنوان "الفتنة الطائفية" وتبع العنوان بكافة أدوات الإستفهام الممكنة متى ولماذا وكيف وازاي وعشان إيه؟.
عندما يتصادف -لسوء الحظ- أن أقرأ ولو عدة أسطر من مقال أو عمود بتوقيع عمارة فإن هذا وحده كفيلاً بإشعاري بمرارة لا تنقطع لعدة أيام، فالرجل مشهود له عبر كتابات عديدة تتسم بالعنصرية وتتبنى الاستعلاء العربي الإسلامى على جميع خلق الله.
في كتابه الجديد يتنبأ عمارة بانقراض الأقباط من مصر خلال قرن من الزمن، وبالطبع هى ليست محض تنبؤ لكنها أيضاً أمنية غالية على قلب عمارة وسائر القلوب التي تمتلئ بقدر مساوي من السواد الغامق والحقد العميق.

أعترف بأننى كثيراً ما تساءلت بينى وبين نفسي عن مستقبلنا كأقباط وماذا ستحمل الأزمنة لأجيالنا القادمة والتي سيتحتم عليها هي الأخرى أن تنشأ وتعيش نفس مناخ الإضطهاد الخانق المحيط بنا من كل جانب.
هكذا يبدو طرح عمارة للوهلة الأولى منطقياً خصوصاً في ظل هجرة وهروب المسيحيين من الشرق الأوسط بأكمله وليس مصر وحدها.
لكن... ومع كل ذلك يبدو انقراض الأقباط من أرض أجدادهم هو فرض مستحيل بل وضرباً من ضروب الخيال والهلاوس التي تمتلئ بها عقول الحاقدين والجهلة والأرزقية.
فالأقباط عاشوا على أرض أجدادهم سبعة آلاف سنة فقط حتى تاريخه، ذاقوا خلالها جميع صنوف القهر والإذلال والعنصرية، فما عساها المائة عام القادمة أن تفعل بهم أكثر مما أوردتهم الدهور الغابرة.

تذوق الأقباط عبر آلاف السنين تشكيلة متنوعة من أرفع أنواع الإضطهادات الشرقية والغربية، من اضطهاد روماني إلى اضطهاد عربي إسلامي إلى مملوكي و تركي، حتى وصلنا الآن لأنواع مبتكرة من الإضطهاد لم يعرفها آبائنا مثل الإضطهاد الوهابي الإخواني وإرهاب السلفيين واضطهاد دولة العسكر ودولة المخابرات وأمن الدولة إلى آخر قائمة لا تنتهى.
ماذا ينوي أعداء المسيحيين المصريين أن يفعلوا بهم خلال المائة عام القادمة، ألعلهم يعدّون إرهاباً أشد وتهميشاً وإذلالاً أكثر؟، هل يا ترى سيكون هناك أصناف من التطرف لم تُطرح بعد في أسواق مصر المنكوبة والمضروبة من الرأس للقدم بكافة أشكال التفرقة والتمييز؟، تلك البلاد التي يتألق فيها التعنت والظلم ضد الأقباط وسائر الأقليات على مدار العام في عرض مستمر بلا نهاية.

يبدو جلياً أن الأقباط يعانون من غياب معطيات الوجود الكفيلة بالإبقاء على الشعب القبطي في غابة الشرق الاوسط الواسعة، فالمسيحيين في تناقص مستمر، والوضع الديموغرافي يزداد سوءاً في ظل نقص أعداد المواليد وزيادة أعداد المهاجرين من الأقباط.

لكن من جهة أخرى يجب النظر بموضوعية في مسببات وموجدات ذلك الوضع الديموغرافي الصعب، فمن تفشي الأصولية الدينية وتحول المجتمع نحو الفاشية وكراهية الآخر إلى انتشار جو عام مشبع بالتعصب والتطرف ورفض الأقليات الذين أصبحوا كمن يحيا تحت الحصار.
من الطبيعي إذاً أن يشعر كل قبطي بالخوف على حياته وحياة ابناؤه ناهيك عن الإحساس بالقلق على مستقبل الأبناء من جراء ندرة فرص التعليم الجيد، وفي ظل غياب شبه تام لفرص النجاح والحرمان من المنافسة حتى على أتفه الوظائف والمناصب، والتى هي ممنوعة عن الأقباط بغض النظر عن مدى كفاءتهم وجدارتهم.

من حسن الحظ أن عوامل الطرد التي تقف وراء هجرة المسيحيين هي إلى زوال فهي مجرد عَرَض من أعراض مرحلة البترودولار، كما أن الإرهاب والأصولية مآلهم الطبيعي هو إلى متاحف التاريخ ومزابله، فالعالم يتقدم وعجلة التاريخ لا تعود للوراء أبداً وسوف يستمر المسيحيين في وطنهم سبعة آلاف عاماً أخرى على أقل تقدير وستذهب نبؤات وأوهام عمارة وأمثاله أدراج الرياح.

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع