حرية الاعتقاد

راندا الحمامصى

بقلم: راندا الحمامصى
منذ أكثر من خمسين عامًا، نادى الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجرأة، بالمساواة التامة بين كُلّ أفراد العائلةِ الإنسانيةِ، وأوضح أن الكرامة الإنسانية لا تتجزأ. وتضمنت تلك الرؤية المرشدة للمساواةِ للكُلّ، حق كُلّ إنسان في حريةِ الفكر والضمير الوجداني والدين، ووصفتها بأنها حقوق أساسية لا مراء فيها.

ولكن، وعلى الرغم مِنْ تبنّي المجتمع الدولي بالإجماع لهذا الإعلانِ، وتصنيفه ضمن مواد القانون الدولي وقنوات تشريعه، إلا أن العالمُ لازال يشهد استمرار الإصرار على التعصب والتمييز، القائمين على أساس الدين أو المعتقد. كما يشهد انتشار مظاهر العنف باسم الدين، بل والتلاعب بالدين لمصلحة الأيديولوجية السياسية، وتزايد التوترات بين الدين وسياسات الدولة.

 لقد غذَّى تصاعد تيار التطرف الديني هذه التطورات، مهددًا الأمن والتنمية البشرية في الكثير من الدول، وكذلك الجهود المبذولة من أجل السلام.
إن الإنتهاكات واسعة النطاق لهذا الحق، التي غالبًا ما تستهدف النساء والأقليات، مستمرة في اطراد.

 إن حقوق الإنسان التي نصّ عليها الإعلان العالمي لا تتجزأ، كما أن لها طبيعة تداخلية، ويعتمد كل بند منها على الآخر. وهكذا فإن انتهاكات بند حرية العقيدة والفكر، قد انتقصت من ضمن ما انتقصت من حقوق، الحق في التعليم، والعمل، والتجمع السلمي، والمواطنة، والمشاركة السياسية، والصحة،  بل وأحيانًا الحق في الحياة ذاته. إن الوفاء بوعد حرية الدين والمعتقد للجميع دون تمييز، ما زال يشكِّل أكثر الحقوقِ الإنسانية إلحاحًا في عصرنا، كما أنه يظل الحق الأكثر إثارة للغط والنزاع.

إن كفالة حرية المعتقد كما يترأى لضمير الفرد، وحرية تغيير المعتقد، وفقًا لذات القاعدة- أمر جوهري في مسألة التطور الإنساني. فهو بمثابة الطريق في رحلة الإنسان للبحث عن المعنى. فالرغبةِ في المعرفة والتعرف على ذواتنا كبشر، هو بالتحديد ما يُميّزُ الضميرَ الإنسانيَ. ونحن نثني على تقريرِ الأمم المتحدة للتنمية البشرية لسنة 2004 الذي حمل عنوانًا ذا أهمية بالغة ألا وهو: "الحريَّة الثقافية في عالمِ اليومِ المتنوّعِ"، والذي يعترف للمرّة الأولى في تاريخ تقارير برنامج التنمية البشرية- التي بدأ إصدارها منذ خمسة عشر سَنَةِ- بالحريَّة الثقافية بوصفها "جزء حيوي في عملية التنمية البشرية". وأَكّدَ التقرير على "عمق الأهمية التي يمثلها الدينِ لهويات الشعوب.

 إن مفهوم التنمية البشرية، وتحليله من خلال تقارير التنمية البشرية، قد تَطوّر بشكل مثير للغاية؛ فقد تطوَّر هذا المفهوم الذي انبثق بداية من توجه يركز أكثر ما يركز على الأمور المادية، ومستوى الدخل للفرد، حتى أصبح مفهومًا شاملاً لمعنى التنمية، بوصفها اتساع لرقعة الحريات الإنسانية.
 إن التقريرالمشار إليه، عندما ضمَّن الحرية الثقافية في تحليله، وشمّلها حرية الدين والمعتقد؛ إنما وسَّع من المفاهيم الهيكلية التي تؤكد التطور والترقي لدى تقييم مدى التقدم الذي تم إحرازه في مجال التنمية البشرية.

إن تركيز التقرير على حرية العقيدة والدين، إنما جاء في وقته تمامًا. فقد أعاد هذا التقرير الأهمية البالغة لكل من التنمية البشرية والأمن– وقد صارتا في قلب اهتمامات الأسرة الدولية- وتركيز المجتمع الدولي على مفاهيم حرية الإنسان.
 اتفقت دول العالم في كل من إعلان الألفية للأمم المتحدة، ووثيقة أهداف الألفية للتنمية الذي تبع الإعلان، على تعريف الحرية على أنها "قيمة جوهرية أساسية للعلاقات الدولية في القرن الحادي والعشرين". وبالمثل جاء التقريرالعربي للتنمية لعام 2002 (وهوجهد رائد من قبل العلماء العرب)، بتعريف الحرية بأنها "الهدف والضمان للتنمية البشرية وحقوق الإنسان بوصفها الشرط المبدئي للتنمية في المنطقة.

 وفي إطار التحضير لعملية التقويم الشامل في الإجتماع رفيع المستوى للجمعية العمومية للأمم المتحدة، أكد السكرتيرالعام في تقريرين محوريين موجَّهين للجمعية العمومية، على العلاقة الحرجة بين التنمية والأمن وحرية الانسان؛ فمن غير الممكن وجود تنمية دون توفر الأمن، كما إنه لا يمكن أن يكون هناك أمن بغياب فرص التنمية. ويتوجب على كليهما أن يعتمدا على ركيزة صلبة من حماية لحقوق الإنسان وكفالة الحريات للجميع.
لقد أرسى تقرير التنمية البشرية الأرضية لمرحلة جديدة تتيح إعادة النظر في دور حرية الفكر والوجدان والدين في مجال التنمية البشرية على نحو جاد، وهو توجّه يقوم في الأساس على ترسيخ الإعتراف بهيبة الكرامة الإنسانية والضمير الحر لبني البشر؛ مستردًا معيار المساواة العالمي الذي حدّده الإعلان العالمي لحقوق الانسان. وبوصفنا جامعة دينية عالمية تعتبر حرية ضمير الفرد من الأمور المقدسة، مثلما نؤمن بتحرّي الحقيقة على نحو مستقل لا إجبار فيه، ولا يصح أن يعوقه عائق أيّاً ما كان، فإننا نناشد برنامج الأمم المتحدة للتنمية، النظر جديّاً في أربع قضايا حاسمة تتصل اتصالاً وثيقًا بتقرير هذا البرنامج، وهي:
1- الحق في تغيير الإنسان لدينه أو معتقده، بما يمليه عليه ضميره.
2- الحق في مشاركة الآخرين بإطلاعهم على ما يؤمن به الفرد.
3- مسئوليات المجتمع الدولي والحكومات الوطنية فيما يتعلق بالمهمشين، والطوائف الدينية المنظمة، وفقا لقواعد سلمية مسالمة.
4- مسئوليات الزعماء الدينيين فيما يتعلق بتعزيز وحماية الحق في حرية الدين أو المعتقد.

 وفيما يلي نتطرق إلى كل مسألة في تلك البنود، ونختم هذه الوثيقة باقتراحاتنا للأمم المتحدة فيما يخص العمل في مجال تلك المحاور.

الحق في تغيير الدين أو المعتقد
عرّف تقرير التنمية البشرية الحرية الثقافية بأنها: "قدرة الناس على العيش وفقًا لما يختار الإنسان أن يكون عليه وجوده، مع إتاحة الفرص لإعتبار خيارات أخرى". لكن التقرير يركّز في المقام الأول على الإستثناء الثقافي،  والإستبعاد. مستندًا على المظاهر الخارجية لدين المرء أو معتقده، في حين أهمل في نقاشه لهذا التعريف البعد الجوهري للإستبعاد الثقافي، ألا وهو الحق الداخلي الخاص في تغيير المرء لمعتقده أو دينه، إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، في المادة (18) يؤكد صراحة على أنه:
"لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين، ويشمل هذا الحق حريته في تغيير دينه أو معتقده، والحرية، إمّا وحده أو في جماعة ومع آخرين، علانيةً أو على نحو خاص، والحق في إظهار دينه أو معتقده من خلال الإفصاح والدعوة والممارسة والعبادة والإلتزام بما يمليه عليه هذا المعتقد أو الدين."
إن حق الإنسان في تغيير دينه أو معتقده، حق غير قابل للتقييد. هو حق مكفول دون قيد أو شرط، وفي أي وقت من الأوقات، ولا يخضع لأي منظم حكومي.

 فالحماية الخاصة الممنوحة وفقًا لهذا الحق، إنما تعكس مكانته في منظومة صون كرامة الإنسان. وبالتأكيد فإن رحلة بحث المرء عن الحقيقة والمعنى، لهي النشاط الأوثق إرتباطًا بالضمير الإنساني، وبرغبة الإنسان في رؤية العالم من خلال عينيه هو، لا أعين الآخرين. وفهمه وفقًا لما تمليه عليه مداركه وذكاؤه وفطرته، وهي بذلك مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بكل مناحي تطور البشر.

ولكن نظرًا للضغوط من الدول المخالفة لمعاهدات الأمم المتحدة اللاحقة، استخدمت الأمم المتحدة لغة أضعف في تعريف هذا الحق، وأخفقت في دعم تَأييد المعيارِ الواضح الذي حدده الإعلان. وحتى إعلان الجمعية العمومية لعام 1981 الخاص بالقضاء على جميع أشكال التعصب والتمييز القائمين على أساس الدين والمعتقد، لم ينص صراحة على التأكيد على حق تغيير الدين أو المعتقد.

 أما فيما يعد أشمل صياغة لهذا الحق حتى تاريخه، فقد حددت لجنة حقوق الإنسان حرية الفرد في تغيير دينه أو معتقده، والإجهار بذلك، وعدم الإكراه في أمور الدين، وعدم التمييز على أساس من الدين كمكون جوهري لهذا الحق، كما هو منصوص عليه في الإعلان العالمي. وجنبًا إلى جنب تشريعات الأمم المتحدة خلال الخمسة عشر سنة الماضية تولَّدت عن الإجتماعات الدولية، والتجمعات العالمية، ما يربو من الإلتزام العالمي لتعزيز وتذكية احترام حرية الديانة والمعتقد.

 إن حكومات العالم- بوصفها موقِّّعة على الإعلان العالمي والمعاهدات اللاحقة، وما يواكبها- مطالبة بتحمل المسئولية الأولية لإنشاء وصيانة وتعزيز الظروف اللازمة من أجل التمتع بحرية الضمير والديانة والمعتقد لمواطنيها جميعهم.

حق الفرد في الدعوة لدينه أو معتقده
ترتبط حرية اعتناق وتغيير الدين أو المعتقد، بحرّية مشاركة ونشر تلك المعتقدات مع الآخرين. إلا أن هذا الحق، والذي يتخلله مدى واسع من أنشطة عديدة يشملها تضمينًا الحق في الإجهار بالمعتقد، يظل من أكثر حقوق الإنسان عرضة للجدل والخلاف. وفي حين يدعو الإعلان إلى حماية حرية الإعتقاد الخاصة في المطلق ودون أدنى تحفظ، يظل حق الناس في الإفصاح، وتبيان المظاهر "الخارجية" لمعتقداتهم، خاضعًا للقيود. فيسمح للحكومات بفرض القيود على هذا الحق لأسباب شتى تحت مسميات "الفضيلة"، "الحفاظ على النظام العام" و"الرفاه العام في المجتمع الديمقراطي". وإن كانت تلك الحدود تقع تحت دائرة اختصاص الدول؛ إلا أنها كثيرًا ما أسيء استخدامها لقمع الأقليات، مما يثير التساؤل حول مدى شرعية تدخل الدول في مظاهر المعتقد والدين.

تردّ الدول على تلك الممارسات، بأن الحرص على عدم فتح باب الدعوة ومشاركة الآخرين بما يؤمن به المرء، إنما هو وسيلة لحماية تقاليد بعينها، والحفاظ على الأقلية المستهدفة.

لكن الحق في حرية الإعتقاد، واختيار الدين، ضرورة تعتمد على مدى الإنفتاح، والتعرف على أفكار أخرى جديدة،  والقدرة على تبادل المعلومات وتلقّيها. كما أن الحدود الموضوعة على أساس من "الحفاظ على النظام العام" و"الفضيلة"، كثيرًا ما طُبِّقت على نحو واسع، لا يتوافق مع مبدأ عدم التمييز.
 أن الدول غير الديمقراطية، والدول التي تقوم على النظم الثيوقراطية، تتحفظ على نحو مستمر على هذا الحق دون تحمل مسئولية تقديم الأدلة التي تثبت بها صحة رؤيتها. وهي بذلك لا تثير التساؤل حول تفسيرها لهذا الحق بالذات، ولكن كذلك كل الحقوق الأخرى المتعلقة به من حقوق مثل العمل، والتعليم، وحرية التعبير، والتجمع السلمي على سبيل المثال لا الحصر. وبينما يمكن فرض قيود على حرية الدين أو المعتقد على نحو مجدي إذا كان التطبيق ذا معنى، إلا أن إساءة استخدام الدول لهذه القيود، لا ينجح سوى في تفاقم التهميش الذي تعاني منه. وكذلك تتطلب حماية حرية المعتقد والدين، اليقظة التامة في حماية المواطنين من قوى التطرف العقائدي. وتوجب أن يُدان التحريض والتطرف ونشر العداء باسم الدين، وأن تُعاقب تلك الممارسات، وتردع بكل قوة.

 وبالمثل، وعلى غرار ذات التوجه الذي لا يمكن أن تتجزأ فيه حقوق الإنسان كما أُعلنت في الميثاق العالمي، يتوجب على الدول دعم المساواة بين الرجل والمرأة، باعتباره واجب أخلاقي، وأحد بنود القانون الدولي الذي يشجب ويدين سلوكيات وأفعال تحرم النساء من كرامتهن الإنسانية،  وممارسة حرية ما تمليه عليهن ضمائرهن باسم الدين.

وعليه فإنه يجب زرع استراتيجية وقائية طويلة المدى، ومتأصلة في الجهود المبذولة لتعليم الأطفال والبالغين على السواء، وتزويدهم بمهارات القراءة والكتابة، والفرص للتعرف على نظم أخرى من المعتقدات. ففي إطار ثقافة تحث على التعلم، يصبح بمقدور الناس الإطلاع على دياناتهم على نحو مباشر، كما يستطيعون الإطلاع على عقائد الآخرين بأنفسهم، وبذا يكونون مسلحين بحرّية السؤال والنقاش والإندراج في توليد وتطبيق المعرفة. فمثل هؤلاء لابد أن يكونوا أكثر قدرة على التصدي لقوى الجهل والتعصب.

الأقليات الدينية المهمّشة
- إن التحدي الماثل أمام الدول، وأحد اهتماماتها الجوهرية- كما يصفه تقرير التنمية البشرية- هو الحفاظ على التماسك الإجتماعي والوحدة الوطنية في مواجهة تزايد التعددية الثقافية. ويشير التقرير إلى تهديدات عدم الإستقرار الإجتماعي، والإحتجاجات العنيفة، ويصفها بأنها المؤشر والحافز لضرورة تبنّي الدولة لمطالب الأقليات، واستيعابها وليس العكس.

 فالواقع، هو أن الجماعات المهمشة الساعية لدرء الظلم الواقع عليها، من الممكن أن تتحول إلى العنف؛ لإجبار الدولة على اعتبار مطالبها، حتى تتفادى الإضطرابات الإجتماعية والتهديدات المحتملة للأمن القومي. إلا أن أسلوب رد الفعل هذا، يولد نمطًا خطيرًا في حد ذاته، ويعطي الأفضلية لأعمال العنف، لا سيما عندما تجد الجماعات السلمية المنظمه تجاهلا لإلتماساتها مرارًا وتكرارًا. كما أن التجاهل إنما يضاعف من التمييز، لا سيما وأن تلك الجماعات المستثناة على أساس من الدين، كانت قد أهملت مطالبها نتيجة لعدم لجوئها للعنف في سعيها لتصحيح أوضاع غير عادلة.

ولذا فإن الإجراءات التي تتخذها الدول، يجب أن تتجاوز الإعتبارات المادية والعملية المحضة، وأن تسترشد بقوة المبادىء الأخلاقية وسيادة القانون. ومن أهم هذه المبادئ هو الوحدة- على الصعيد المحلي والوطني والعالمي- معتمدةً على أسس التعايش السلمي بين الثقافات على تنوعها. كما يتوجب على الدول نبذ الأفكار التي عفا عليها الزمن من التجانس الثقافي والأيديولوجي التام، بوصفهما الضمان الأوحد للسلام والأمن. وأن يتبنّوا فكرة الوحدة من منظور التعددية، في ظل وقاية القانون العادل، والحقوق العالمية للإنسان، كأساس لمجتمع متناغم ينعم بالرخاء.

قادة الأديان
إن مسؤولية دعم المبادئ العالمية لحرية الدين أو المعتقد، لا تقع فقط على الدول، بل على القيادات الدينية في كل مكان أيضًا. وفي عالم ضاق بالعنف والصراع باسم الدين، تقع على عاتق القادة الدينيين مسئولية توجيه أتباعهم نحو التعايش السلمي، والتفاهم المتبادل مع أصحاب التفكير والمعتقد الآخر.

 إنا كثيرًا ما نجد أن من يتصرفون باسم الدين، هم أنفسهم من ينفخون في نار الكراهية والبغضاء والتعصب، جاعلين من أنفسهم العقبة الأكبر في طريق السلام. ولكن، وعلى الرغم من تلك الحقائق المؤلمة، فنحن نشهد بحقيقة أن ديانات العالم وأبعادها الإيمانية التي تتبناها الغالبية العظمى من سكان الأرض، ما زالت تغيث العالم، وترشده في هذه الأوقات العصيبة، مثلما كانت قد فاضت بإرثها الروحي والأخلاقي والحضاري من قبل على الإنسانية. والواقع أن الأديان وَصلتْ إلى جذورِ الدافع الإنساني؛ لتسمو بنا فوق المفاهيم المادية البحتة، لإعتناق مفاهيم العدالة، والمصالحة، والمحبة،  ونكران الذات في خدمة المصلحة المشتركة للجميع.

ونظرًا لأهمية الثقافة والدين في تشكيل السلوك والدوافع، يصبح من الواضح أن الآليات القانونية وحدها لن تؤدي إلى الالتزام والتفاهم المتبادل اللازم للحفاظ على ثقافة التعايش السلمي. إن دور قادة الأديان كشركاء- قولاً وفعلاً- في خلق ثقافة احترام كرامة الإنسان، وحرية الضمير والدين أو المعتقد، هو دور لا يمكن أن يقلل أحد من شأنه بأي حال.

 تشكل قوى التاريخ الآن، تحديًا لكل شخص مؤمن، لتعريف المبادئ الروحية التي تخصه من خلال كتاباته المقدسة وتقاليده التي تزوده بالإجابة على الأسئلة الصعبة التي يطرحها عصرنا هذا، التوَّاق إلى الوحدة والعدالة في الشئون الإنسانية.

 في هذا الجهد المشترك، المستند على فهم معاني الكرامة المتأصلة في كل كائن إنساني، واحترام عقله وضميره، يتوجب على قادة الأديان أَنْ يؤازروا الطبيعةَ المقدّسةَ للضمير الإنساني، ويمنحوا موافقتهم دون تحفظ لكل فرد في حرية البحث عن الحقيقة.

التوصيات
- الحاجة الآن ملحة لإتخاذ خطوات عاجلة لإعادة التأكيد على رؤية حقوق المساواة للجميع دون تمييز، على أساس الدين، أو المعتقد. وكخطوة أولى، يجب على الأمم المتحدة أن تؤكد، على نحو لا يقبل التأويل ولا اللبس، على حق الفرد في تغيير دينه أو معتقده في إطار القانون الدولي. وهذا التوضيح من شأنه أن يساعد على إزالة التفسيرات الخاطئة لهذا الحق، وأن يضفي قوة معنوية لإدانة السياسات والممارسات الحكومية التي تنتهك مبدأ عدم التمييز في مسائل الدين أو المعتقد.

- وبعد هذا التوضيح، يجب اتخاذ اجراءات ملموسة - تحقيقية وقانونية وتفعيلية. بدايةً هناك حاجة للتحليل والبحث العلمي لتوضيح المعايير الدنيا للإمتثال للقانون الدولي، وتطوير المؤشرات والعلامات التي تدل على وجود أو عدم وجود حرية في أمور الدين أو المعتقد. ومن شأن توفر تقرير سنوي تقوم عليه الأمم المتحدة، يقيِّم وضع حرية الدين والعقيدة في جميع أنحاء العالم، أن يوفِّر مزيدًا من المضمون، وييسر المقارنة؛ وفقًا لمعيار زمني، وعبر المناطق الجغرافية المختلفة.
- بالإضافة إلى توضيح المسائل التي ورد ذكرها أعلاه، فإن الأمم المتحدة تحتاج إلى معالجة شاملة ونهائية للتطرف الديني، باعتباره عائقًا رئيسًا أمام عمليات السلام. ففي حين كانت الأمم المتحدة تدين التعصب والإضطهاد الديني، كانت مترددة في إدانة التطرف الديني الذي يقف وراء العمليات الإرهابية.

 وبما أن النساء هن في الغالب من يتحملن العبء الأكبر في حالات التطرف الديني، وما يترتب عليه من اختراق لحريات الإنسان، يتوجب على "لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة"، أن تفكر في صياغة رأيها بخصوص المسائل الخاصة بحريات النساء في مجال حرية العقيدة والدين.
- نحن نؤيد تأييدًا تامًا دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى "مجلس حقوق الإنسان" لإعادة الأولوية لحقوق الإنسان كما نص عليها ميثاق الأمم المتحدة. وجنبًا إلى جنب مع الإصلاحات المقترحة، ينبغي أن تُتخذ خطوات لتعزيز الدور المعني بحرّية الدين من قبل مكتب المفوَّض السامي لحقوق الإنسان، وزيادة التمويل في هذا المجال؛ لإتاحة المراقبة عن قرب، ورصد النزاعات في جميع أنحاء العالم، وعلى الصعيد القطري.

 وبالتالي، فإن المفوضية السامية لحقوق الإنسان- وفقًا لهذا الانتداب- تصبح واحدة من القنوات الرئيسة في تنبيه الأمم المتحدة إلى قضايا الحريات الدينية. ونحن نوصي بمزيد من الاهتمام في تنفيذ التوصيات المقدمة من مقررها الخاص. ويجوز للمفوض السامي، النظر في توسيع ولاية المقرر الخاص في الإبلاغ بدقة عن الإنتهاكات؛ لتشمل التقارير الجهود التي تبذلها الدول لتنفيذ توصيات المفوضية.
إن تلك التقارير، ستفيد بشكل ملحوظ لدى مناقشة التفاعل بين الدول، والمقرر في هذه المسألة. وعلى الدول أن تسمح بأي زيارات طُلبت من المقرر الخاص، وتسعى لتَلْبِية حاجاتِه الإستقصائيةِ الكاملةِ اللازمة للعملية.
- من خلال التركيز على الحرية الثقافية والحرية الدينية كمكونات أساسية للتنمية البشرية، وتقرير التنمية البشرية لعام 2004، مُهّد السبيل لفتح باب النقاش في الوقت المناسب؛  فسُمح بإبراز الترابط بين الحرية والتنمية والأمن في عالم اليوم. واتضحت الصدارة التي كفلها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لثقافة احترام كرامة وضمير كل إنسان على وجه الكرة الأرضية.
 ونحن نعتقد أن حماية الحق في حرية الضمير والديانة أو العقيدة، ليست مجرد ممارسة قانونية أو ضرورة واقعية، بل هي جزء أكبر بكثير، وتعهد روحي جوهري يشكل المواقف والممارسات التي تسمح للإمكانيات البشرية أن تتجلى، وأن يزدهر نتاج العقل الإنساني الذي وُهب السبب والضمير للبحث عن الحقيقة بحرّية تامة، ودون قيود. (رد الجامعة البهائية العالمية بخصوص تقرير برنامج الأمم المتحدة للتنمية البشرية أبريل / نيسان 2005)